السيد سليمان نور الله
يربي رمضان في نفوسنا تمام الانقياد وكمال الطاعة لله ولرسوله؛ صلى الله عليه وسلم؛ فقد أمرنا المولى بصيامه “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” وقال صلى الله عليه وسلم: “أتاكم شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه” وحدد صيامه بلا زيادة أو نقصان “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه”، وأمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: “لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإذا غم عليكم فاقدروا له” وقال: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين” وقال صلى الله عليه وسلم: “ أحصوا هلال شعبان لرمضان” ومن تمام الانقياد لأوامره صلى الله عليه وسلم ألا نسبق صيام رمضان بصيام يوم الشك (من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم).
كما إن رمضان به تهذيب للنفس والرقي بها؛ فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان... ينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر “فـ« الصيام جُنَّة -وقاية- وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث -يتكلم بقبيح- ولا يصخب -يرفع صوته بالهذيان- فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم”. فالمعاصي قد تفسد الصوم ولا ترفعه إلى السماء “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.
كما إن الهدف الأساس هو التصبر وليس الصبر على الجوع والعطش؛ “ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً “فـ« كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر” لذا رُخص للمريض والمسافر بالفطر “فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين” كما قال سبحانه “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” فكان من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم لا يؤثر على صيامه “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه” ولو كان الهدف الإحساس بالجوع والعطش لما كان الأمر بتعجيل الإفطار وتأخير السحور “لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” ولما رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً كاد يهلكه الصوم وكان على سفر قال: “ليس من البر الصيام في السفر” عن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلاً في يوم حار، فسقط الصوامون، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذهب المفطرون اليوم بالأجر” ولكان النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمح للناس بوصل الصيام إمعاناً في الإحساس بالجوع؛ بل نهى عنه فقال له رجل: إنك تُواصل يا رسول الله! قال: “ وأيكم مثلي! إني أبِيتُ يطعمني ربي ويسقيني” بل على الصائم أن يتم شربته إذا سمع أذان الفجر والإناء في يده “إذا سمع النداء أحدكم والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه”.