كتب - هشام الشيخ ومحي الدين أنور:
في مشهد مروع، قتل الدخان الناجم عن احتراق لوحة مفاتيح الكهرباء الرئيسة في مدخل السكن سيئ التهوية، 10 عمال آسيويين اختناقاً جراء حريق نشب في مسكنهم بمنطقة الرفاع الشرقي فجر أمس، وهو الأمر الذي يطرح مجدداً وبقوة مشكلة سكن العمال وضرورة الالتزام بمعايير السلامة، والعمالة السائبة وغير القانونية.
المسكن القديم، مسرح الكارثة، سيئ التهوية ومغلق من كل الجهات وبلا نوافذ، وبابه الحديدي مغلق من الداخل، ووجوده بمنطقة ورش ومحلات سكراب كان سبباً كافياً لحدوث الفجيعة ولفظ الضحايا أنفاسهم الأخيرة دون أن يشعر بهم أحد إلا بعد انقضاء الأجل، ورغم انتباه الجيران من الآسيويين أيضاً لتصاعد الدخان من المنزل المنكوب، إلا أنهم لم يتمكنوا من فعل شيء ينقذ حياة من قضوا اختناقاً بالداخل.
كان المشهد مروعاً، إذ حاول الجيران يائسين بكل السبل إنقاذهم، عبر الصراخ، وضرب باب المنزل المعدني بالحجارة محاولين فتحه، بعد أن نبههم بعض المارة، وأحدهم مغربي، إلى الحريق، وصعد أحد الجيران إلى سطح المنزل وحاول سكب الماء في محاولة لإطفاء النار، لكن كثافة الدخان وصلابة الباب المعدني أعاقا محاولات الجيران إطفاء الحريق، وذلك بحسب ساربجيت سانغ أحد الجيران.
ورغم وصول رجال الإطفاء في دقائق لموقع الحادث، إلا أن وصولهم كان متأخراً بالنسبة للقدر المحتوم للضحايا الذين ينتمون إلى الجنسية البنغالية، حيث وجدوهم جثثاً هامدة مسجّاة على الأرض بجوار بعضهم بعضاً وقد لفظوا أنفاسهم الأخيرة. حاول رجال الإطفاء كسر الباب إلا أنهم لم يتمكنوا، فعمدوا إلى تكسير أحد جدران المنزل ليفاجأوا بأن الحريق لم يكن كبيراً، إلا أنهم عثروا على جثث العمال العشرة ملقاة على الأسرّة الخاصة بهم ولم تمسهم ألسنة اللهب، وكان واضحاً أنهم قضوا اختناقاً بسبب الدخان المتصاعد.
وتشكلت معالم كارثة حقيقية بعد أن باءت محاولات المسعفين إنعاش الضحايا بالفشل، وانتشر نبأ وفاة العمال البنغال بسرعة، وتجمع العشرات من الأشخاص في محيط المكان، وبعد انتشال الجثث بساعات قليلة بدأت الهواتف النقالة الخاصة بالضحايا في الرنين واحداً بعد الآخر، وحين رد أحد رجال الشرطة على هاتف وجد في الطرف الآخر أحد أقارب الضحايا الذي علم بالخبر من تلفزيون بنغلاديش، فطلب من أحد أفراد الجالية الموجود في موقع الحادث إبلاغهم بالمأساة.
وقع الحادث في حوالى الساعة 4:30 صباحاً، وكان الضحايا يعملون بشكل غير قانوني في غسل السيارات، وقال أحد زملائهم إنهم يكونون عادة خارج المنزل قبل الرابعة فجراً حيث تغير مؤخراً روتين حياتهم بسبب حلول موسم الصيف، حيث أصبحوا يعملون ليلاً حينما يكون الجو أكثر برودة.
وقال مدير إدارة الشؤون الإدارية بالدفاع المدني العقيد حمد المعراج في مداخلة مع تلفزيون البحرين إن الحريق نشب عند مدخل المسكن الذي يقطنه الآسيويون، وكانوا يقطنون في غرفة واحدة مغلقة من كل الجهات فيما الباب الخارجي حديدي ومغلق من الداخل فلم يتمكنوا من الخروج وماتوا اختناقاً، كما لم يتمكن الجيران الآسيويون من إنقاذهم.
ومن بين المتوفين الذين تم التعرف عليهم، ثلاثة من عائلة واحدة وهم محمد حنيف، الذي يقيم في البحرين منذ تسع سنوات، ونجله محمد، وصهره سليمان. وتوفي أيضاً، هاشم، وستار، وصديق، وشاهالوم نورو، وأبوطاهر، وذاكر، وسيد أحمد.
وتعليقاً على حادث الحريق، ووفاة عامل آخر بالمنامة أمس، أنحى وكيل وزارة العمل صباح الدوسري بالمسؤولية في وقوع ضحايا حادثة الرفاع على كل من صاحب البناية والعمال، وقال إن “الحادث مأساوي مهما كانت الأسباب نظراً للخسائر الكبيرة في الأرواح”، والمسؤولية يتحملها العامل الذي كان يقيم ويعمل بشكل غير نظامي وغير قانوني ويجهل أين تقع مصلحته، كما إن المسؤولية تقع كذلك على عاتق صاحب المبنى الذي سمح له ضميره باستغلال ظروف بعض العمال بتأجير مكان غير ملائم ليتكدسوا فيه بشكل غير آمن.
وجدد الدوسري في حديثه لـ«الوطن” تأكيد الوزارة أن الحادث خارج نطاق مسؤوليتها كون السكن الذي وقع فيه الحادث غير مسجل ضمن المساكن التي تقوم الوزارة بالتفتيش عليها، كما إن الضحايا كانوا من العمالة السائبة. وأكد أن وزارة العمل أبدت عدداً من الملاحظات على قانون مساكن العمال المطروح أمام السلطة التشريعية، أهمها تتعلق بمخاطر وسلبيات تخصيص مكان واحد لسكن العمال العزاب الأجانب، مثل إمكان انتشار الأمراض، أو بعض السلوكيات السيئة، أو إمكان حدوث إضرابات أو ما يترتب على تجمع أعداد كبيرة من جنسية واحدة، وغيرها من السلبيات.
وقال الوكيل “نحن من المؤيدين لتنظيم سكن العمال الأجانب، والقانون أمام السلطة التشريعية، ونحث جميع الشركات وأصحاب العمل على تسجيل مساكن العمال لديهم، ونقوم بتوفير كافة إجراءات وإرشادات السلامة والصحة، كما إن التسجيل يقي أصحاب العمل من المساءلة في حال وقوع مكروه لا قدر الله”.
الجدير بالذكر أن حوادث وفاة العمال تزايدت في الفترة الأخيرة حيث تأتي الحادثتان الأخيرتان بعد أيام على وفاة 3 آخرين اختناقاً لكن تلك المرة في حفرة للصرف الصحي بسبب استنشاق غاز الميثان.
ومن اللافت أن هذا التصاعد في حوادث العمال ومساكنهم يأتي بالتزامن مع عقد المؤتمر الوطني الأول للصحة والسلامة المهنية الذي أنهى أعماله مؤخراً، وأكد وزير العمل جميل حميدان آنذاك أن تلك الحوادث تحصد ما يقارب 100 ضحية سنوياً بسبب حوادث لها علاقة بنقص الوعي بثقافة الصحة والسلامة المهنية.