ونحن نودع حبيب القلوب وأنيس النفوس وقرة العيون شهر رمضان المبارك يطيب لي أن أوجه ثلاث رسائل من محب لا من موجه:
أولها رسالة شكر وثناء وخضوع وحب لله رب العالمين الرحمن الرحيم جابر قلوب المنكسرين؛ تأملوا يا أحبتي كيف شرع لنا عيد الفطر عند وداع رمضان، لعل من الحكم العظيمة والأسرار البليغة في ذلك الرحمة بالعباد المؤمنين حتى لا تتقطع قلوبهم حزناً وتموت نفوسهم كمداً على فراق رمضان فكانت فرحة العيد تؤنس قلوبهم وتشرح صدورهم وتخفف مصابهم على فراق شهرهم.
ثانيها رسالة لشهر رمضان؛ أقول له فيها “ارحل أو لا ترحل” فليس في رحيلك جديد ولا خبر فريد، فقد تيقنا من رحيلك قبل إشراقة شمسك، وقد تذكرت وأنا أودعك قول الفاروق رضي الله عنه حين قبّل الحجر الأسود: “والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبّلك ما قبّلتك”.
ونحن يا رمضان نعلم أنك شهر كغيرك من الشهور ولولا أن الله عظمك ونبينا “ص” استبشر بك وفضلك ما عظمناك ولا فضلناك”. أتظن يا رمضان إن غابت شمسك أن يغيب الصيام أو تظن إن رحلت بالتراويح أن يرحل القيام. أتظن أن بطون الفقراء تبقى جائعة حتى تعود، أم تظن أن القرآن يهجر في غيرك من الشهور.
قد ظننت بالمسلمين ظن السوء إن كان هذا ظنك!
أما الرسالة الأخيرة : فهي لإخواني المسلمين؛ أقول لهم فيها: قد صح عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال: لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمته”. فالمعول عليه رحمة الله لا أعمالنا؛ فما قدمناه يسير مهما عظم وقليل مهما كثر؛ ومن علامات القبول الإكثار من الاستغفار خشية التقصير والخوف من رد العمل ولو وقع على أحسن الأحوال؛ فقارن عملك مع من تظن أنه أكثر منك اجتهاداً من إخوانك وأصحابك وزملائك، فإذا رأيت الفرق فقارن عمله بأقل السلف اجتهاداً فسترى البون الشاسع والله المستعان. لكن مادام أن رحمة الله المعول عليها فهذا يزيد الرجاء بالقبول، ويعظم الأمل بالفوز والسرور. تأملوا لو أن فقيراً وقف بباب غني يوماً واحداً يتملقه ألا ترون أن ذلك مدعاة للغني أن يرحمه فكيف لو كان هذا الغني كريماً. ولله المثلى الأعلى فهو الغني الكريم وقد وقف عباده الفقراء إليه شهراً كاملاً؛ فما تظنون؟
اللهم أدخلنا برحمتك في رحمتك، وأغننا بفضلك من فضلك، وجد علينا بجودك من جودك؛ وعيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير .