أبوذر حسين
أكل ضب، وصيد دب، ونفخ نار، وحمل عار، وبيع دار بربع فلس، أهون من وقفة الحر “بعكازتين” من هموم كسر وضيق جبص.. كل يرى العالم بعين الأمة الخاصة، بآهاته، وتأوهاته، ومادون أوجاعه تيجان عز وفخار تعلو العقول التي في الرؤوس.
صديقي “سيد وسواسي” إنسان نادر على طريقته، يتحلى بالخوف الروحي غير الطبيعي من أي شيء كان، وبشكل مبالغ، ليس بينه والصوم ود موصول.
تراه يرتعد في رجب، ويتصبب عرقاً في شعبان، ويصل قمة انهيار الوهم النفسي مع ثبوت رؤية هلال الشهر الفضيل، وإذا ما دخل رمضان في العشر الأواخر، فإنه يتنفس الصعداء فرحاً، ويعتبر ليلة السابع والعشرين من رمضان ليلة القدر الحقيقية له، لأنها إعلان نهايات حقيقية للصوم، فلا يستوحش الشهر مودعاً، ويتردد كثيراً في رفع يديه بدعاء أن يبلغه الله رمضان المقبل. ويتمطى نهاية الشهر فارداً يديه في اتجاهين، بارزاً صدره إلى الأمام قائلاً بصوت متعب فاتر: “الحمد لله خلصنا من التلاوة ونلتقي العام المقبل”!.
وفوق كل ذلك يتميز “وسواسي” باللعثمة و«خربطة” الكلام، وعدم القدرة على تنسيق الموضوعات أو ترتيب الأفكار وطرحها.. عندما عادني مواسياً ألمي أتحفني بباقة ورد احتشدت فيها كل الألوان “ولا تسألني عن تنسيق الباقة”!.. إذ قال واعظاً وهو يرمقني بنظرة استعطاف: لا تحزن لأنك لا تملك حذاء في قدميك الاثنين بل افرح لأن الله وهبك قدمين.. أنظر إلى المشير طنطاوي كيف قد سرق حذاءه في العشر الأواخر من الشهر الكريم.
نعم ذاك قدره وهذا قدرك.. قدرك أن يبتليك الله البقاء قسراً في بيتك لمشاهدة مسلسل (عمر) لتكون يوم البعث على هؤلاء وأولئك شهيداً، ولا تقل آنذاك: إن علماء الأمة اختلفوا حول “تجسيد الصحابة” رضوان الله عليهم، وأنا رجلي كانت مكسورة، فيومئذ لا ينفع التجسير أو التجبير!.. فالحياة يا عزيزي الفاضل كما تعرف مثل الأولمبياد عدو وقفز ورمي، فإذا لم تحظ بميدالية في لندن عليك أن تصبر وتثابر وتتدرب على الرقص وتستعد لملحمة “السامبا”.. كيف لا؟ وإننا أمة تدربت كثيراً على الصبر واحتمال الأسى، حتى تبلد الحس فينا، وتجمد الشعور الصادق بكرب ومآسي إخواننا، حيث أصبح قتل طفل حلبي لا يمثل لنا غير خمس كلمات في شريط أخبار.. لذا عليك أن تتحمل أوجاع رجلك، وأن تكون لطيفاً مهما ساءت الأمور وكثرت صفوف توزيع الخدمات.. وطالما كنت لطيفاً ومتحملاً الآلام لن تستطيع أية فضائية عربية أن تفرض عليك تحرشات أليسا أو النابغة مروة.. فقط عليك ياعزيزي أن ترتاح وتبتسم للدنيا وتنظر لها بتفاؤل وأمل كي تبتسم لك الدنيا.. أو كما قال الشاعر: رمضان ولى فهاتها يا ساقي مشتاقة تسعى لمشتاق
(الآن فقط أشعر بالكسر في رجلي وليته كان عنقي.. ترى كم سيد وسواسي بيننا؟!).