جَسدّ القرار الصادر عن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، بإنشاء “لجنة تنسيقية عليا لحقوق الإنسان”، حرص الحكومة برئاسة سموه على تعزيز وترسيخ حقوق الإنسان فكراً وممارسة، والحرص على الدفع بجهود مملكة البحرين نحو تأكيد احترامها الدائم لحقوق الإنسان كالتزام تمارسه بلا أية قيود أو ضغوط، من منطلق إيمانها بأن حفظ كرامة المواطن وصون حقوقه هي مسؤوليتها الأولى.
والمتأمل في المسؤوليات المناطة باللجنة التي قرر سموه تشكيلها يستشف مدى ما توليه الحكومة من اهتمام ومسؤولية تجاه ترسيخ حقوق الإنسان، من خلال وضع تصور متكامل يُؤمّن أولاً تمتع كل مواطن بحقوقه كاملة دون نقصان وفق ما أقره دستور المملكة وقوانينها، ويتفاعل ثانياً مع متطلبات حقوق الإنسان العالمية ويلبي التزاماتها التي تعد البحرين طرفاً فيها.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال محورين أساسيين، تضمنهما قرار إنشاء اللجنة وترجم مسؤولياتها، أولهما التحرك على المستوى المحلي حيث تتولى اللجنة مسؤولية إعداد “خطة وطنية لحقوق الإنسان على مستوى الحكومة”، بحيث تضع الملامح والأسس المستقبلية للنهج والسياسات التي تمكن الحكومة من تعزيز وإدماج الحريات وحقوق الإنسان في قطاعات المملكة كافة، إضافة إلى “تحقيق المواءمة بين خطط وزارة الدولة لشؤون حقوق الإنسان، وبين متطلبات أوضاع الجهات الحكومية المتعلقة بحقوق الإنسان”، وكذلك “وضع خطة سنوية للتدريب في مجال حقوق الإنسان”.
ومن شأن التنسيق الحكومي بين الجهات المعنية بهذا الملف أن يكفل لها سرعة الإنجاز والقدرة على معالجة أية ملاحظات أو قضايا بهذا الشأن وفق آلية موحدة تضمن عدم تشتت الجهود أو تضارب المسؤوليات والاختصاصات فيما بينها.
ويتعلق المحور الثاني للتحرك، بتعزيز التواصل والتفاعل مع المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، باعتباره جزءاً أصيلاً في جهود الحكومة لدعم موقع البحرين على سلم المؤشرات العالمية لحقوق الإنسان، إذ ستتولى اللجنة مسؤولية “التنسيق في إعداد الردود على البيانات والتساؤلات الصادرة من المنظمات والجمعيات داخل المملكة وخارجها المتعلقة بحقوق الإنسان”، كما سيناط بها “التنسيق في إعداد التقارير التي تلتزم البحرين بتقديمها تطبيقاً للاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة في مجال حقوق الإنسان”، وكذلك “متابعة تنفيذ توصيات مجلس حقوق الإنسان”، و«إعداد الدراسات التي تتعلق بمواءمة القوانين المحلية للاتفاقيات التي انضمت إليها مملكة البحرين في مجال حقوق الإنسان”.
ومما لاشك فيه أن خطوة إنشاء اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان، تعد استمراراً لنهج الحكومة في الاهتمام باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وحمايتها، حيث أكد صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، في العديد من المناسبات التزام البحرين بتوفير الظروف الملائمة لتعزيز وترسيخ حقوق الإنسان، وكذلك دعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل في هذا المجال، إضافة إلى تجديد التأكيد على التزام البحرين بالاتفاقيات الدولية والمعاهدات ذات الصلة كدعامة أساسية لصيانة أوضاع حقوق الإنسان.
ويجسد حرص صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، على توجيه رسالة للعالم سنوياً في اليوم العالمي لحقوق الإنسان مدى الاهتمام الذي يوليه سموه بتعزيز وترسيخ حقوق الإنسان فكراً وممارسة، وتوضح هذه الرسائل مضمون فلسفة سموه تجاه قضايا حقوق الإنسان محلياً وعالمياً، ويمكن تلخيص أبرز ملامح فكر سموه في رسائله السنوية النقاط التالية: أهمها إن دعم ورعاية حقوق الإنسان وصون كرامته هو نهج وغاية لن تحيد عنه الحكومة أبداً وستواصل العمل على ترسيخه لتعزيز مبادئ وثقافة حقوق الإنسان التي تعاظمت مع إطلاق المشروع الوطني لعاهل البلاد، كما إن احترام حقوق الإنسان وترسيخها هو مؤشر مهم وأساسي لقياس مدى تقدم الشعوب، حيث لا يمكن لأي أمة أو شعب أن ينهض ويصبح عنصراً نشطاً على خارطة المجتمع الدولي ما لم تكن حقوق الإنسان في صـدارة أجندتـه ومشروعـه التنموي.
كما إن الدفاع عن حقوق الإنسان مسؤولية الجميع سواء دول أو منظمات أو شعوب من أجل بناء عالم يفي بالوعود والمبادئ التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة وحقوق متساوية وتأمين لمعيشة أفضل. وإن تعظيم حقوق الإنسان في شتى المجالات يجب أن يترافق مع رؤية متوازنة تفسح المجال أمام التنمية والأمن والحرية.
استمرار مملكة البحرين في نهجها الداعم لكل جهد يسهم في الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان، ويساعد في تعزيزها، بما يتوافق مع رؤيـة المملكة الحضاريـة المنبثقة من الشريعة الإسلامية وبما يتماشى مع ما قطعته على نفسها من تعهدات والتزامات دولية. وأن حقوق الإنسان في البحرين هي حجر الزاوية في دولة القانون والمؤسسات التي يقودها جلالة الملك.
وبصفة عامة، فإن صيانة واحترام حقوق الإنسان كقيمة إنسانية نبيلة تحظى باهتمام واسع في مملكة البحرين، وهو ما يتضح جلياً في تواجد هذه الحقوق في بنود ميثاق العمل الوطني، ونصوص الدستور، من خلال التأكيد على كفالة الحريات الشخصية وحرية العقيدة وحرية التعبير، والمساواة بين المواطنين، وكفالة الحق في التعليم والصحة والعمل والضمان الاجتماعي، وتقوم الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بالتعاون مع مجلس النواب بالعمل على تحويل هذه البنود إلى ممارسات حياتية، من خلال منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين التي تكفل أفضل الممارسات في هذا المجال.
وأكدت الحكومة برئاسة سمو رئيس الوزراء، في برنامج عملها للسنوات “2010 ـ 2014”، أنها وهي تسعى لتحقيق البرنامج والأهداف الواردة فيه، لتؤكد التزامها المطلق بالدستور ومبادئ الميثاق الوطني وبالحريات الأساسية التي كفلها، وبسيادة القانون واستقلال القضاء وصون الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وبالعمل على منع أي مساس بهذه الحقوق وتعزيز التعاون مع السلطة التشريعية لخدمة المصلحة العليا للشعب والوطن.
ومن أهم مظاهر اهتمام الحكومة بتعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان في المملكة، هو تخصيص حقيبة وزارية مستقلة لتولي ملف حقوق الإنسان ووضع خطة استراتيجية وطنية لتعزيز حقوق الإنسان على مستوى المملكة، وتعزيز مناخ الحرية والانفتاح وحرية التعبير.
وأقرت المملكة إلى جانب ذلك، منظومة متكاملة من القوانين التي تعزز الحريات الأساسية، وتكرس وتحمي وتصون حقوق الإنسان بالمملكة، في مجالات مباشرة الحقوق السياسية، وإنشاء النقابات العمالية، وتنظيم الصحافة والطباعة والنشر، والجمعيات السياسية، والضمان الاجتماعي، والاجتماعات العامة والمسيرات، ورعاية وتأهيل وتشغيل المعوقين، والتأمين ضد التعطل، ومكافحة الاتجار في الأشخاص.
كما أنشأت المملكة العديد من المؤسسات العامة، واللجان والإدارات الهادفة إلى تعزيز حقوق الإنسان من جهة، وكذلك توضيح كل ما يثار إن وجد من مزاعم بشأن تلك الحقوق من جانب بعض المنظمات الحقوقية الدولية وغيرها، فهناك المؤسسات الرسمية المعنية بصورة مباشرة بحقوق الإنسان، كلجنتي حقوق الإنسان بمجلس الشورى، ووزارة الداخلية، وإدارة الشكاوى بالوزارة بهدف الارتقاء بمستوى الأداء العام في المجال، وهناك المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في الأشخاص، فضلاً عن دعوة جلالة الملك لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان.
إن قرار صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، بإنشاء “لجنة تنسيقية عليا لحقوق الإنسان”، يأتي استكمالاً لسلسة من القرارات والإجراءات التنفيذية التي اتخذتها الحكومة في مجال نشر وتعزيز حقوق الإنسان في المجتمع البحريني، وذلك بفضل ما يوليه سموه من حرص وعزم أكيد على أن تكون حقوق الإنسان في البحرين وكرامته مصانة، في إطار شامل من التشريعات والقوانين العصرية التي تتوافق مع التزامات مملكة البحرين الدولية في هذا المجال.