كتب - طارق مصباح:
يعاني غالبية الشباب في البحرين من مشكلة الفراغ خاصة في ظل موسم الإجازات كما هي الحال الآن مما يسبب لهم الكثير من الحيرة والاضطراب، وعندما نلقي نظرة سريعة على ما يفعله الشباب لملء الأوقات لوجدنا العجب في إضاعتها في غير ما ينفع بل ربما فيما يعود عليهم بالضرر. وإذا أضفنا على ما سبق حلول شهر رمضان الكريم في الإجازة الصيفية فكيف يا ترى تكون الحياة الشبابية؟
«الوطن” أخذت جولة في ربوع المملكة في الشهر الفضيل والتقت مجموعة من الشباب، واستطلعت آراءهم ونقلت بصورة شفافة أسلوب الحياة الذي يمارسه رجال المستقبل..
نوم إلى العصر+ سهر في الخيمة!
أحمد الشيراوي (14 سنة) التقته “الوطن” أول أيام الشهر الفضيل، وإذا به يخبرنا أن رمضان هذه السنة سيكون مليئاً باللعب و«النوم”! وعبر عن ذلك قائلاً “سنعيش الحرية في رمضان..”، هذه الحرية فسرها لي أشرف الحسن (14 سنة) الذي التقيته عصراً في أحد المساجد، وأخبرني عن برنامجه الرمضاني.. سهر إلى الفجر على شاشات القنوات الفضائية في خيمة “الربع” ثم نوم.. غير أن والده يوقظه لأداء صلاة الظهر ليتابع بعدها النوم إلى العصر، أما صديقه أحمد جناحي (15 سنة) فأخبرنا أنهم يجتمعون في مجلس أحد الأصدقاء ليلاً ويستمرون في السمر واللعب ومشاهدة التلفاز إلى الفجر.. اقتربت من إحدى الخيمات الشبابية لأرى ما يدور فيها.. أحاديث شبابية.. ألعاب.. كيرم.. دامه.. بلاي ستيشن.. وشاشة تلفاز.. وفي إحدى الخيم التقيت جاسم المناعي (15 سنة) والذي قال لنا إنه يسهر في تلك الخيمة إلى الفجر ثم ينام ليقضي بعدها الفترة بين العصر إلى الفطور في قراءة القرآن في المسجد، علي البنعلي (15 سنة) قال “لا أعرف أين أقضي يومي في رمضان.. سأذهب لأداء العمرة مع الأهل أما هنا فأقضي ليلي في الالتقاء مع الأصدقاء في لعب ومشاهدة التلفاز”. وفي مكان آخر التقيت أحمد بوخلاف (11 سنة) الذي قال إن رمضان هذه السنة مريح جداً لأنه بدون مدرسة! وأنه يحب أن يلعب فيه البلاي ستيشن في خيمة الأصدقاء، أما أحمد البوسعيدي (14 سنة) فطالب ببرامج في المساجد بين صلاة الظهر والعصر لتضبط برنامج الشباب بدلاً من الاعتماد على النفس حيث لا معين..
واتفق معه عبدالوهاب الزايد (11 سنة) وقال إنه لا توجد برامج في المساجد للشباب رغم أهمية الشهر.
نماذج أخرى التقيناها أسعدتنا، فالأخ وجدي جلال (18 سنة) قال إنه يمارس الرياضة في الفترة المسائية مع أصدقائه ويحضر أحياناً المحاضرات في المساجد، بينما يشارك صديقه علي عبدالرحمن (18 سنة) في النشاط الخيري للجمعيات في جمع التبرعات.
كما التقينا عبدالعزيز الجيران (16 سنة) والذي قال إن برنامجه يبدأ من بعد استيقاظه لصلاة الظهر وخصصه لقراءة القرآن وفق برنامج يكفل له أكثر من ختمة، وفي المساء يخرج مع الأصدقاء ليقضوا وقتاً في لعب كرة القدم، أما طارق زويد (21 سنة) فشكا الحال من قصور البرامج الشبابية في رمضان على مستوى المملكة، وقال إن برنامجه الرمضاني يبدأ بعد العصر حيث يتنقل بين المساجد بحثاً عن الحلقات العلمية والدروس والمواعظ وفي الليل يجتمع مع أصدقائه في الخيمة الرمضانية.
النائب علي زايد شكر الصحيفة لاهتمامها بطرح هذا الموضوع المهم، وحمَّل المسؤولية للأُسرة التي يعتبرها أساس برمجة حياة الأبناء، وطالب الوالدين بتعليم أبنائهم مهارة حفظ وتنظيم الأوقات وشغلها في ما يعود عليهم بالثواب والفائدة في هذا الشهر الكريم.
وقال زايد “إننا نلاحظ إهمالاً كبيراً في تنشئة جيل المستقبل في هذا الشهر، بدليل توقف كثير من مراكز التحفيظ عن تدريس أبنائنا ناهيك عن عدم وجود برنامج شبابي واضح في الجمعيات والمراكز واقتصار مشاركة هذه الجمعيات على العمل الخيري وهذا نقص في إعداد الشباب”. وقال النائب إن رمضان مدرسة للشباب فلابد من تفعيله في حياتهم ليقوم الكثير من اتجاهاتهم وسلوكياتهم وتجنب إهدار طاقاتهم، وأشار إلى أن الأزمة التي مرت بها البلاد أكدت لنا أن شبابنا بحاجة إلى جهود جبارة لاحتوائهم.

البناء الصالح في العبادة
وفي ذات الشأن، التقينا عضو مجلس الشورى جمعة الكعبي الذي دعا الشباب لمزيد من التمسك بقيمهم الدينية وشغل أوقاتهم في شهر رمضان بالعبادة، وأكد أنه من خلال الملاحظة تبين أن بعض الشباب غفل عن هذا الجانب في هذا الشهر لقلة البرامج التثقيفية التي تحتضن الشباب. كما حمل الكعبي المسؤولية الأكبر على الأُسرة الصغيرة كونها اللصيق الأكبر بالشاب، كما حث الشباب على الحفاظ على عمرهم الثمين والابتعاد عما فيه ضررهم والبحث عما يحقق لهم القوة الإيمانية وصلاحاً ينهض بوطنهم ليكونوا لبنات صالحة.
وقال عضو الشورى “إنني لا ألوم الحكومة رغم أن هناك نقصاً في البرامج الشبابية في رمضان، ولكن على المؤسسات التي تدعمها الحكومة أن تستغل الدعم الذي تحصل عليه في إعداد برامج مخصصة للشباب حتى لا يعانوا من ضياع الأوقات”.
مسؤولية مجتمعية مشتركة
ولمزيد من التشخيص للجانب التربوي للموضوع التقينا الباحث الاجتماعي إبراهيم الدرازي الذي أكد أن هذا الوضع ليس مستجداً إذ نعاني من هذه المشكلة منذ سنوات، وحمَّل الدرازي المسؤولية للمضلع الثلاثي المجتمعي الذي أفرز هذا السلوك وهم الأُسرة، ومؤسسات المجتمع المدني، والشباب أنفسهم، مطالباً بحذف حالة عدم الاستفادة من الأوقات في رمضان.
وحول الحلول المقترحة لشغل الوقت في المفيد، ذكر الدرازي أننا أمام مفارقة لا يمكن إيجاد حلول سريعة لها، وقال إنه بحكم التطور السريع في العلاقات الذي يعيشه مجتمعنا فأنصح الشباب بتقسيم أوقاتهم والتوجه إلى قراءة القرآن، والاستزادة من العبادة في هذا الشهر مما يحقق لهم تقوية أواصر علاقتهم برب العالمين. كما دعا الدرازي الشباب للاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة لتكوين حصيلة علمية تراكمية تؤمن لهم نمواً معرفياً لمستقبلهم.
أفكار خاطئة عن رمضان
لتسليط الضوء أكبر على هذه القضية، التقينا الشيخ عبدالناصر عبدالله الذي ذكر أن هذا الموضوع تطرق له الكثير من الدعاة وخطباء الجمعة، وفصل بقوله أن أكبر إشكالية تواجه الشباب المسلم هي الاضطراب في ثقافة الفهم لفلسفة حقيقة الإنسان في رمضان، مبيناً أن كثيراً من الشباب ليس لديهم القدرة على الربط بين أطراف المعادلة التي تحقق لهم مفهوم الاستفادة من الشهر في تحقيق التقوى والسعادة المنشودة. وحول الأسباب التي صرفت الشباب عن استغلال أوقاتهم في المواضيع المفيدة خاصة خلال شهر رمضان، قال عبدالله “إن كثيراً من وسائل الإعلام العربية أساءت للشهر وأعطت فكرة خاطئة للشباب وصرفتهم عبرها عن الهدف الأسمى لبناء علاقتهم مع الله عز وجل وتوطيد تلك العلاقة، واستدراك النقص الذي حدث فيها طوال العام”، وأضاف “أصبح رمضان موسماً للانجراف وراء البرامج الفارغة التي لا مضمون لها والتي أضحت أداة لتغيير الأفراد وإشغالهم عن المطلوب”.
التعاون بين الجمعيات والوزارات
كان لزاماً الالتقاء برؤساء الجمعيات الشبابية والقائمين على الأنشطة المتعلقة بهم لإكمال الصورة، ومعرفة مدى الاهتمام الأهلي بهم، وكانت البداية مع رئيس جمعية المستقبل الشبابية صباح الزياني الذي أكد وجود برامج خيرية وزيارات اجتماعية لتعزيز الروح التطوعية للشباب في شهر رمضان، إلا أنه دعا لمزيد من البرامج لتكون على مستوى الأندية الصيفية التي تقيمها المؤسسة العامة للشباب والرياضة ووزارة التربية ووزارة الداخلية مثلاً، وطالب الزياني بالتعاون والتعاضد بين الجمعيات الشبابية والوزارات المعنية حتى لا يضيع الشباب البحريني ويبحث عن البديل ليفرغ طاقته المدفونة.

الشباب في المسجد!
وسعياً منه للقيام بدوره المنشود عبر برامج متواضعة ذات أثر كبير، قام جامع أجور بمدينة حمد بعدة نشاطات دعوية وتعليمية بغرض سد فراغ الشباب والناشئة حتى يعود عليهم بالنفع والفائدة خلال شهر رمضان، وحدثنا إمام الجامع الشيخ حسن طيب عن ذلك موضحاً أن مركز عبدالرحمن أجور لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه يعقد دورة مكثفة سنوياً في حفظ القرآن الكريم، تبدأ منذ بدء العطلة الصيفية حتى نهاية شهر رمضان المبارك، لتخريج حفظة لكتاب الله عز وجل. وأضاف طيب أن الجامع يحتضن الشباب الحافظ للقرآن الكريم ويشجعهم على القيام بالإمامة في المساجد، وذلك عن طريق التنسيق مع أئمة بعض الجوامع للإمامة لصلاة التراويح خلال شهر رمضان المبارك. وأضاف أن الجامع يقيم مسابقة ثقافية سنوية خلال شهر رمضان المبارك، بغرض تثقيف المسلم وزيادة رصيده العلمي عن طريق الأسئلة العلمية التي تجبره على البحث في كتب الفقه وغيرها من الكتب العلمية، ويتم توزيع جوائز قيمة على الفائزين.