كتب - حسن خالد:
يُعدّ “التجنيس الرياضي” إحدى الوسائل المهمة التي تستخدمها أغلب الدول العالمية عامة لتطوير الرياضة في بلدانها، و الوصول لمراتب النجاح بحيث يعتبر التجنيس الرياضي مثار جدل كبير في الأوساط الرياضية العربية خصوصاً بين توافق الفئات المجتمعية المحلية على شرعيتها وعدمها، فما هي الأسباب وهل هنالك أهميات للتجنيس وماذا سيستدعي كل ذلك بالأخير؟
التعداد السكاني
مملكة البحرين من الدول التي لا يتعدى سكانها المليون نسمة، بحيث إن الكثافة السكانية ضئيلة جداً مقارنة بالدول المجاورة، فمثلاً ألمانيا تملك 6,5 مليون لاعب محلي في أندية مدرجة تحت 4 دوريات متدرجة معتمدة، و أخرى 3 متدرجة و لكنها للهواة فقط، و مع ذلك العدد الهائل من اللاعبين، فبلا شك أن ألمانيا تعتمد سياسة التجنيس و تعتبرها ضرورة من الضروريات التي لا بد منها في تدعيم كرة القدم، و كأمثلة، ميسوت أوزيل، جيروم بواتينغ، بودلسكي و كلوزة و المزيد من اللاعبين.
و مثال آخر أكثر واقعية و مقاربة، هي المملكة العربية السعودية التي تملك أكثر من 3 ملايين من اللاعبين، سواء صغار أو كبار، مدرجين بنوادي أو هواة، و لكن ما هو الملاحظ سوى الغياب السعودي عن التجنيس، و السبب الرئيسي يعود إلى الكثافة السكانية بالمملكة، بحيث تعدد اللاعبين وبشتى المناطق أبعد عن الشقيقة فكرة التجنيس رغم أنها متداولة ومرنة جداً في الدول التي تجاورها، و لكن رغم الافتقار للبيئة الرياضية و المنشآت التي لا تتناسب مع عدد ومواهب هؤلاء الرياضيين ولكن المشروع السعودي لا يحبذ التجنيس بسبب ما يملكه من مواهب.
البيئة و اللعبة
الأولى.. ما التأثيرات ؟
و بلا شك فإن كرة القدم هي اللعبة الأولى في مملكتنا ولعل هذا السبب هو ما يحجم مواهبنا ويحتويها في لعبة واحدة، بحيث إن الثقافة الرياضية على المستوى الدولي تجعل من هذه اللعبة هي الأولى في الشرق الأوسط خصوصاً بخلاف دول المشرق العربي والتي تتخذ من كرة السلة لعبة رئيسة لها.
فأيديولوجيا كرة القدم خصوصاً احتوت البحرين ككل، كإعلام ورياضيين و إداريين وفئات وشرائح مجتمعية أخرى بسبب الزخم الكبير من المرئيات التي يشاهدها المواطن البحريني باتجاه كرة القدم، ولأنها اللعبة الموروث الذي يتناقله الآباء للأبناء، فقليل من الآباء لا يمارسون أو يتعاطون كرة القدم مع الأبناء الصغار سواء على الوجه الفكري النظري في المناقشة والتعريف باللعبة.
إذا، فالشغف يتطور بالعوامل البيئية الفكرية، كالإعلام مثلاً الذي بات يركز على كرة القدم بشمول أكثر عن الألعاب الأخرى، مما يجعل النظرة الجماهيرية تنجذب بشكل متسارع نحو هذا التوجه الإعلامي الذي بات في العصر الراهن هو المسلك الوحيد الذي يأخذ الجماهير يميناً و يساراً.
وفي ظل تلك العوامل في المجتمع الرياضي البحريني، فإنها صبغت شارعنا الرياضي بلون كروي بحت، و بالكاد هنالك مواهب في ألعاب أخرى، و لكنها ضئيلة جداً مقارنة بكرة القدم ولاعبيها. ففي ظل التوجه المجتمعي الكروي ستقل تدريجاً أعداد لاعبي و ممارسي الألعاب الأخرى مما سيجعل الدولة تضطر في التجنيس لعدم القدرة على الوصول لمستوى اللاعب العالمي الذي يشارك في الأولمبياد ويتأهل للمراحل النهائية، فبنهاية هم مشكلين على درجات فئوية كما هو تصنيف المنتخبات أثناء التصفيات، فهنالك لاعب هاوي ولاعب ومحترف. والمطلوب هو المحترف بالتأكيد ولكن في ظل الانحدار الكبير في النمط التدريجي لشغف الألعاب لأخرى، فهذا عامل آخر بخلاف التعداد والكثافة السكانية مما يجعل الذهاب يصب نحو التجنيس لتحقيق الغاية من العملية الرياضية نحو الإنجاز.
التجارب
الخارجية .. دروس وعبر
لعل التجارب الخارجية مثال رائع بل مذهل في تطبيق سياسة التجنيس في الرياضة، وعن المثال الواحد، هنالك مئات الأمثلة الدالة على نجاح هذه التجربة الغنية، وبالتأكيد هنالك من الدروس الناجحة و الفاشلة ولكن بدورنا علينا ننهل بأفضل ما وجد من دروسها.
فمثلاً فرنسا ككيان رياضي، والمستفاد الأكبر هو منتخب اليد من هذا التجنيس، فإنه يملك من اللاعبين المجنسين التعداد الأكبر في نسبة الفرنسيين ضد المجنسين، وهذا صبي في صالح منتخب الديوك بحيث توجوا في بطولة العالم قبل عامين ومؤخراً بذهبية لندن ليس بفضل التجنيس، ولكن بفضل “مساعدة” التجنيس وحسن استغلاله تمكن الفرنسيون من خطف اللقبين.
أيضاً بريطانيا التي شاركت بعدد من لاعبيها المجنسين في ألعاب القوى بلغت نسبتهم 90% كان أبرزهم الفائز محمد فرح بسباق 10000 متر متفوقاً على قوى عريقة في هذا السباق، أبرزها أثيوبيا وأمريكا، محرزاً بذلك الذهبية الأولى في تاريخ بريطانيا منذ ذهبية بيلي ميلز في أولمبياد طوكيو عام 1964 في ذلك السباق الصعب، وهذا بفضل التجنيس الرياضي الذي حول من محمد فرح قصة إلهام لدى العديد من الدول للاتجاه حول التجنيس الرياضي.
و قد تكون فرنسا تسطو على قمة الدول التي تستغل للآن التجنيس الرياضي، ولا تنكر أغلب الإنجازات الفرنسية هذا الفضل عليها، بدءاً من تحقيق كأس العالم والفوز النهائي على البرازيل 3-0 برأسيتي زيدان “الجزائري الأصل”، وتحقيق الهدف الذهبي في نهائي يورو 2000 بفضل الهدف الذي سجله النجم تريزيغيه “الأرجنتيني” الأصل، فالتجنيس تحول في فرنسا من ظاهرة إلى أسلوب حياة يمارسها الرياضيون ويقابلها المجتمعيون بكل ترحيب و تشجيع واسع.
الوعي الجماهيري لغاية التجنيس!
التقبل الجماهيري في وسطنا الرياضي مهم جداً لدعم غاية التجنيس وهي رفع العلم البحريني وسط المحافل العالمية التاريخية كالأولمبياد، فلا يعقل أن لا يكون للدولة وجود في محفل تاريخي رياضي كالأولمبياد والعبور منه كعبور الرياح بسبب عدم توافر الرياضي المناسب لتلك البطولة، فمن هنا يجب أن يعي الكثير على أن التجنيس يكون ضرورة و واجب، وبالوقت ذاته فإني لم أشاهد يوماً قرار بوقف رياضي “محترف” من الوصول للأولمبياد، بل كل البحرين ساندت عدة رياضيين كالرائعة رقية الغسرة وحمادة في الثمانينات، ولكن في ظل عدم توفر الرياضي المحدد “للسباق المحدد” و للبطولة المحددة و بالدرجة الاحترافية المحددة فعلينا أن نتجه للتجنيس لأنه في ذلك القرار حكمة و غاية شريفتان، فبكل تلك الظروف يجب أن يتواجد وعي جماهيري ينظر لتفاصيل تفاصيل الأمور و يستخرج ما بها من العمق حتى يعرف الخيوط التي أدت لهذه القرارات كلها وما هي الحكمة من التوجه لهذا الطريق من دون الإخلال بالمصلحة العامة وهي بالطبع رفع العلم البحريني.
الاختيار.. أهم الضروريات !
الاختيار الصحيح من أهم عوامل نجاح التجنيس، بحيث التوقيت و درجة اللاعب الاحترافية المتطلبة لخوض البطولة المعينة، فمثلاً هنالك عدة خيارات كان سببها سوء التوقيت في عملية التجنيس، فمثلاً اللاعب الذي يأتي للدوري ويجنّس بعدها بقليل من الوقت عندها تشوه العملية، فاللاعب أو الرياضي مهما يكن عليه أن يتأقلم مع الأجواء المحلية، وليس فقط على الميدان، بل على الإعلام، و طريقة سير الإعلام، والتوجهات الصحفية والتعددية الجماهيرية في اختياراتها بمختلف التيارات الرياضية، فكلها تخلق في الرياضي قاعدة يستطيع من خلالها التأقلم سريعاً مع الأجواء المحلية، فيؤثر كل ذلك على اللاعب حتى و إن لعب وشارك بأي استحقاق إقليمي أو دولي لأنه ضمن الكيان وضمن محيط و دائرة لها خصائصها الفكرية النظرية والعملية المختلفة عن غير ما تعود عليه مسبقاً.
التجنيس وسيلة ذرائعية للتطوير
كل غاية لا تكتمل إلا باكتمال محتوياتها، فإن قصرت محتوياتها وعواملها قصر طريق وفترة تحققها على أرض الواقع، فحتى اليابان اتجهت للتجنيس الرياضي لتستمر وفاء لمشروعها عندما أعطت أليكس اللاعب البرازيلي الجنسية اليابانية ليتمكن من المشاركة في المشروع الياباني، بحيث إنه كان جزءاً من استمراريته، وهذا يعني أن بعض المشاريع تتطلب وجود السبل الخارجة عن دائرة التشابه لتحقيقها. فقد كان أليكس طريقاً لتطوير اللاعب الياباني الذي أصبح الآن يوازي أهمية اللاعب الأوروبي إن لم يكن يتفوق عليه. فالتجنيس يخلق قاعدة مطورة تنقل اللعبة من مرحلة لأخرى أكثر تفوقاً و امتيازاً منها، و لنا في تجربة أليكس مثال، فقد كان وسيلة وأداة خفية لتطوير الجانب الفني للاعب الياباني الآن.
كما كان زيدان وسيلة خفية لتطوير اللاعب الفرنسي، ففي السابق لم تعرف فرنسا نجماً جديداً كل عام كما نعاصر الآن بتواجد نجوم جدد و جدد بكل عام، فقد عرفنا بلاتيني ومن بعده كانتونا فقط، و لكن النجوم الفرنسيين في ازدياد و توسع كبير كان آخرهم النجم الجديد على الساحة الفرنسية جيرو الذي انتقل مؤخراً للآرسنال، فجذور “نوعية” زيدان كان مبهماً و حيوياً جداً، وبالنهاية فإن مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة” في الرياضة مشروع و ناجح وكله مثالية في نتائجه، والاستغلال في تنمية المشروع الرياضي يشرع استخدام مختلف الوسائل، والأروع عندما تكون هذه الوسائل سلاح ذو حدين، فإنها تفيد الدولة بإنجاز ومن ناحية أخرى تزرع أفكاراً جديدة عصرية في الوسط المحلي الذي يشارك فيه.