منذ أن تولى حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد أطلق المشروع الإصلاحي الذي أرسى الحياة الديمقراطية والانفتاح السياسي وكفل حرية التعبير عن الرأي، وقد أنعم جلالته على المواطنين بما تفضل به من مكارم ملكية وعفو سام كريم على عدد من المحكوم عليهم والمتهمين في القضايا، حيث صدر هذا العفو في أوقات ومناسبات مختلفة.
ويأتي العفو تعبيراً عن النظرة الإصلاحية لجلالته والتوجه الإنساني لجلالته وحرصه الكريم على مصلحة ومستقبل الشباب أبناء الوطن وذلك بإتاحة الفرصة لهم بالاندماج في المجتمع وفتح صفحة جديدة في ظل التسامح لينعم فيه الوطن والمواطن بالاستقرار، لذا يجب على الجميع الدعوة الحقيقية لطي صفحات الماضي. وبمناسبة صدور العفو الملكي عن 305 من المتهمين سنتناول أهم الأحكام القانونية في العفو.
السند الدستوري والقانوي للعفو:
إن السند الدستوري والقانوني للعفو الملكي هو المادة 41 من دستور مملكة البحرين، والمادة 90 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني، الذي أجاز لجلالة الملك أن يصدر عفواً لأي مجرم وفي أي جريمة وفق إرادة ملكية، والعفو إجراء فردي أي أنه يصدر بشأن فرد محدد بذاته أو مجموعة أفراد محددة بذواتهم وأسمائهم، وهو من اختصاص جلالة الملك وحده ولا يجوز أن يصدر من سواه فهو عمل ذو إرادة ملكية يهدف إلى إرساء معنى العفو والتسامح، ومن ثم كان العفو وسيلة لضمان اتساق المصلحة العامة مع القانون ولاعتبارات المصلحة العليا الوطنية. التكييف القانوني للعفو:
يعتبر العفو عمل من أعمال السيادة، ولا يخضع لأي رقابه ويستند ذلك إلى اعتبارات الرحمة والشفقة واعتبارات مصلحة المجتمع بجميع أطيافه، فالعفو منحة ملكية وليس حقاً، ويتسع العفو لجميع العقوبات الأصلية ولكنه لا يتسع للعقوبات الفرعية والتبعية إلا بنص صريح في العفو ويتسع أيضاً لجميع الجرائم وجميع المجرمين.
ويتميز العفو بنطاقه الشخصي فلا يستفيد منه إلا الشخص المحدد في العفو فإن كان معه في جريمته مساهمون فهم لا يستفيدون منه، ذلك أن العفو يبنى على اعتبارات يتعين البحث عنها في شخص الذي يراد العفو عنه ومن ثم فقد لا تتوافر لدى شخص آخر ولو كانت جريمتهم واحدة.
ويهدف العفو إلى طي صفحة الماضي عن الجرائم التي ارتكبت في ظروف معينة وحينما تحذف هذه الذاكرة يتهيأ المجتمع لمستقبل أفضل ويمضي في مرحلة جديدة لا تشوبها ذكريات سيئة وهذا العفو إن دل على شي فإنما يدل على الحنكة السياسية التي امتاز بها حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه. وتقتصر آثار العفو على العقوبة، أما التعويض فلا شأن له به إذ إن في النظام المدني يجوز أن يكون محلاً للتنازل من قبل الدائن ولكن لا يجوز أن يكون محلاً للعفو إلا إذا تم تحمله “تحملت القيمة المالية من تعويض للأضرار المادية والمعنوية للمجني عليه”.