وليد صبري

ساعات وينقضي شهر رمضان الكريم، لا نملك فيها إلا دعاء شيخ زاهد عابد يقول فيه “يا شهر رمضان ترفق.. دموع المحبين تتدفق.. قلوبهم من قرب الفراق تشقق.. عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق.. عسى توبة تصلح ما تمزق.. عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق.. عسى أسير الأوزار يطلق.. عسى من مستوجب النار يعتق.. عسى وعسى من قبل وقت التفرق”.
رمضان شهر البركة، والنور، والنفحات، والتقوى، والغفران، لم يكن الشهر الكريم مدعاة للكسل، رمضان شهر العمل والبذل والعطاء، لا شهر الكسل والخور والضعف، شهر شهد أكبر الانتصارات في الإسلام في القديم والحديث، لم يكن عائقاً عن أداء مهمة في سبيل الله، ولا داعياً للتقاعس عن إتقان عمل، ولا يختلف مراد الحديث النبوي الشريف “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” بتغير الأزمان، وقاعدة عظيمة لا تختل بظرف طارئ، كيف والصوم عبادة تؤدى لله، هدفها الأول تربية التقوى في النفس المؤمنة، والتقوى وازع إيماني عميق الجذور، إذا تغلغل في النفس كان حاجزاً مانعاً لها عن كل ما يسخط الله، ودافعاً قوياً لها إلى كل ما يحب الله، والإتقان مما يحب الله، وهو من صفات الكمال التي اتصف بها عز وجل.
يقول المولى سبحانه وتعالى في الحديث القدسي عن ثواب رمضان “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، فليس دخول الجنة والظفر بمراتبها العليا، ولا النجاة من النار ومن دركاتها الدنيا بالأماني، ولكن بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، وبإخلاص العبادة سعياً إلى مراتب الكمال، وترفعاً عن دركات النقصان، ومن لم يرتق بنفسه في رمضان متى يرتقي؟! ومن لم يترك دركات النقصان في رمضان فمتى يترك؟! ولو كان لكل شهر خلف، فأين لنا من خلف بعد رمضان المبارك.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضل رمضان “لو علمت أمتي ما في رمضان لتمنت السنة كلها رمضان”.
وربما يكون رمضان سبباً في أن نتدارك ما قصرنا في أوله، وندع الأماني والتسويف، فـنبدأ بتوبة صادقة وعمل دؤوب مستمر، فقد كان لكثير منا مع أول رمضان كثير من الأمنيات لم يحققوها، فمنهم من تمنى أن يتصدق ولم يفعل، ومنهم من تمنى أن يقيم جميع ليالي رمضان وترك معظمها، وآخرون تمنوا أن يختموا القرآن عدداً من المرات ولم يختموه واحدة، وربما غرق الكثيرون في بحر الأماني، دونما عمل، فمن الناس من يهوى المعالي ويتعشق المكارم، ولكنه لا يسعى إليها، ولا يجد في طلبها، بل يكتفي من ذلك كله بالمنى الكاذبة والأحلام المعسولة.
اللهم بلغنا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، واجعلنا فيه من عتقائك من النار، إنك أنت السميع العليم.
اللهم احفظ البحرين البلد الطيب وأهله من كل سوء.. وبارك فيه.. اللهم آمين.. وكل عام وأنتم بخير.. وعيدكم مبارك.