^ بشأن ما يُمهد له من طرح لـ«حوار جديد”، نجد تساؤلات عديدة اليوم بشأن الطريقة التي سيدار بها هذا الحوار، وآلية “التفاوض” التي سيتضمنها. ضمن تعريفاته العديدة، يقول أحد تعاريف مصطلح “التفاوض” بأنه “فن تقسيم الكعكة بطريقة ينصرف بعدها كل من الحضور معتقداً أنه حصل على الجزء الأكبر”. المشكلة تكمن في عملية “التقسيم” هذه؛ فما نعرفه من واقع تجربة – بالنظر للمواقف المشابهة خلال الأزمة- بأن هناك طرفاًَ لا يريد الاقتناع بـ«جزء” ولو كان أكبر من الأجزاء الأخرى بل يريد “كل الكعكة”. هذه النية هي ما يحكم على أي حوار، أو أي تفاوض بالفشل، حينما يتم تهميش رؤى الأطراف الأخرى المتداخلة في المسألة، واعتبار أن العملية يجب أن تتم وفق ما يراه الطرف الذي يسعى لفرض نفسه بالقوة. تصريحات عناصر وفاقية يضاف إليها بعض محاولات منظميهم في مسيرة أمس الأول لإزالة شعارات مسيئة لرموز البلد وتدعو لإسقاط النظام، كلها مؤشرات تضاف إليها أمور أخرى رصدت خلال الحوار وبعد تقرير بسيوني، تقود إلى رغبتهم في الدخول إلى حوار جديد، حتى القول بأنهم سيقدمون تنازلات في المطالب (مع حقنا بالشك) تدفع باتجاه أن الأرضية قد تكون مهيأة للجلوس على الطاولة. نعرف تماماً بأن هناك مزاجاً عاماً يرفض مجرد التفكير بمسألة الحوار، ويرهن العملية أولاً باتخاذ إجراءات بشأن الاعتداءات التي حصلت، والممارسات الإرهابية المستمرة ليلاً، وحملات تشويه صورة البحرين في الخارج. في مقابل وجود مــــزاج آخــــر مصـــر علــــى “سلــخ” البحـــريـــــن عــــن عــــروبتهــــا وتحويلها لولاية فارسية، وبلد محكومة مذهبياً مقتصرة على فئة معينة. إن سلمنا بوجود نوايا تتجه لإقامة حوار جديد، فالكرة هنا تتلخص في مدى الجدية لدى الأطراف المؤزمة في مسألة التعاطي مع هذا الحوار باعتبار أنها ستكون “فرصة جديدة” بالنسبة لهم، بعد تضييع فرصتين سابقتين قدمهما النظام. ضروري هنا أن نوثق حقيقة حتى لا تغيب عن الأذهان، بأن الدعوة للحوار طرحت في السابق مراراً من قبل الجانب الذي كان بإمكانه إحكام الوضع بالقوة باعتبار أن ما حصل محاولة انقلابية صريحة وواضحة المعالم. عملية التفاوض تتضمن خطوات هي التي تحدد النتيجة النهائية له إما بالفشل أو النجاح. الخطوة الأولى تتمثل بتحدد القضية، وهي عملية كشف للنوايا، إذ ما هو هدف الأطراف التي ستجلس على الطاولة؟! وما الهدف من التفاوض أصلاً؟! هذه التساؤلات هدفها أصلاً التوصل إلى نقاط مشتركة يمكن التفاهم حولها. لنطبق الخطوة على الواقع الآن، هناك طرف يرفض أي عملية مساس بشكل الدولة، أي استهداف لمنصب رئيس الوزراء، أية تغييرات في النظام الانتخابي هدفها ضمان استحواذ طيف معين على أغلب المقاعد، وترفض المساس بالدستور كونه مبنياً على ميثاق العمل الوطني الذي أجمع عليه الشعب. في مقابل طرف يريد تغيير شكل السلطة التنفيذية حسبما يريد، وكذلك يريد إلغاء الدستور لأنه يريد إلغاءه رغم أنه عمل في ظل الدستور الحالي ما يعني القبول به، ويريد إنشاء مجلس تأسيسي ما يعني إلغاء تاريخ البحرين السياسي والحراك الديمقراطي فيها برمته. الوصول إلى نقاط مشتركة يتطلب تنازلات من كل طرف، وفي وضعنا البحريني يجب تحديد أولاً ثوابت راسخة لا تمس من قبل أي طرف، لتكون هي الأرضية التي يقوم عليها الحوار أو التفاوض. كخطوة تالية، يفترض أن تتم تهيئة المناخ للتفاوض، وهي المسألة التي تشكل العائق الأكبر حالياً، إذ الوضع على الأرض ليس مثالياً لأي حوار بين الأطراف، خاصة بين طرف بات واضحاً أنه يستخدم الفوضى كسلاح له ووسيلة ضغط، وبين طرف يرى الفوضى تهديداً يجب أن يقف ويتم التعامل معه بحسب ما ينص عليه القانون. بالتالي من يريد أن يتحاور عليه أن يدين العنف والإرهاب، وعليه –مثلما يبين للعالم بأنه يقود جموعاً كبيرة- أن يتحكم في الجموع ويسيطرعلى أفعالها، وذلك لبيان حسن النوايا أقلها. وقف الفوضى والإرهاب هو “صك” بدء الحوار. هذه هي القراءة المنطقية المفترضة هنا. لو افترضنا بأن هذا تم، فإن الخطوة الأهم بعدها تتمثل في قبول الأطراف المتقابلة لعملية “التفاوض” والحوار” كأساس، إذ بدء العملية لابد وأن يتضمن جدية وقناعة بأن هذا الطريق هو “الطريق الوحيد” للوصول إلى حلول وإلى “تقسيم” مقبول للكعكة. لو تعدينا هذه الخطوات والتي تحتاج أصلاً لإثبات حسن نوايا، فإن العملية تنتقل بالتالي إلى التمهيد للعملية فعلياً والإعداد لها تنفيذياً تعقبها بدء جلسات الحوار بغض النظر عن مداها الزمني، حيث إن العملية الأهم تتمثل بالتوصل إلى اتفاق أخير وتوافق نهائي ملزم للجميع. أعلاه أوردت السياق المنطقي لأي عملية تفاوضية أو أي حوار يفترض أن يخرج بنتائج مقبولة لدى جميع الأطراف، والأهم أن يفضي إلى حل ينهي المشكلة القائمة. نأتي للحديث الواقعي الآن. كلنا نتذكر بأن فرصة الحوار أتيحت مرتين أمام الذين يريدون الحوار باستماتة اليوم، وكلنا نتذكر ردة الفعل تجاه ذلك. المرة الأولى كانت بقيادة ولي عهد البحرين واجهتها عملية وضع شروط تعجيزية متزايدة أفضت لطريق مسدود. والمرة الثانية كانت بدعوة من الملك نفسه ولكنها شهدت انسحابات حينما تبين بأن الطرف المؤزم لا يتحمل “قبول” رؤى الأطراف التي تختلف معه. أنتهي هنا للسؤال الأكثر أهمية: ماذا لو بعد كل ذلك رفضوا نتائج الحوار؟! ماذا لو لم يقبلوا بحصتهم من “الكعكة”؟! ماذا لو أصروا على ما يطالبون به دون تنازلات كما يقولون بذلك اليوم؟! لو حصل ذلك، في تكرار لما حصل سابقاً، فهل ستقبل الدولة كطرف، والمكونات الأخرى كأطراف أخرى رافضة لسياسة العنف والإرهاب الوصول لهذه النتيجة التي لن تفضي لشيء جديد؟! هل يعني ذلك بأننا سنعود إلى مربع البداية؟! وهل سيكون اللجوء للعنف هو الخيار الأوحد مثلما يحصل اليوم؟! وهل سيكون مكتوباً على البحرين أن تعيش هكذا للأبد؟! إن كنا نريد الوصول إلى نتيجة، فإن ثقافة التنازل لابد وأن تتواجد لكن شريطة ألا تمس بالثوابت المفترض أن يتفق عليها في البداية كإطار عام لأي تفاوض أو حوار. هل كل طرف قادر على الالتزام بذلك، سعياً لإخراج البحرين من هذا الوضع؟! سؤال إجابته يملكها من سيتداخل في الحوار كأطراف في ظل وجوب إدراكهم بأنهم يحملون في أعناقهم مسؤولية شعب ووطن.