يصيح الأطفال “لقد وصل!” ليعتلي بعدها رجل بشوش هضبة صغيرة في حصن عثماني قديم يطل على ساراييفو...إنه “سمايو المدفعجي” الذي أعلن قبل ساعات وفي غضون دقائق قليلة حلول موعد الإفطار لمسلمي العاصمة البوسنية خلال شهر رمضان. ويقول إسماعيل كريفيتش الملقب “سمايو” للأطفال “تحركوا من هنا! لا يمكنني أن اقوم بشيء إذا بقيتم في هذا المكان!” وهو يضع ماسورة حديدية يزيد طولها عن المتر على جدار حجري يطل على منظر رائع على ساراييفو. تحته مباشرة تقع أحياء ساراييفو العثمانية القديمة والمبنى الضخم للمكتبة الوطنية الذي لا يزال يخضع لعملية اعادة بناء بعد 17 عاما على نهاية الحرب الطائفية في البوسنة بين 1992 و1995. ويشكل المسملون 40 % تقريباً من سكان البوسنة البالغ عددهم الإجمالي نحو 3.8 ملايين نسمة. وهم من الطائفة السنية ويعتمدون في غالبيتهم الإسلام المعتدل الذي أتى به العثمانيون مطلع القرن الخامس عشر.والغالبية العظمى من سكان ساراييفو هم مسلمون أيضاً. ومع أن المسلمين الصيام يشاهدون مغيب الشمس واختفائها وراء الجبال، معلنا حلول موعد الافطار الا إنهم لا يؤمنون إلا بدوي مدفع “زوتا تابيجا” “الحصن الأصفر” والأنوار التي تضاء عندها في المآذن العالية المنتشرة في الأحياء القديمة. سمايو يدرك ذلك جيداً ولا يتأخر أبداً في مهمته ويقول “إنها مسؤولية كبيرة. فالأكل قبل الموعد خطيئة ويجب عدم الممالطة والتأخر أيضاً”. ويؤكد الرجل البالغ 59 عاماً “في كل سنة قبل حلول شهر رمضان اذهب الى صديق ساعاتي ليضبط ساعتي”. الجموع المؤلفة من فضوليين ومسلمين اتوا لتناول الافطار هنا “بأمان”، تتراجع وتشكل نصف دائرة حول سمايو. ويروح هذا الاخير يهيء المدفع. ويضع الماسورة على الجدار وينظر إلى السماء. ويخرج من حقيبته قنبلة مفرقعات ويضعها داخل المدفع. ومن ثم يوصل المدفع بسلك كهربائي ويبتعد 10 أمتار عنه. وقبل 15 ثانية من اذان المغرب يجلس القرفصاء وبيده جهاز تحكم عن بعد. وتصرخ ام الى ابنتها “سدي اذنيك” فيما تروح الطفلة تقفز عند سماعها دوي المدفع. وبعد ذلك تضيء المآذن أنوارها ويتصاعد صوت المؤذن. يرتب سمايو أغراضه فوراً هو الصائم أيضاً في رمضان وأفراد العائلة لن يأكلوا من دونه. الا انه يقيم على مسافة قريبة ويأخذ بعض الوقت ليفسر للجموع تاريخ “مدفع رمضان” في حصن زوتا تابيجا. ويروي “المدفعجي” “يعود ذلك الى نهايات الحكم العثماني أي نهاية القرن التاسع عشر. السلطة النسموية المجرية بين 1878 و1914، والمملكة اليوغوسلافية بين 1918 و1941 لم تعارضا أبداً هذا التقليد إلا أن سلطات يوغوسلافيا الشيوعية بين 1945 و1991 حظرته”. ويمضي قائلاً “بعد ذلك اندلعت الحرب ولم نكن نحتاج إلى دوي انفجار آخر في أيام رمضان. وقد استأنفنا هذا التقليد عام 1997 بعد سنتين على انتهاء النزاع” مضيفاً أنه لم يفوت أي يوم منذ ذلك الحين لإطلاق مدفع رمضان. ويوضح “أدرك أني أجلب السعادة إلى آلاف المنازل ولا يمكنني أبداً أن أتخلى عن ذلك”.