^   تصريحات وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف لوكالة الأنباء الفرنسية الأخيرة حول الأوضاع السياسية في البحرين تدفعنا إلى القول إن الأيام المقبلة ربما تشهد جولة جديدة من جولات الحوار الوطني، وإذا ما تم هذا الحوار الجديد فإننا نتوقع بأنه سيضم كل الأطياف السياسية بما فيها الجمعيات السياسية التي تذيل تحت اسمها “بالقوى المعارضة “. نقول هذا الكلام بناء على قراءتنا للتصريح الذي نشرته الصحافة المحلية لوزير العدل والذي بين فيه أن الدولة ليس لديها أي حرج في الجلوس مع قوى المعارضة على طاولة واحدة والحوار معها في حال موافقة الأخيرة على إدانة العنف صراحة والاعتراف بالجميع والانفتاح على جميع مكونات المجتمع. الأكثر من ذلك -وكما نقرأ من وراء السطور في تصريحات الوزير- هو أن الدولة على استعداد تام بطرح كل الملفات الشائكة على مائدة الحوار وليس لديها أي تحفظ حول مناقشة أية مطالب ترى “المعارضة” أنها جديرة بأن تكون على رأس أجندة الحوار وكما أكد الوزير “أن السلطة لا ترفض من حيث المبدأ مطالب المعارضة، كما إن الدستور لا يحصر رئاسة مجلس الوزراء بعائلة أو بطائفة”. نفهم من حديث الوزير أن أبواب الدولة مشرعة على مصراعيها للجميع وأنها لم تغلقها في وجه أحد منذ اندلاع أزمة فبراير 2011 وما أعقبها من تداعيات لا تزال آثارها باقية في المشهد السياسي المحلي. كما إن يد الدولة ما تزال ممدودة لكل القوى والفعّاليات السياسية وهي على مسافة واحدة من الجميع رغم أن هذه الأزمة هي من افتعال “القوى السياسية المعارضة” التي كانت في حينها مشاركة بقوة وفعّالية في العملية السياسية، ولها حضور لافت للنظر في البرلمان. ومع ذلك فإن الدولة تؤكد مراراً وتكراراً إنها لن تقف عند الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها هذه الجمعيات بحق الوطن حيث استفادت من المناخ الديمقراطي في توطيد تواصلها مع العالم الخارجي واستثماره في تحقيق أجندتها حيث عملت من خلال بوابة الديمقراطية على نقل صورة سلبية عن النظام السياسي في البحرين، وقامت بنشر صور مشوهة عن نظام الحكم وعما يجري في الساحة السياسية المحلية حتى أن العالم صدق بأن ما يجري في البحرين هو امتداد لثورات دول الربيع العربي، وعلى هذا الأساس بدأت بعض الدول وخصوصاً الغربية منها توجه سهام نقدها إلى البحرين بناء على تلك المعلومات التي وردت إليها من قبل بعض القوى السياسية المعارضة، ومن هنا بدأت بعض الدول توجه اللوم للبحرين في مجال حقوق الإنسان وأخذت تمارس ضغوطاً عليها من أجل تعديل أوضاعها السياسية والحقوقية.. ولم تشعر هذه الدول بأن الذي نقل إليها هذه الصورة كان يحضر نفسه للانقلاب على الدستور والدولة وأن كل ما كان يقوم به من حملات إعلامية عن وطنه تصب في هذا الاتجاه. ومع كل هذا التزييف الممنهج التي قامت به هذه الجمعيات ضد الدولة ووضعها للنظام السياسي البحريني مع الأنظمة السياسية الدكتاتورية في سلة واحدة؛ إلا أن الدولة ما تزال تقدم المبادرة تلو المبادرة من أجل عودة جميع القوى السياسية إلى الانخراط في العملية السياسية. السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو أين تكمن الإشكالية؛ هل في الدولة أم في المعارضة؟ في رأيي أن الإشكالية تكمن في القوى المعارضة وليس في الدولة، فالدولة من جانبها تريد أن يكون الحوار مع جميع التيارات السياسية ودون أن تستثني أحداً، بينما تريد المعارضة أن يكون الحوار مقتصراً عليها وعلى مزاجها وحسب رغباتها وهي من تضع أجنداته على اعتبارأنها تمثل الأكثرية في القوى الشعبية المعارضة وهذا لوحده يكفي لإعطائها الحق في فرض ما تراه مناسباً للبحرين. لذا فهي تتجاهل الأطياف السياسية الأخرى؛ لأنها حسب اعتقادها تمثل الأقلية وهذا لا يعطيها حق تمثيل الشعب. ورغم أن هذا القول لا يستقيم مع الواقع إلا أننا مع ذلك سنسير معهم في هذا الطريق وسنحتكم إلى الأعراف الديمقراطية إن كانت تجيز مثل التصرف وفي هذا السياق تحضرني مقولة للكاتب الكويتي خليل حيدر يعبر فيها عن هذه الإشكالية بقوله “ديمقراطية الأكثرية ليست معبراً للتسلط وإلقاء الآخر”، وهذا يعني أن الأكثرية ليس من حقها أن ترسم لوحدها الشأن السياسي للدولة وهنا لا بد من التوافق حتى لا تتحول الديمقراطية إلى دكتاتورية تقودها الأكثرية. خلاصة القول هو أن الدولة قدمت كل ما من شأنه السير بالعملية السياسية إلى الأمام وهي في ذلك تنطلق من الإرادة الشعبية التي توافقت على العديد من المرئيات وبدأت الحكومة بتنفيذها ولعل أبرزها التعديلات الدستورية التي أعطت الغرفة المنتخبة صلاحيات أكبر فيما يتعلق بالرقابة على الحكومة وحق الاستجواب، وثم إقرارعدم التعاون مع رئيس الحكومة وسحب الثقة منه. وهي على استعداد للاستماع إلى كل المطالب التي تطرحها جميع القوى السياسية بما فيها قوى المعارضة وكما أوضح وزير العدل “لم تكن هناك أبداً مشكلة في المطالب بل في كيفية المطالبة”، إذاً الكرة الآن في ملعب “المعارضة”، فإذا كانت تريد الإصلاح فعلاً كما تدعي وليس شيئاً آخر فعليها أولاً إدانة العنف صراحة والاعتراف بالآخر وإذا ما فعلت ذلك فإنها تكون خطت أول خطوة على طريق الحوار.