^ ماذا يمثل الإنترنت بالنسبة إلى الإنسان المعاصر؟ إنه في الأساس موقع للتعارف والتواصل مع الآخرين، واقتناص المعلومة، والحصول على عمل، وتنويع قضاء وقت الفراغ، وهناك من يستعيض عن الصداقة الحقيقية بالاتصالات في الفضاء الافتراضي الكوني، وينفِّس عن غضبه في المواقع الإلكترونية المختلفة تحت ألقابٍ مستعارةٍ؛ وقد زادت حاجة الإنسان للاتصال والتفاعل لدرجة أن البعض على استعداد للتخلِّي عن جنسيّته لو تم حجب الشبكة في بلده بصورةٍ قانونيةٍ. ولتحديد مدى أهمية أن يكون الفرد دوماً على اتصالٍ مباشرٍ بالشبكة العنكبوتية، وزّع علماء الاجتماع في نيويورك استبانةً على 4 آلاف رجل وامرأة مناصفة، حيث طُلب من المشارك أن يجيب عن السؤال الآتي: “ماذا كنت ستفعل لو تم إغلاق الإنترنت قانونياً في بلدك الأم؟ “، ويختار واحداً من الخيارات المطروحة؛ وقد تبيّن أن (67%) من المستجوَبين يفضِّلون الانتقال إلى بلدٍ آخرٍ يتمتعون فيه بحرية الاتصال دون عوائق، وهذا يعني أن الوطنية جاءت في المرتبة الثانية من حيث الأهمية قياساً لحرية الوصول إلى المعلومة، والحاجة للتواصل مع بقية الخلق، بينما رأى (14%) من المشاركين أن مثل هذا القرار كان سيصيبهم بحُمّى الاكتئاب والإحباط. ومن الواضح من واقع نتائج الاستفتاء المذكور أن كثيراً من الناس يعتقدون أن شبكة الإنترنت باتت عنواناً للأحداث والمفاجآت السارة في حياتهم، والأدهى من ذلك أن المراهقين والشباب لا يجدون مغزى مهماً لحياةٍ لا تتوفر فيها الإنترنت، حيث الغلبة للتواصل ونيل المكانة الاجتماعية ونسج الصداقات والعلاقات العاطفية الجادّة؛ ويتصوّر علماء الاجتماع أن السبب في ذلك يكمن في قدرة الإنترنت على الجمع بين وظائف متعدِّدة: التحدّث والكتابة، ومشاهدة الأفلام السينمائية، ومتابعة الأخبار، وقراءة الإعلانات، في آن واحدٍ، في حين احتاج الإنسان لآلافٍ من السنين لإتقان كل واحدة من هذه الوظائف على حدة، ومن ثم فإن الإنترنت يعتبر نقلةً نوعيةً في ثقافة الفرد، واختراقاً مؤثِّراً لكل مجالات الحياة العصرية، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة: هل يستطيع الإنسان أن يهرب من واقعه الحقيقي اليومي عبر نافذة شبكة الإنترنت؟ أترُكُ الرّد على هذا السؤال للقارئ العزيز الذي ربما طرحه على نفســـه مراراً وتكــراراً ولا يزال يفكِّر في إجابتــه!