^ للأسف لم يعد أحد يسأل عن الرشد، فالرجل الرشيد بات عملة نادرة في هذا الزمن الأغبر الذي اختلت فيه الموازين حتى صار التفريط في الوطن والإساءة إليه مسألة عادية وصار الوقوف على مرأى من العالم وتوجيه أقذع الشتائم للبحرين والأهل بحجة حرية التعبير أمراً محموداً يلاقى بالاستحسان ويجازى بالتصفيق، بل ويجد من يدافع عنه ويتبناه مستفيداً من كل ما أنتجته التكنولوجيا من أدوات، أما المنظمات الدولية فلا تتردد عن لي أذرع المبادئ الإنسانية والقوانين كما تشتهي لأسباب بعضها معلن ومنطقي وبعضها الآخر خاف. لم يعد منطقياً السؤال والبحث عن الرجل الرشيد في زمن فارقت فيه العقول الرؤوس، وصار فيه التطاول على كل شيء أمر عادي، حيث المهم هو تحقيق الأهداف التي يحدث كثيراً ألا يعرفها منفذ التطاول، وإن عرفها لا يعرف مراميها وغاياتها، فهو مجرد أداة تستخدم للتنفيذ ثم يرمى بها جانباً، وهذا أمر مؤسف ينبغي الالتفات إليه. لم يعد في الساحة رشيد يمكن التفاهم معه والدخول في حوار أو الاتفاق معه على أساسات تعين على تقريب وجهات النظر وصولا إلى حلول منطقية قابلة للترجمة على أرض الواقع، ولم يعد في الساحة رشيد ينظر إلى الأمور بمنظار مختلف، أما الأدلة على غياب الرشد عن هذا الطرف الذي لم تعد تؤلمه الكلمة الناقصة في حق البحرين فكثيرة، ليس أولها إغلاق أذنيه لمنع نفسه من الاستماع إلى كلام المنطق والحق، وليس آخرها الإصرار على فكرة واحدة غير قابلة للتحقق (إسقاط النظام)، ما يؤكد قلة الخبرة وغياب القدرة في قراءة الساحة ومكوناتها، وعلى العكس يؤكد قدرة من أرادوا له الوصول إلى هذه الحال وخبرتهم وتمكنهم منه ومن عقله. عندما يقف بحرينيون أمام سفارة أي دولة في الخارج أو مكاتب الأمم المتحدة ويتسابقون في توجيه الشتائم لقيادة بلادهم ورفع شعارات سالبة ضد أهلهم وناسهم وتضخيم الأمور بطريقة لافتة يسهل تبين عدم مطابقتها للواقع؛ فإنهم يعطون الآخرين الحق في التساؤل على الأقل عما إذا كان هناك رجل رشيد يمكن أن يكون سبباً في وقف هذا الذي يحدث، فما يقومون به لا يمت إلى الرشد بصلة، فليس من الرشد اللجوء إلى الغريب بينما في الداخل من يمد يده داعياً لطي صفحة مؤلمة في تاريخ هذا الوطن، وليس من الرشد الركون إلى بلد يعرض نفسه للسوء بمراهقته السياسية ومواقفه السالبة من العالم برمته وبغروره الملحوظ ومحاولة إعطاء نفسه دوراً وحجماً أكبر من حجمه. الركون إلى تلك البلاد وفضائياتها الناشزة لن يزيد المسألة إلا تعقيداً، والاعتماد على المنظمات الدولية التي لكل منها أجندتها لن يوصل إلى شيء، والاستمرار في الابتعاد عن الرشد لا يوصل إلى النهاية السعيدة التي يرجوها الوطن وأبناؤه. لا أحد ينكر حدوث أخطاء وتجاوزات؛ لكن هذه الأخطاء والتجاوزات لم تكن من طرف واحد فقط ولكنها من الأطراف كافة، فما حدث في ذلك “الفبراير” كان في كل شيء جديداً على الوطن وجديداً على الناس فيه حكام ومحكومون، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يتسع هامش الخطأ وتحدث تجاوزات أغلبها له علاقة برد الفعل المنعكس، ذلك أن كل شيء كان مفاجئاً وغريباً على بلاد كالبحرين هادئة مطمئنة، ومفاجئاً وقاسياً على أهلها وناسها. نعم حدثت أخطاء وتجاوزات؛ لكن الأمور لا تعالج بهذا الشكل، وليس المعني بها تلك المنظمات وتلك الدول التي لن تدخل “عصها في شيء ما يخصها” إلا إن كان لها مصلحة، ما يعني أن الركون إلى أولئك هو في بعض وجوهه بيع للوطن.
970x90
970x90