^   لدينا في المنامة المئات من مؤسسات المجتمع المدني التي تأسست من قبل مكونات المجتمع المدني البحرينية، وهو ما يفترض منطقياً أن هناك حصيلة محلية من الخبرات والمعارف المتراكمة في كيفية التعامل مع مثل هذه المؤسسات، خصوصاً أن عمر المجتمع المدني في المملكة يمتد إلى العقد الأول من القرن العشرين أي أكثر من 100 عام على وجود مثل هذه المؤسسات. مع ذلك مازالت لدينا مشكلة كبيرة في كيفية التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني سواءً كانت محلية أو خارجية.. لماذا؟ قبل الحديث عن السبب لابد من الحديث عن الدوافع التي تدفعنا إلى القول إن البحرين لا تجيد التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني، وهي تبدأ من وجود قوانين متطورة، ولكنها تعاني ضعفاً في الرقابة والتطبيق سواءً من قبل الجهة التنفيذية المعنية بمثل هذه المؤسسات وهي وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، أو الجهة الرقابية على الجهة التنفيذية ونقصد بها مجلس النواب الذي يبدو أنه يتجاهل دوره باستمرار تجاه مؤسسات المجتمع المدني ليس لكفالته الحريات العامة المصونة دستورياً، ولكن نتيجة انتماء السواد الأعظم من أعضائه لمثل هذه المؤسسات التي يحرص النواب على نيل دعمها وقبولها المستمر لضمان الاستمرار في عضوية المجلس النيابي. حتى نفهم الموضوع بشكل أكثر قرباً، لنستعرض بعض الأحداث المهمة التي شهدتها البلاد منذ مطلع مايو الجاري وحتى الآن، فهي تبدأ من قبل بعض مؤسسات المجتمع المدني البحرينية المرخصة وغير المرخصة التي قامت بالتنسيق مع منظمتين إحداهما بريطانية والأخرى دنماركية لتدريب مجموعة من الأطباء والناشطين والسياسيين على كيفية مواجهة رجال الأمن وتكوين رأي عام محلي ودولي مقنع بشأن ادعاءات التعذيب. وتواصلت الأحداث بعد ذلك إلى أن تبيّن تورط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي تموله الحكومة في تمويل أربع شخصيات سياسية بحرينية للمشاركة في فعاليات مناهضة للدولة البحرينية في جنيف. هذان النموذجان يعطيان مزاجاً خاصاً لمعرفة كيفية التعامل الرسمي مع مؤسسات المجتمع المدني. هذه الحقيقة لا تعني البتة أن المطلوب إنهاء عمل مثل هذه المؤسسات، فهو أمر مستحيل لأنه يتعارض مع الحقوق الدستورية لشعب البحرين. ولكن لنطلع على بعض التجارب الخليجية التي أعتقد أنها تستحق الاستفادة، مثل التجربة السعودية التي تتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني الإقليمية والدولية بشكل من أشكال التجاهل، ولذلك لا يكون لمثل هذه المؤسسات تأثير أو دور مناهض كبير التأثير على الرياض كما هو الحال بالنسبة للمنامة. أيضاً النموذج الإماراتي مشابه إلى حد ما للنموذج المصري بعد ثورة يناير 2011، حيث يقوم هذا النموذج على تتبع شبكات مؤسسات المجتمع المدني التي تسبب الضغط الداخلي والخارجي ومكافحتها، ولذلك قامت بطرد عدد كبير من هذه المنظمات العاملة في العاصمة الإماراتية أبوظبي بشكل نهائي وأغلقت مكاتبها، ومع ذلك لم تأبه للضغط المحلي وحتى الدولي رغم وجوده. نأتي إلى النموذج البحريني الذي يبدو أنه في صراع بين فكرتين أساسيتين؛ الأولى ترى ضرورة فتح المجال شبه المطلق أمام نشاط مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية للعمل في المجتمع لأنها من الحريات المدنية المنصوص عليها دستورياً وكذلك في مواثيق حقوق الإنسان. أما الفكرة الأخرى فإنها تنظر للمسألة بشكل مختلف، إذ ترى أن الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي لا يعني بالضرورة فتح المجال بشكل شبه مطلق لمثل هذه المؤسسات، ولابد من الاستمرار في تقنين أنشطتها في ظل غياب وجود ضمانات تضمن السلوك الرشيد لمثل هذه المؤسسات وتحول دون تطرفها في قناعاتها وأيديولوجياتها، وحتى أنشطتها أيضاً. وعليه فإن البحرين ستجيد التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية إذا حسمت نتيجة هذا الصراع بين الفكرتين المذكورتين أعلاه.