أكد إمام وخطيب جامع العدلية عبدالله الحسيني أمس في خطبة الجمعة ضرورة اضطلاع علماء الدين وكافة القوى المجتمعية بدورهم المنشود في وقف دماء الشباب التي تسيل بين الفينة والأخرى مشدداً على أن ذلك العمل من أهم الدورس التي يفترض أن نحافظ عليها بعد انقضاء شهر المغفرة والرحمة منوهاً أن المؤمن لا يودّع الطاعة والعبادة بل يوثِّق العهد مع ربه، ويقوي الصلة مع خالقه، ليبقى نبع الخير متدفقاً، أما أولئك الذين ينقضون عهد الله، ويهجرون العبادات مع مدفع العيد، فبئس القوم، لا يعرفون الله إلا في رمضان.
وقال في خطبة بعنوان “ماذا بعد رمضان” الطاعة لا تكون طاعة الإ اذا كان لها أثر في التقوى والخشية، متسائلاً أين أثر رمضان بعد انقضائه إذا هُجر القرآن، وتُركت الصلاة، وانتُهكت المحرمات؟ أين أثر الطاعة إذا أُكل الربا، وأُخذت أموال الناس بالباطل؟! أين أثر العبادة إذا أُعرض عن سنة رسول الله؟! أين أثر الطاعة إذا تحايل المسلم في بيعه وشرائه، وكذب في ليله ونهاره؟! أين أثر رمضان إذا لم يقدّم المسلم دعوة إلى ضال، ولقمة إلى جائع، وكسوة إلى عارٍ، مع دعاء صادق بقلب خاشع أن ينصر الله الإسلام والمسلمين، ويدمّر أعداء الدين؟
وأضاف لا يريد الله من عباداتنا الحركات والجهد والمشقة، بل يريد ما وراء ذلك من التقوى والخشية، فقد غرس رمضان في نفوسنا خيراً عظيماً، صقل القلوب، أيقظ الضمائر، طهّر النفوس، فلنجعل من نسمات رمضان المشرقة مفتاحَ خيرٍ سائرَ العام، ومنهاجَ حياةٍ في كل الأحوال. لقد تعلمنا في مدرسة رمضان كيف نقاوم نزغات الشيطان، وهوى النفس الأمارة بالسوء، ونبذ الخلاف وأسباب الفرقة، لقد تراصَّت الصفوف والقلوب في رمضان كالجسد الواحد، فينبغي ألا تتناثر بعد رمضان، لقد سكبت العيون الدموع في رمضان، فلنحذر أن يصيبها القحط والجفاف بعد رمضان، لقد اهتزت جنبات المساجد، ولهجت الألسن بالتهليل والتحميد والدعاء، فلنداوم على هذا الجمال بعد رمضان، لقد علا محيانا في رمضان سمت الصالحين، ذلٌّ وخضوع، إخباتٌ وسكينة، وقارٌ وخشية، فلا نمحه بعد رمضان بأخلاق الكبر والسفه، لقد امتدت أيدينا في رمضان بالعطاء، وأنفقنا بسخاء، فلا نقبضها بعد رمضان .
فيا من ذقتَ حلاوةَ الإيمان، ويا مَن صفَت لك الأوقاتُ في رمضان، ويا من تلذَّذتَ بمناجاة الرحمن وتلاوة القرآن، ويا من أنفقتَ في أبوابِ الإحسان، لا تتبدَّل العصيانَ بطاعة الملك الدّيان، ولا تتبدَّل الغفلةَ والاغترار بالدنيا بحياةِ الجنان، وإيّاك وخطواتِ الشيطان؛ فقد كان في رمضانَ مأسورًا ، ويريد أن يجعلَ الأعمالَ بعد انطلاقه هباءً منثورًا ، فرُدَّه خائبًا مدحورًا ؛ بلزوم تقوى الله تبارك وتعالى، وكن متمسِّكًا بالقرآن ؛ لتنجوَ من دار الهوان، ويرفعك الله بالتمسك به وبسنَّة رسوله إلى ما أعدَّ لأهل الإحسان. ما أجملَ فعلَ الحسناتِ بعد الحسنات! وما أقبح فعلَ السيئات بعد الطاعات! فالحسنة بعد الحسنة زيادةٌ في الثواب ورضوانٌ من العزيز الوهاب. والحسناتُ بعدَ السيّئاتِ تَكفيرٌ للسيِّئات وعظيمُ ثوابٍ للأعمال الصالحات.
وذكِرَ أنَّ السلفَ كانوا يَدعون الله تعالى ستةَ أشهرٍ أن يبلِّغهم رمضانَ، ويدعون الله ستةَ أشهر أن يتقبَّل منهم رمضان، وهؤلاء هم الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، وعن فضالة بن عبيد قال: (لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله تعالى يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ). مضيفاً أيها المسلمون المباركون: لئن انقضى قيام رمضان ، فقيام الليل مشروع حتى في غير رمضان، ولا تنسوا صلاة الوتر التي كنا نختم بها صلاة الليل في رمضان، هذا هو الوتر يحبه الله، قال النبي “ص” : (إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن) ، وقال : (اجعلوا آخر صلاتكم وتراً) ، فلنحافظ على الوتر ، فقد كان النبي “ً” يوصي به، ويحافظ عليه في الحضر والسفر . وشدد الخطيب في خطبته على أن أهم ما نتعلمه من شهر رمضان الفضيل أن تصوم جوارحنا عن كل معصية توجب غضب الله تعالى، في رمضان وبعد رمضان، مشيراً أين علماء هؤلاء ؟! أين مرجعياتهم ؟! أين إدانتهم وتوجيههم ونصحهم؟ إما أن علماءهم قد فقدوا السيطرة فلا يخضع الناس لأمرهم، وإما أنهم هم ذاتهم مصدر التأزيم ورأس التحريض، وأحلاهما مرّ ، ووالله إنهم مسؤولون عن كل قطرة دم تسال، وعن كل مستأمن يروع، وعن كل تأزيم تخريبي ينتشر، وعن كل طائفية تشتعل، فأعدوا للسؤال جواباً.