ترجمة - أمين صالح: فيما يلي نعرض لمجموعة من آراء المخرج ستانلي كوبريك، صرح بها لأكثر من جهة إعلامية. إشكالية التنفيذ «إني أفكر في الفيلم طوال الوقت تقريباً. أحاول أن أتخيله، وأحاول أن أرسم كل تنويعة ممكن تصورها من الأفكار التي قد توجد فيما يتعلق بمشاهد متنوعة، لكنني اكتشفت، عندما يحين ذلك اليوم الذي ستصوّر فيه المشهد، وتصل إلى الموقع مع الممثلين، حاملاً في ذهنك تصوراً واضحاً لكيفية تنفيذ المشهد، أن التصوير دائماً سيكون مختلفاً، بطريقة أو بأخرى. عندئذ تكتشف أنك لم تقم حقاً بتحري المشهد وسبره حتى مداه الأقصى. ربما كنت تدرسه على نحو خاطئ، أو ربما اكتشفت أن واحداً من التنويعات، والذي هو الآن في سياق مع كل شيء آخر صورته، هو ببساطة أفضل من أي شيء آخر فكرت فيه سابقاً. إن واقع اللحظة الأخيرة، قبل التصوير مباشرةً، هو فعال جداً إلى حد أن كل تحليل سابق يجب أن يخضع أمام الانطباعات التي تتلقاها ضمن هذه الظروف”. «عندما أبدأ في تنفيذ مشهد جديد، فإن الشيء الأكثر أهمية في ذهني، ضمن حاجات الثيمة والمشهد، هو جعل شيء ما يحدث والذي يكون جديراً لوضعه في الفيلم. الجزء الأكثر حسماً لهذا يأتي عندما تشرع في إجراء البروفات على مشهد جديد. أنت تصل إلى الموقع، حيث الفنيون هناك يأكلون الكعك ويشربون الشاي، منتظرين أن تخبرهم بما يتوجب عليهم عمله. يتعيّن عليك أن تبقيهم خارج الحجرة التي تجري فيها البروفة، وتأخذ ما تحتاجه من وقت لجعل كل شيء يبدو على ما يرام، ويكون مفهوماً. من المستحيل أن تحدد ما تتألف منه هذه العملية. إن لذلك علاقة بالذائقة والمخيلة. في هذه الفترة الحاسمة يكون الفيلم قد تخلّق حقاً. حالما تعلم أنك حصلت على شيء جدير بالاهتمام، ويستحق العناء المبذول لأجله، يصبح التصوير مسألة تسجيل لما سبق أن فعلته في البروفة. كل ما ينشأ من مشاكل أثناء التصوير الفعلي، لا أعتبرها مشاكل من النوع الذي يقلقني. إذا لم يحسن الممثل أداء المشهد، فسيبذل جهده حتى يؤديه أخيراً بشكل صحيح. لو أفسد مساعد المصور لقطة ما، فبالإمكان إعادة تصوير اللقطة. الشيء الذي لا يمكن أبداً تغييره، والذي يبني أو يهدم الفيلم، هي تلك الساعات القليلة التي أقضيها وحيداً مع الممثلين في المكان الفعلي، بينما الفنيون في الخارج يحتسون الشاي. أحياناً أنت تكتشف أن المشهد غير صالح تماماً، ولا يبدو معقولاً أو مفهوماً عندما تراه ممثلاً، وأنه لا يوفر المعلومة الحقيقية أو العاطفية الضرورية بطريقة مشوقة أو بطريقة لها وزنها المناسب. الأمر الوحيد الذي تستطيع أن تقوله عن لحظات كهذه، هو أن من الأفضل تحقيقها فيما لاتزال لديك الفرصة لتغييرها وخلق شيء جديد، على أن تسجل أو تطبع إلى الأبد شيئاً خاطئاً. إن أفضل الأوقات عندما تمنحك المخيلة أفكاراً مدهشة، والتي لم تخطر لك من قبل، مهما قضيت من وقت وأنت تفكر في المشهد. لكن أسوأ الأوقات، عندما تقف هناك، شاعراً بالبلادة والتعاسة إزاء ما تراه، إزاء ما تمنحه لك المخيلة في لحظة نادرة، وأنت عاجز عن تجسيدها ولا تمتلك أي فكرة عما يمكن أن تفعله بها”. «هناك دائماً تعارض بين الوقت والمال والجودة. إذا أنت صورت كثيراً من لقطات التغطية، التي بها تحمي نفسك، فعندئذ يجب أن تنفق كثيراً من المال أو ترضى بجودة أقل في الأداء. اكتشف هذا عندما أصور مشهداً يكون فيه الأداء هاماً في المقام الأول. إني أصور كثيراً من اللقطات لكنني لا أحاول الحصول على كثير من التغطيات من زوايا أخرى. أحاول تصوير المشهد ببساطة قدر المستطاع للحصول على أقصى درجات الأداء من الممثلين بعيداً عن مشكلة تكرار الأداء مرات عديدة من زوايا مختلفة. من جهة أخرى، في مشاهد الأكشن، التي هي سهلة التصوير نسبياً، أنت ترغب في الكثير من الزوايا حتى تستطيع أن تصنع منها شيئاً مشوقاً في غرفة المونتاج”. «المخرج لا يخطط دائماً لكل لقطة يصورها. هذه القرارات تأتي عادة قبل دقائق أو لحظات من التصوير”. التمثيل « مهمة المخرج أن يزوّد الممثل بالأفكار، لا أن يعلّمه كيف يمثّل أو يستنبط منه الأداء الجيد عبر الحيلة. لا توجد هناك أي وسيلة لمنح الممثل ما لم يمتلكه في شكل موهبة. تستطيع أن تمنحه الأفكار والمواقف لكن ليس الموهبة. مهمة الممثل أن يخلق العاطفة والانفعال. بالطبع، الممثل بدوره قد يمتلك بعض الأفكار، لكن هذه ليست مسؤوليته الأساسية. بإمكانك أن تصنع من الممثل العادي ممثلاً أفضل بدرجات، وبإمكانك أن تصنع من الممثل السيئ ممثلاً عادياً، لكن لا يمكنك أن تمضي إلى أبعد من ذلك إلا إذا كنت تمتلك سحراً. الأداء العظيم ينبع من موهبة الممثل السحرية، إضافةً إلى أفكار المخرج”. جمهور « مشاهدة الفيلم أشبه بحلم اليقظة. الفيلم يحدث أثراً في أجزاء من عقلك، تلك التي لا يتم بلوغها إلا عبر الأحلام أو الأعمال الدرامية. هناك تستطيع أن تتحرى وتسبر الأشياء دون أن تتحمّل مسؤولية الأنا الواعية أو الضمير”. «أساس الشكل الدرامي هو أن تدع الفكرة تصل إلى الناس من غير التصريح بها على نحو واضح. عندما تقول شيئاً بشكل مباشر فإنه لا يكون فعالاً ومقنعاً كما الحال عندما تسمح للآخرين أن يكتشفوه بأنفسهم”. الموقع « أنا بالتأكيد أستمتع، في المقام الأول، بالتصوير في المواقع الخارجية. إذا حصلت على القصة المناسبة فسيكون تبديداً للوقت والطاقة أن تعيد خلق الحالات في الأستوديو بينما هي موجودة في الخارج. وإذا أنت قمت بالترتيبات والاستعدادات المعقولة فلن تواجه صعوبات تقنية عند التصوير في المواقع الخارجية. حتى الصوت، الذي كان في السابق يسبّب مشكلات كثيرة، لم يعد كذلك بفضل الاختراعات المتطورة للميكروفونات وأجهزة الصوت الحديثة”. الاعتزال « أن تطلب مني أن آخذ إجازة، أن أبتعد، عن تحقيق الأفلام، فذلك أشبه بطلبك من طفل أن يبتعد عن اللعب. أكون سعيداً عندما أشتغل في الأفلام، وتعيساً عندما أنقطع عن ذلك. أورسون ويلز لخّص هذا في قوله: الأستوديو السينمائي هو أفضل لعبة يمكن أن يمتلكها طفل. صنع الأفلام شيء أستطيع أن أمارسه كهواية إن لم أستطع أن أكسب رزقي من ورائه.