كتبت - شيخة العسم:
تعاني النساء العاملات والموظفات، من ضغوط نفسية بسبب إرهاقهن الجسدي، ومحاولة توفيقهن بين متطلبات البيت والزوج والأولاد والوظيفة والدراسة أيضاً. وما يزيد المرأة ألما هو أن هناك من يعتقد أن المرأة تدرس أو تعمل للتسلية فحسب، غافلاً عن رغبتها في إثبات ذاتها وإحساسها بقيمتها الإنسانية وشعورها بمكانتها في المجتمع.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه بعض الرجال أن المرأة مكانها البيت، تجهد المرأة في إثبات وجودها كعنصر فاعل في حياتها العملية، متحدية كثيراً من العقبات.
ظروف صعبة ولكن
فمن جهتها تعرب الموظفة والطالبة أم عبدالله (31 عاماً)، عن سعادتها رغم ظروفها الصعبة التي تعيشها بين زوج وابن ووظيفة ودراسة، في سبيل إثبات وجودها وطموحها لأن تكون أستاذة جامعية. تقول أم عبدالله أنا أدرس الماجستير، كما أعمل بالقطاع الخاص، كما إني زوجة وأم، ما يتسبب لي بضغط كبير على جسمي وصحتي، لكن رغم ذلك أنا طموحة جداً، وأطمح إلى جانب إيفائي بواجباتي تجاه زوجي وابني ووظيفتي، أن أصبح أستاذة جامعية.
وتتابع: هناك ضغط علي في كيفية توزيع مهامي وواجباتي المنزلية والعملية والدراسية، إلا أن إصراري ومعونة زوجي وتفهمه، يساعداني كثيراً على تجاوز ما أنا فيه من ضغط، وفي فترة الامتحانات أحصل على إجازة من العمل لكي أتفرغ للدراسة، والحمد لله فإن نتائج امتحاناتي مرضية جداً.
التوفيق ممكن
من جانبها، تشير الطالبة بالجامعة العربية والموظفة في القطاع الخاص سارة جاسم (25 عاماً)، إلى معاناتها نظراً لوجود مشاكل جسيمة وضغوط عائلية تواجهها، فأهلها يرفضون عملها نظراً لعدم قدرتها على خلق توازن بين العمل والدراسة، والسبب الثاني يعود لافتقاد أهلها لها، أثناء تجمعهم العائلي خلال عطلة الأسبوع. وهي تدين بقدرتها على توزيع أولوياتها ومتطلبات حياتها إلى والديها.
مصاريف الدراسة مكلفة
أما الطالبة بجامعة دلمون والموظفة بإحدى الجمعيات مريم عبدالله (22 عاماً) فتعمل لكي تدفع مصاريفها الجامعية. تقول عبدالله أجد صعوبات أيام الامتحانات، حيث لا أحظى بإجازة، إلى جانب تعبي، لأنني أتوجه بعد انتهائي من العمل إلى الجامعة، فلا أجلس كثيراً مع والدي وإخوتي، ولا أمتلك الوقت الكافي لممارسة كثير من النشاطات، لكني أعول على المستقبل.
المرأة العاملة أحوج
ما تكون للزوج المثقف
ومن جهتها، تلفت الأخصائية النفسية والمدربة الأسرية تهاني توفيق، إلى حاجة المرأة العاملة للدعم، كأن لا تمارس الطبخ أو بعض الواجبات المنزلية اليومية، مشيرة إلى أهمية أن يتفهم الزوج وضعها وأن يتنازل عن بعض الحقوق، وهو ما يوفره في الغالب الزوج المثقف، وليس بالضرورة أن يكون متعلماً. تقول توفيق إن تعدد وظائف المرأة يتسبب لها بالضغط النفسي نظراً للجهد الكبير، وفي حال كونها زوجة وأما وطالبة وموظفة ستواجه صعوبة كبيرة في توزيع المهام، فليس عندها سوى 24 ساعة في اليوم، ناهيك عن متطلبات جسمها من أكل ونوم وراحة، إذن لن تكون عملية التوفيق سهلة. غير أن ذلك يعتمد على شخصية المرأة وقدراتها وطموحها في إكمال مسيرتها التعليمية. طبعاً عند تعدد مهام الزوجة سيتأثر الأبناء لا شك، ويمكن للجدة أو الخادمة أن تعوض الأبناء، وعلى المرأة الذكية أن تستغل نصف الساعة التي تقضيها مع أبنائها لإشباع حاجاتهم ورغباتهم، وتجهد في تعويضهم في أيام الإجازات الطويلة والقصيرة. فهناك كثير من الأمهات يجلسن مع أبنائهن لوقت طويل جداً، إلا أن الأبناء لا يشعرون بأي رابط، والسر يكمن في طريقة تعامل الأم مع أبنائها. وتتابع: شخصياً أشجع الفتاة أو الشاب على الدراسة والعمل، حتى لو كانا متزوجين، لأن من شأن هذا أن يساعد في ملء أوقات الفراغ، وبالتالي عدم الشعور بالملل، بل سيكون هناك هدف ودافع إيجابي. طبعاً لا يمكن المقارنة بين المرأة المتزوجة والفتاة، فالمتزوجة ستواجه ضغوطات كبيرة وستهمل في بعض الجوانب، خلاف الفتاة التي ستعطي وتبدع لأنه لا مسؤولية عليها تجاه زوجها وأبنائها.
إثبات الذات
ما يدفع المرأة للعمل
من ناحيتها، تنفي الأخصائية الاجتماعية ومدربة برامج إعادة التأهيل فخرية شبر، أن تكون دوافع المرأة للعمل دوافع اقتصادية بحته، من أجل كسب المال، مشددة على حاجة المرأة لتأكيد ذاتها وإحساسها بقيمتها الإنسانية وشعورها بمكانتها في المجتمع، وملأ أوقات فراغها بالمشاركة في الحياة العامة والحصول على مكانه اجتماعية.
وتردف شبر: تختلف اتجاهات عمل المرأة عند كثير من الناس، فبعضهم من أصحاب الفكر التقليدي مازال يصر على أن مكان المرأة هو البيت والعناية بالزوج والأبناء، متناسياً تماماً حقها في المشاركة في الحياة. لكن نجد اتجاهاً آخر يقول إنه حتى الإسلام لم يحرم المرأة من العمل، بل أباح لها العمل في كافة المجالات أسوة بالرجل، وترك حريتها في العمل وعدم كسر فعالياتها في المجتمع. ويجهل كثيرون المنافع التي تحققها المرأة عند خروجها للعمل، ليس فقط المادية منها، بل استطاعت المرأة العاملة أن تصب نتائج عملها في مجال التربية عبر التنظيم وإدارة الوقت والتربية من منظور ثقافي وتطويري.
تأثير الدوافع الثقافية
وتضيف شبر: تمثل المرأة نصف المجتمع، وهي مثقفة ومتعلمة ومنتجة ومبدعة، بل هي قادرة على تحدي الصعاب واجتياز الصعوبات والعوائق، وإنجازاتها وخبرتها وكفائتها وتفوقها أصبحت تغطي مجالات الحياة كافة أسوة بالرجل، ويقع عليها العبء الأكبر في تقدم الحياة واستقرارها، فهي عامل وعنصر فعال في إنتاج الأجيال وتطويرهم.
وحياة المرأة اليوم، عبارة عن تقسيمات يومية عبر العمل والدراسة والبيت والأسرة والمشاركات الاجتماعية، ونرى أن وضع المرأة مرتبط جدا بالدوافع الثقافية والنظم الاقتصادية وعملها مرتبط بمكانتها الاجتماعية. فالقيم السائدة في المجتمع هي من تؤهل المرأة للعمل وتمهد لها المشاركة في الحياة، مع الحفاظ على كثير من مسؤولياتها وواجباتها المنزلية والاجتماعية والتربوية.
فهي اليوم إلى جانب الرجل تنتج وتشارك وتربي، بل تساعده على الإيفاء بالأعباء المالية، مع عدم تنازلها عن دورها كأم وزوجة رغم وجود بعض الصعوبات.
ونجد المرأة اليوم قوية ومبدعة، شامخة تتحدى الصعاب عبر إصرارها على كسر كل الحواجز، ومن الواجب تغير الاتجاه العام الرافض لعمل المرأة المتزوجة، والعمل على توعية الأزواج بضرورة مشاركة الزوجة في تربية الأطفال والعناية بالأسرة.
وتواصل شبر: لا تكاد تخلو مسألة عمل المرأة المتزوجة التي تدرس وتعمل، من بعض العوائق والمشاكل التي تختلف في حدتها عن سواها، فعلى سبيل المثال ربما لا تجد المرأة الوقت الكافي للمشاركة الاجتماعية أو تعاني من الإرهاق، لكن ربما تعتمد المرأة العاملة استراتيجية تستطيع أن تتماشى معها لتواصل كفاحها في العمل والمحافظة على مكانتها، وربما تفكر بطرق جديدة في تنظيم وقتها وتحاول طلب المساعدة من والدتها، أو تلجأ لجلب عاملة أو مدبرة للمنزل تحمل عنها بعض الأعباء.