الوطن - جعفر الديري:
إن شهر رمضان الفضيل، ودّع المسلمين منذ أيام، مخلفاً حسرة في قلوبهم، وألماً لفراقه. فالشهر الذي امتدحه الباري سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال عزّ من قائل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) كان نقطة تحول بالنسبة للكثيرين، عنوا به واهتموا بالاستفادة من أوقاته ولياليه، فيما مر مرور الكرام من أمام كثيرين أيضاً.
بالنسبة للمسلمين العارفين بالشهر الفضيل، فإن شهر رمضان علمهم الكثير، وأشاع في قلوبهم الطمأنينة والسلام، وكان بحق مدرسة تربوية وأخلاقية، ربطت النفس بخالقها ومع الآخرين كبيراًً وصغيراً، فأثمرت الكثير...
هدوء النفس وصفاؤها
بشأن ذلك يقول أحمد حسن: وجدنا في ذلك الشهر كثيراً من العادات والأمور المحببة على المستوى النفسي، ووجدنا أن النفس كانت أكثر صفاء وأكثر هدوءاً، الأمر الذي جعلها أكثر ارتباطاً مع خالقها ومع الآخرين كبيراًً وصغيراً.
ويردف حسن: إنك لو تأملت في أخلاق الناس خلال شهر رمضان، لوجدت نفوسا تحاول الانعتاق من أدرانها وأوساخها، تتمتم بذكر الله تعالى. طبعاً لم تصل إلى مستوى متقدم في ذلك، لكنها كانت تحاول. وما حكاية التواصل بين الناس بتوزيع وجبات شهر رمضان، إلا دليل آخر على صفاء النفس ومبلغ ما تحمله من رغبة صادقة في إشاعة روح الألفة.
ويستدرك حسن: لكن كان من المفترض حينما أطل علينا شهر رمضان المبارك أن نستقبله بنفوس راغبة في الاستزادة من الاستثمار الجيد له على المستوى الروحي، وذلك لما تميز به الشهر الكريم من كونه فرصة ثمينة للإعداد الروحي والإعداد النفسي. ولتحقيق تلك الغاية كان لابد من تهيئة النفس وإعدادها الإعداد الجيد على المستوى الروحي والاجتماعي. إلا أننا والحق يقال لم نستعد بما فيه الكفاية للشهر الفضيل. أعني أننا لم نهيئ أنفسنا لزاد شهر رمضان العظيم، من روحانية وسماحة. لذلك تجدنا وقد انقضى الشهر الفضيل، لم نستفد كثيراً منه، فلا تزال مساؤنا كما هي. ربما تخففنا من حملها قليلاً، لكنها عادت كما كانت قبل الشهر الفضيل. الأمر الذي يؤكد إضاعتنا شهر رمضان.
دور رائع للمجالس
أمر آخر يشير له حسن وهو مجالس شهر رمضان، ويقول بشأن ذلك: لقد وجدنا في شهر رمضان الكثير من المجالس التي استقبلت المهنئين، تلك المجالس التي دلّت على إمكان حل لمشكلات والخصومات بين الناس سواء الفرد أو الأسر، إذ وجدنا النفوس أكثر صفاء وقبولاً لإنهائها، ونحن بحاجة إلى استثمار ذلك كل الاستثمار والتوجيه الجيد. وحبذا لو تستمر تلك المجالس في عطائها، وحبذا لو قام أصحابها ببرامج بهذا الخصوص. وقد علمت بوجود مجالس ليس في هذه الأيام فقط، بل حتى على زمن آبائنا وأجدادنا، كان أصحابها يعاهدون الله تعالى على إصلاح ذات البين بين المتخاصمين، حتى إنهم كانوا يتوسطون بين الزوج وزوجه.
ويتابع حسن: ذلك كان على المستوى الاجتماعي، أما على المستوى الروحي فإن علاقة العبد مع ربه سبحانه كانت في أفضل حالاتها، إذ كانت النفس مقبلة على الدعاء وطلب الرحمة والمغفرة. وكان أمر حميداً أن تلك العبادات انعكست على المستوى الفردي وعلى مستوى السلوك مع الناس، إذ أصبح سلوكهم هادئاً ومنفتحاً. وأنا أعتقد شخصياً أن العلاقة حينما تقوى بين الله والإنسان فهي علاقة تنعكس على سلوكه. فضلاً عن الفائدة الصحية الذي كان من الأهمية بمكان التطرق إليها فـ “إن لبدنك عليك حقاً”، من خلال الامتناع عن الأطعمة طوال فترت الصيام فوجدنا أن الجسم كان أكثر صحة وأقل مرضاً وأقل إيذاء حين الامتناع عن بعض الأطعمة الضارة. لكني أعود وأكرر أن المستفيدين من كل ما في شهر رمضان من فوائد عظيمة، هم قلة استوعبت الدرس جيداً وهيئوا أنفسهم تماماً للشهر الفضيل، ففازوا بكل ما فيه من خيرات ونعم.
أعظمها المراقبة لله
من جانبه يؤكد سيد عباس سيد إبراهيم أن الدروس المستفادة من شهر رمضان دروس كثيرة وإن كانت المراقبة لله هي أعظمها.
يقول إبراهيم: في الحديث القدسي يقول سبحانه تعالى: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
فبما أن الصوم قضية ترك وليست فعلاً فهو الإمساك عن البطن وعن الفرج من طلوع الشمس إلى غروبها بنية صادقة فهو حقيقة وتدريب روحي على مسألة المراقبة لله سبحانه. وهذا التدريب إن كان مسألة قلبية أو مسألة جوارح فإن الصيام يدرب الإنسان على إهمال البطن وعلى البعد عن الشر فيترك الإنسان الغيبة والنميمة والنظرة الحرام وسماع المنكر، إذ لا يصح هذا الصيام بالامتناع عن الأكل والشرب فقط، وكما جاء في الحديث الشريف ما معناه (من لم يدع قول الزور والعمل به والكذب، فليس لله حاجة في أن يدع الصائم طعامه وشرابه).
فرح مشروع
ويضيف إبراهيم: يعبر هذا التدريب أيضاً عن الفرح بإنهاء هذه الطاعة الكبيرة التي تمثل معصماً من معاصم الإسلام وركناً من أركانه، فيفرح الإنسان عند فطره ثم يفرح عند لقاء ربه، وذلك أعظم درس، فالمسلمون بحاجة إلى قضية المراقبة وزرعها في النفوس، فالمراقبة عبارة عن أعمال القلب وحضوره مع الله سبحانه تعالى واستحضار لمعاني قوله تعالى (إن الله كان عليكم رقيباً)، فإذا استحضر الإنسان مقام المراقبة أخلص في عمله وفي بيته وبين أهله ومع جيرانه وأخلص مع نفسه وهي المنزلة العظمى قال فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
الرحمة بالمؤمنين
من جهته يرى محمد إسماعيل أن من أجلّ دروس شهر رمضان؛ الدروس التربوية ومنها الرحمة. ويضيف: يتداول الناس أن شهر رمضان شهر الرحمة. والرحمة تعني أن الإنسان يعنى بمراجعة مسيرته ويتوجه إلى ربه سبحانه.
ذلك لأن عنوان الصوم هو العبادة والرحمة التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تجعل الإنسان يقترب من إنسانيته حتى تشمله رحمة الله سبحانه فتتحقق فيه صفات الكمال الإنساني.
على سبيل المثال، يلزم أن نتحرى في تعاملنا الاجتماعي الإخلاص والصدق في التعامل وصولاً إلى الإحساس بالإخلاص في الشعور بالآخرين وأن لهم حقاً في هذه الحياة.
ويتابع: إن تلك الممارسات وتلك العبادات تبدو جميعاً تربوية في جوهرها، فالدعاء تربية والصلاة تربية وزيارة الأرحام تربية وقراءة القرآن تربية وكل الممارسات الرمضانية قادرة على تهذيب النفس.