^ قدرت سيدة الأعمال السعودية، والمستثمرة في قطاع التعليم الأهلي، سحر بنت حمد المرزوقي، “حجم الاستثمار الحالي في المدارس العالمية في المملكة بحوالي 66 مليون دولار أمريكي، وتوقعت أن يقفز هذا الرقم بحلول العام 2014 إلى ما يزيد على 134 مليون دولار”، مشيرة إلى أن “ اهتمام السعوديين بالتعليم الأجنبي في المملكة السعودية زاد بمعدل 40% خصوصاً بعد السماح لهم بالانضمام والتعلم في المدارس العالمية الذي جاء منذ قرابة عامين بشكل تدريجي، هذا سيزيد من عدد السعوديين في تلك المدارس على 100% في نهاية العام 2012 وأن يزيد عدد المدارس الأجنبية على نحو 200 مدرسة خلال مطلع العام المقبل”. تتحدث المرزوقي هنا عن التعليم الخاص، وانتشاره في المملكة. في البدء ينبغي التأكيد على أن السعودية ليست حالة استثنائية فيما يتعلق بتنامي الإقبال على التعليم الخاص، فعلى الصعيد العربي هناك الأردن، التي تشير التقارير إلى أن هناك تصاعداً ملحوظاً في الأقساط الجامعية تراوح ما بين 15-50% في بعض المدارس، يقابله إقبال متزايد على التعليم الخاص، الأمر الذي “يطرح سؤالاً منطقياً (هل التعليم في المدارس الخاصة مقصور على الأثرياء؟)”. ويرجع البعض سبب ذلك إلى “ازدحام واكتظاظ الطلاب في معظم المدارس الحكومية إذ يصل عدد الطلاب في بعض الصفوف من (55-60) طالباً في المرحلة الأساسية إضافة إلى غياب الخدمات الأساسية للطلاب مثل المرافق العامة والملاعب وجاهزية الصفوف لاستقبال الطلبة”. وعلى المستوى العالمي، ارتفع معدل الإنفاق الأسري على التعليم الخاص، في دولة مثل كوريا الجنوبية، وفقاً لتقارير رسمية، صادرة عن المعهد الكوري للتطوير التعليمي، “ بنسبة 12.5% سنوياً خلال العقدين الماضيين منذ العام 1990”. بقدر ما تشيع هذه النظرة التفاؤلية السعودية بشأن التعليم الخاص موجة من الارتياح مصدره زيادة الإقبال على التعليم بشكل عام، إلا أنها، والسعودية ليست حالة استثنائية، تبث موجة أخرى من المخاوف تتعلق بالتعليم الحكومي، وتثير علامة استفهام كبرى حول واقعه الراهن ومستقبله القادم، مصدرها ثلاث قضايا أساسية هي: 1. الفراغ التشريعي الذي ما يزال يسبح فيه التعليم الخاص، مدارس كان ذلك التعليم أم جامعات. فحتى يومنا هذا، ورغم مضي ما يزيد على قرن من الزمان على نشأة هذا النوع من التعليم، لكنه ما يزال يفتقر إلى سياسات واضحة المعالم، ترسم، بشكل دقيق وواضح، الحدود الفاصلة بينه وبين التعليم العام. لا يكفي هنا بعض إصدار القوانين التجميلية التي تلزم بتدريس بعض مواد التعليم العام مثل مادتي الدين واللغة العربية، كما هو الحال في المدارس الحكومية، أو تلك التي تحدد نسبة حملة الشهادات العليا، ونسبة عدد الطلبة إلى عدد الأساتذة. المسألة أكثر تعقيداً من ذلك، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ليست هناك، حتى يومنا هذا، تلك القوانين المطلوبة التي تميز بين المؤسسات التعليمية التي لا تتوخى الربح، وتلك التي تتوخاه، بما في ذلك الرسوم المالية والتبعات التربوية. 2. الخطط التربوية الاستراتيجية ذات المدى الطويل والمتوسط، وما يرافقها من إجراءات تنفيذية دقيقة، تضمن المراقبة، وتحقق التقويم المستمر، وتوفر القدرة على النمو والتطور. مثل هذا المدخل الذي ينبغي أن يحكم تلك الخطط، يفترض فيه ألا يقف عند حدود المباني المدرسية والمعدات التدريسية، بل يتجاوزها كي يمس الكادر التعليمي، والمقررات والمناهج، وفوق هذا وذاك المصداقية في العملية التعليمية ذاتها. ولابد لهذه الخطط من قنوات تضمن تناغمها مع تلك الاقتصادية، وتتكامل مع متطلبات السوق، وتلبي احتياجاتها. أبعد من ذلك، ستجد تلك الخطط نفسها، عندما تتمتع بتلك المواصفات مضطرة إلى التوقف مطولاً أمام التعليم الخاص كي تضع أسس العلاقة السليمة التي تنظم خطواته مع التعليم العام، على الصعد كافة، تشريعية كانت أم تنفيذية. 3. هامشية دور وتدخل المؤسسات الإقليمية ذات العلاقة، وفي المقدمة منها المنظمة العربية للثقافة والعلوم (الأليكسو)، ومقرها تونس، التي رغم محاولاتها الظاهرية في هذا الاتجاه، لكنها لم ترقَ إلى مستوى الدورالمطلوب منها ممارسته، على صعيد وضع الخطط، ورسم البرامج، وتنفيذ المشروعات، إضافةً إلى المتابعة والمراقبة، لضمان التنفيذ الصحيح، والتقيد الملموس، بما جاء فيها 4. الفضاء التعليمي الأممي، ففي عصر اليوم، حيث تلاشت الحدود، وتداخلت الثقافات ومعها القضايا التعليمية، بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات، لم تعد النظرة الوطنية، بل وحتى الإقليمية كافية، بل ربما هي آخذة في الضمور والتلاشي، كي تحل مكانها البرامج ذات الأفق العالمي، مع احتفاظها بنكهتها المحلية أو الإقليمية، ذات الجذور الحضارية. هذا يمس بشكل مباشر مخرجات التعليم العربية التي لم يعد مسموحاً لها، خاصة كانت أم عامة، أن تغرد خارج السرب الكوني، بل لابد لها من التفاعل الإيجابي معه، إن هي أرادت أن تكون جزءاً مهماً من مدخلات التعليم التي باتت مقاييسها عالمية. تأسيساً على ما تقدم، ربما آن الأوان كي تلتقي مؤسسات التعليم العربية، الحكومية منها والخاصة، وتضع أمامها واقع التعليم العربي اليوم، وتشخص مشكلاته التي يواجهها، وأمراضه التي يعاني منها، وتخرج من كل ذلك برؤية مستقبلية تصلح الراهن، وتضمن مستقبلاً واعداً للقادم، هذا إن هي شاءت أن تخلق جيلاً قادراً على التعايش مع مجتمع دولي تسيره قوانين العولمة، ولا يستطيع أن يعيش خارجها، أو في تضاد تصادمي معها.