أصدر صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء منتصف أغسطس الحالي، قراراً بإنشاء اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان، ما معنى هذا القرار ودلالاته؟ وما هي أهميته على المستوى الحقوقي؟.
بداية يعكس القرار اهتمام البحرين بمبادئ حقوق الإنسان، ويؤكد حرصها على تنفيذ إلتزاماتها وتعهداتها الدولية في المجال الحقوقي، وهي إلتزامات وتعهدات كثيرة، توليها المملكة اهتماماً خاصاً، من خلال التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية “البرلمان”، أو من خلال أنظمة وإجراءات ولوائح تحددها السلطة التنفيذية “الحكومة”، أو حتى بحرص السلطة القضائية على التأكد من تطابق أنظمة القضاء مع معايير حقوق الإنسان واجبة الاحترام، خاصة أنَّ دستور البحرين وميثاق العمل الوطني يكفلان مبادئ حقوق الإنسان.
البحرين وقَّعت على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة المرتبطة منها بمنظومة الأمم المتحدة، وطوال الفترة الماضية استحدثت البحرين العديد من المؤسسات الرسمية المعنية بالمجال الحقوقي، كما هو الحال بالنسبة للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ثم وزارة الدولة لحقوق الإنسان، وكان آخرها اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان.
هذه المنظومة تعمل إلى جانب شبكة واسعة من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، وهي مؤسسات ناشطة وفاعلة، وتمارس أدواراً مهمة تعكس حيوية المجتمع المحلي، ومدى اهتمامه الحقوقي، ووعيه الخاص في هذا المجال.
في هذا السياق يمكن فهم قرار صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، عندما أصدر قراره بإنشاء اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان، وهي لجنة تختص بالتنسيق بين الجهات الحكومية في كافة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان بحسب اختصاص كل جهة، فتزايد الجهود الحكومية المعنية بالمجال الحقوقي تتطلب اهتماماً خاصاً بتنظيمها لضمان وجود أعلى درجات التنسيق، وبما يسهم في تحقيق الأهداف الحقوقية، التي تعمل عليها جميع المؤسسات الحكومية.
أيضاً أُعطيت اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان مجموعة من الصلاحيات لتؤدي دورها على أكمل وجه، وتشمل وضع آلية للتنسيق تكفل تحقيق أفضل السياسات للتعامل مع المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، وإعداد خطة وطنية لحقوق الإنسان على مستوى الحكومة وعرضها على مجلس الوزراء للموافقة عليها، والتنسيق في إعداد الردود على البيانات والتساؤلات الصادرة من المنظمات والجمعيات داخل المملكة وخارجها المتعلقة بحقوق الإنسان، والتنسيق في إعداد التقارير التي تلتزم البحرين بتقديمها، تطبيقاً للاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة في مجال حقوق الإنسان، والنظر في طلبات المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان الراغبة في إرسال ممثل لها إلى المملكة، ومتابعة تنفيذ توصيات مجلس حقوق الإنسان ورفع تقارير دورية بشأنها إلى مجلس الوزراء، وتحقيق المواءمة بين خطط وزارة الدولة لشؤون حقوق الإنسان وبين متطلبات أوضاع الجهات الحكومية المتعلقة بحقوق الإنسان، ووضع خطة سنوية للتدريب في مجال حقوق الإنسان، ورفع التوصيات أو المرئيات المتعلقة بالقضايا الحقوقية إلى مجلس الوزراء، وإعداد الدراسات بشأن مواءمة القوانين المحلية للاتفاقيات، التي انضمت إليها البحرين في مجال حقوق الإنسان.
باستعراض الدور الأساسي للجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان وأهم الصلاحيات التي تتولاها، يلاحظ أنها تمثل جهة مركزية في الحكومة لإدارة كافة الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن أهمها توليها مسؤولية وضع آلية للتنسيق بين الجهات الحكومية في المجال الحقوقي، وإعداد الخطة الوطنية لحقوق الإنسان على المستوى الحكومي.
وتعد اللجنة نفسها قناة الاتصال الرئيسة بين حكومة البحرين والمنظمات الحقوقية الدولية، ومن أهم المهام في هذا السياق تولي إدارة العلاقة مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويناقش الأوضاع الحقوقية في كافة دول العالم، ومن بينها البحرين التي تقدم تقارير المراجعة الدورية.
وطالما أنَّ دور اللجنة تنسيقياً، فإنه يلاحظ أيضاً الشمولية والتنوع في عضوية اللجنة، فهي برئاسة وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان، ووكيل الوزارة لشؤون حقوق الإنسان نائباً للرئيس، و13 عضواً بينهم الوكيل المساعد للتنسيق والمتابعة لشؤون حقوق الإنسان، وممثلين عن وزارات الخارجية والداخلية والعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية والصحة والعمل والمجلس الأعلى للمرأة وجهاز الأمن الوطني وهيئة شؤون الإعلام وديوان الخدمة المدنية. العضوية في اللجنة تمتد لثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدد أخرى مماثلة، واجتماعات اللجنة شهرية، ويمكن للجنة تشكيل لجان فرعية من بين أعضائها أو من غيرهم من ذوي الخبرة لدراسة موضوع أو أكثر من الموضوعات المعروضة عليها.
من العرض السابق، يمكننا التعرف على الدور المهم الذي تضطلع به اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان خلال الفترة المقبلة، وهي بداية أساسية لتنظيم النشاط الحكومي في المجال الحقوقي لضمان التكامل في الجهود، وضمان أقصى درجات التنسيق بين كافة المؤسسات الحكومية بما يضمن تحقيق تطلعات المملكة والتزاماتها وتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
ويعطي قرار اللجنة قناعة وإيماناً بمدى اهتمام المملكة بمبادئ حقوق الإنسان الساعية دوماً إلى تطوير نشاطاتها في هذا المجال.
[email protected]