كتب - علي فردان:
كل ما هو دارج ومعروف ومتعارف عليه أن أي مجتمعٍ من مجتمعات العالم العربي أو الإسلامي أو أي مجتمعٍ من مجتمعات العالم بأسره يتكون من ثلاثة مكونات أو ثلاثة أصناف من البشر، فهم إما عالم رباني زاهد في الله ..خائفٌ على دينه مخالف لهواه.. طائعٌ في أمر ربه لا يؤنسه إلا الحق ولا يوحشه إلا الباطل، ويطلق على هذه الفئة من الناس في زماننا اسم (علماء الدين)، فما أحوج الأُمم العربية والإسلامية إليهم في هذا الزمان، وأما الصنف الثاني فهم طالبوا العلم على سبيل النجاة والذين يطلق عليهم في أيامنا هذه اسم (المثقفون) إن صدقت أو صحة التسمية، وأما الصنف الأخير فهم العوام والذين يطلق عليهم اسم (عامة الناس) وهؤلاء في عالمنا العربي والإسلامي كُثر وكثرتهم ناتجة من عدم اهتمامهم بالبحث عن حقائق الأمور وعواقبها، فنجدهم يتكاثرون في كل زمانٍ ومكان، ولذلك حينما نتعرف على هذه المكونات المجتمعية (الثلاثة) ونتعرفُ عليهم تمام المعرفة، وجب علينا عندها أن نضع الاستراتيجيات المُمنهجة والخطط والبرامج الاحتوائية والبناءة لتحصين الوعي الثقافي ونشره بين مكونات المجتمع، ومن أجل الحفاظ على تراثه وثقافة.
بيوت البحرين
في بيوت مملكة البحرين على سبيل المثال يوجد المُدرس والطبيب والشاعر والمؤلف المسرحي والمخرج السينمائي والتلفزيوني والإذاعي والمهندس والقاضي والمحامي والصانع والعامل والطالب للعلم والباحث في حقائق التاريخ والتراث والمُغني والمُلحن والمُمُثل والصحفي وهناك العديد والعديد من المهن والحرف التي يعمل بها أبناء مملكة البحرين، وأنه لا شك ولا ريب في كل مدينة وفي كل قرية من قرها ومدنها مركزاً ثقافياً، ويدير كل هذه المراكز رجال ونساء من عامة الناس أي من الصنف الثاني والثالث من مكونات المجتمع كما ذكرنا سلفاً، بمعنى أن هناك قاعدة خصبة في مجتمعنا البحريني ومن الممكن تطوير هذه الطاقات البشرية وجعلها حصناً واعياً في المجتمع وذلك يتحقق حينما تجد هذه الفئتان من الناس من يهتم بهم ويحتويهم ويقدم لهم العون المادي والمعنوي.
ومن هنأ يأتي دور المسؤولين والمثقفين والواعين في المجتمع والذين يطلبون العلم على سبيل النجاة، فلا خير في ثقافة لا وعي فيه ولا تنفع الناس، فتفعيل دور المثقف الواعي بين مكونات المجتمع حاجة ماسة وضرورية وخاصة في وقتنا الحالي وهو في كل الأوقات سوى كان هناك أزمة أم لم يكن هناك أزمة، وهذا يأتي تفادياً لأي مصيبة قد تحدث في أي لحظة سوى على مستوى الفرد أوالأسرة أوالمجتمع أوالدولة أو الأمة البشرية بأسرها، لأن المثقف الواعي حصنٌ حصين لا يمكن اختراق عقله أو قلبه إلا بالمعروف، وحينما يصبح كل أفراد المجتمع البحريني من حملة الثقافة الواعية ومن أصحاب الفكر الملتزم والواعي لعواقب الأمور عندها يصبح شعب مملكة البحرين ومؤسساته حصنٌ حصينٌ مُحصن لا يمكن اختراقه لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى القيادي.
لقاء مع وزيرة الثقافة
ولقد رأيت الحقيقة بعين اليقين في يوم الجمعة 3 أغسطس الحالي، في اللقاء الذي أجرته وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة مع نخبة من الأدباء والشعراء والباحثين والمؤلفين والمخرجين المسرحيين ومن رؤساء المسرح وأعضاءه ورواده وذلك في بيت المقهى بمحافظة المحرق العزيزة، حيث أنني رأيت وشاهدت تواضع هذه الشخصية المسؤولة عن تراث والثقافة هذا البلد العزيز على أهله، ولقد سمعت منها حديث يدل على عمق وعيها وخوفها وحرصها الشديد على حضارة وتراث وثقافة ما أورثه لنا الأجداد والآباء، وهي كانت تترجمه في خطواتها منذ أن وصلت إلى مكان اللقاء، حيث أنها أخذت تلقي السلام على كل فرد من الحاضرين ثم دعت الجميع إلى الجلوس وبعد فترة من الوقت وقفت منتصبة وتحدثت بكلمات بسيطات تدل على بساطة شخصيتها وعظمة موقفها، حيث أنها شكرت الجميع على تلبية الدعوى ثم فتحت المجال للحوار وإلى جميع الحاضرين كي يدلون بأفكارهم ومقترحاتهم وبرامجهم التي تجوب في خلجات عقولهم وقلوبهم والتي يتطلعون إليها ويأملون أن تتحقق في المستقبل القريب، وللإنصاف قد تحدث البعض من الحاضرين عن أفكارهم ومقترحاتهم، ولقد أخذت وزير الثقافة أفكارهم ومقترحاتهم بعين الاعتبار وسجلتها ضمن مهامها الأولية في منظومة التطوير والإصلاح.
كان من المتحدثين الفنان والباحث التراثي البحريني محمد جمال، حيث ذكر عدد أنواع السفن والتي تبلغ 24 نوعاً وكيف أنها أصبحت اليوم شبه منقرضة، كما تقدم بمقترحٍ يخص إعادة بناء هذه السفن والاستفادة منها في الجانب السياحي من أجل الحفاظ على مهنة صناعة السفن وما خلفه لنا الأبآء والأجداد، وفي سياق أحداث اللقاء تحدث أيضاً الكاتب المسرحي عقيل سوار وبطلبٍ من وزيرة الثقافة عن تجربته المسرحية الجديدة التي سيقدمها في القريب العاجل والتي تجري أحداثها في شارع من شوارع المنامة القديمة، ووعد وزيرة الثقافة بتقديم هذه المسرحية على الصالة الثقافية، وذلك لما تحمله في ثنايا معاني أحداثها من عبق التاريخ في شوارع المنامة، وكذلك تكلم الناقد المسرحي يوسف الحمدان عن إمكان تأسيس مهرجان مسرحي ثقافي خليجي أسوة بمعرض الكتاب ومهرجان الإذاعة والتلفزيون الخليجي، منوهاً إلى أن هذه الخطوة ستكون نافعة للحفاظ على ثقافة المسرح في هذا البلد العزيز. من المتسائلين في اللقاء كان المخرج المسرحي عبدالله السعداوي، حيث وجه سؤالاً لوزيرة الثقافة قائلاً: أين وصلت مسابقة الكتاب المتميز؟!..ولماذا توقفت؟ وكذلك تسائل رئيس مجلس إدارة مسرح جلجامش عبدالرحمن فقيهي عن نظرة المسؤول إلى الأنشطة التي يقدمها المسارح.. وهل هناك تطوير في مسارها وتوجهاتها ؟
أرض تنبت العشب
من هنا أعيد سؤالي الذي كان يدور في رأسي منذ بداياتي في عالم الفن والمسرح والثقافة والمعرفة أي منذ قرابة 32 عاماً.. والسؤال هو: هل نحن نعيش على أرضٍ لا ينبت فيها العشب الأخضر؟! رغم خصوبة هذه الأرض وعذوبة مياهها وطيبة قلوب أهلها؟!..إذن أين المشروع الثقافي في مملكة البحرين وفي عاصمة الثقافة العربية؟!. من الجميل أن تمتلك وزيرة الثقافة القوة على إبراز المثقف الواعي وهي على الدوام تُشجع الجهود الشابة المبدعة في هذا الوطن، لكن لماذا نعيش نحن أبناء هذا الوطن خلف الصف الأخير على هذه الأرض؟ إننا نسمع في كل عقدٍ ماضٍ وفي كل عهدٍ آتٍ طحناً كثيراً ولم نر طحيناً..!! فلماذا؟؟.