كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
سوء الحظ جعل سكنة طريق 1622 في المجمع 816 بمدينة عيسى مركزاً لتجميع مياه الأمطار، وبعد تجهيز حفرة عميقة لهذه الغاية تُركت لـ3 أشهر دون “غطاء”.
3 أشهر كاملة وأهالي المجمع قلوبهم واجفة مع إشراقة كل شمس، يبحثون في الحفرة عساها خالية من صبي وقع فيها صدفة وهو يلعب بعجلته في الجوار.
مقاول المشروع قرر أخيراً دفن الحفرة ووضع حد لمعاناة الأهالي فكانت المصيبة، فجهل العاملين الآسيويين بوجود “كيبل” كهربائي بالموقع، دون علامة من “الكهرباء” تشير إلى ذلك، وغياب التفاهم بين الكهرباء والماء رغم انضواء القسمين تحت مظلة هيئة واحدة، دفعهم لقطع “الكيبل” مغذي المنطقة وتركوا أهالي المجمع يبيتون في ظلام دامس منتصف الأسبوع الماضي.
الاتصالات لم تنقطع عن قسم طوارئ الكهرباء لمعالجة الخلل الحاصل والإجابة بسيطة “نحن في خدمتكم ورقم البلاغ ..”، و«سيصلكم موظفونا لمعالجة المشكلة”، ومضت الساعات والأيام سوداء لاهبة على سكنة المجمع، وبعد تكرار الاتصالات مع مسؤول المناوبة وبعد أكثر من 48 ساعة، وصلت فرقة المولدات الكهربائية وركّبت مولداً لكل بيت واستبشر الجميع خيراً وتناسوا المشكلة.
بعد أن غربت الشمس وبدأ الليل يزحف والظلام يعم المنطقة رويداً رويداً، وتحديداً عند الحادية عشرة والنصف ليلاً، فضّلت المولدات “الجنريترات” أخذ قسطٍ من الراحة، وبدأت بالتوقف الواحدة تلو الأخرى. لم تهدأ اتصالات الأهالي بمسؤولي الطوارئ تلك الليلة، وبعد مضي ساعتين وصل فريق الإنقاذ يحمل شروطه “لا يحق لكل بيت أن يشغّل أكثر من مكيفين” وهذا ما حصل، وكل بيت يُشغّل أكثر من مكيفين ينام أهله في ظلام دامس في ليلة شديدة الحرارة والرطوبة. في خضم انشغال الأهالي وفرق الإنقاذ بـ«الجنريترات” وطاقاتها التشغيلية، انبرى مجموعة آسيويين لإصلاح الكيبل الرئيس ووضع حدٍّ نهائي لمعاناة سكان المنطقة، بعد أن قطعه المقاول السابق وولى هارباً من الساحة دون سابق إنذار.
الأهالي تابعوا العمل في إعادة إصلاح “الكيبل” مع الآسيويين، كانوا 6 هنود يُرثى لحالهم يرتدون ملابس عادية غير عازلة للكهرباء وينتعلون “زنوبة” لا تقيهم مخاطر صدمة كهربائية كحذاء السلامة المخصص لمثل هذه الحالات، ولا قفازات بأيديهم ولايعتمرون القبعات.
كان منظرهم مضحكاً ومحزناً في آنٍ معاً، أشبه بكوميديا قد تنتهي بمأساة، والنكتة أن بعضهم كان يدخن السيجارة بينما يُمسك في يده الأخرى “تلفون بوليت” لينير للعامل الذي يوصل أسلاك الكيبل المقطوع.
عند الثانية صباحاً انتهت “الفرقة الهندية” من عملها، وردمت الحفرة بالرمل إيذاناً بإنجاز المهمة المطلوبة “مائة بالمائة”، أمام نظرات التعجب من السكان الحاضرين، دون أن يغلّفوا الأسلاك الكهربائية لوقايتها من عوامل الرطوبة والحرارة، فقط دفنوا الحفرة بـ«شوية” رمل وتوكلوا على الله. صباحاً عاودنا الاتصال بمن يعنيه الأمر، “الجنريترات” تعبت وأرهقت بعد ليلة طويلة من الكد، وتوقفت عن الدوران تماماً عند السادسة والنصف، وجاء الفريق من جديد ليفصل “الجنريترات” ويوصلون البيوت بـ«الكيبل” الرئيس بعد أن أصلحته “الفرقة الهندية”.
فرح الأهالي وتنفسوا الصعداء بالخبر السعيد، بعد أن أبلغتهم الطوارئ “شغّلوا ماتشاؤون من أجهزة التكييف”، ولكن فرحتنا لم تدم وعادت “حليمة لعادتها القديمة” وصباح يوم الخميس الماضي عادت فرقة المقاول الذي قطع “الكيبل” في المرة الأولى وولت الأدبار، لتكرر فعلتها مجدداً وبأسلوب مستحدث، أغرقت المنطقة بالماء وتسربت المياه إلى “الكيبل” المعطوب، وانفجر فجأة وخرجت سحابة سوداء من الدخان هرع إثرها الأهالي إلى منازلهم وأطفئوا المولدات خوفاً من مصيبة لا تُحمد عقباها.
عاودنا الاتصال عند الساعة العاشرة صباحاً بعد هروب المقاول وفرقته للمرة الثانية، انتظرنا وصول النجدة، وعند السادسة مساءً اتصلت الطوارئ بالسكان لتبشرهم بعودة الكيبلات “أبو مكيفين”، وجاءنا الخبر أن “الجنريترات” ستعاود زيارتكم من جديد ولكن ذلك بحاجة إلى كثير من الصبر والانتظار.
رغم أن الحلول المطروحة غير عملية ولا مقنعة، يتساءل الأهالي “من المسؤول الذي يسند مناقصات الكهرباء لعمال يفتقدون أبسط مبادئ العمل؟ من المسؤول عن أضرار لحقت بأناس كُثر خسروا ما خزنوه في ثلاجاتهم من اللحوم والأسماك والربيان وسواها من المواد الغذائية القابلة للتلف؟”.
يقول الأهالي إن “الكيبل” مازال معطوباً، وشبهوه بـ«قنبلة موقوتة” قد تنفجر في أية لحظة، مضيفين “منطقتنا أقل ارتفاعاً من الشارع العام ولا يوجد ساتر يحمينا من تسرب مياه الأمطار وتجمعها أمام بيوتنا، لتتحول المنطقة إلى أشبه بمضمار سباق للقوارب الشراعية، والمطلوب رصفها وسفلتتها لمنع تجمع المياه أمام منازل المواطنين”.