كتب - طارق مصباح:
قال الشيخ جميل البلوشي عن محبة الله سبحانه وتعالى لعبده “إنها أكبر نعمة يمنها الله سبحانه وتعالى على العبد الذي يحبه أن يقذف في قلبه الرضا وفي نفسه الطمأنينة فيشعر وكأنه يعيش في الدنيا”. ودعا في محاضرة ألقاها في المخيم الدعوي لجمعية التربية الإسلامية في مدينة حمد في نهاية شهر رمضان إلى “تعاهد الحسنات التي جمعها المسلمون في رمضان والحفاظ على ما تم اكتسابه من الطاعات”، محذراً من نسيان ذلك والغفلة عنه وقراءة القرآن والتقرب بالقربات فقط في رمضان”.
وقد تناول البلوشي في محاضرته شرح الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه والذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولايزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه). وأشار إلى أن محبة الله سبحانه وتعالى لعبده هي مقياس قرب العبد أو بعده عن ربه جل وعلا.
الولي.. والمحافظة على الفرائض
بدأ الشيخ جميل البلوشي محاضرته ببيان معنى “الولي”، وذكر قول الله سبحانه وتعالى “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون” وقال إن الولي يجب أن يتحلى بجانب الإيمان وجانب التقوى، وأنهما مقياس الإيمان.
ثم انتقل الشيخ إلى شرح قول الله سبحانه وتعالى “وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه”، وقال “وهي الفرائض التي افترضها الله سبحانه وتعالى على عباده من صلاة وصيام وغيرها والتي يجب المحافظة على أدائها على الوجه المطلوب والعناية بها كل العناية وأن يأتي بها العبد كما أمرها الله سبحانه وتعالى وافترضها دون زيادة أو نقصان”، وأشار بأن هناك من يعتني بالنوافل أكثر من اعتنائه بالفرائض وأن هذا سوء في الفهم وتحديد الألولويات.
النوافل.. ونيل محبة الله سبحانه وتعالى
بعدها، عرج الشيخ جميل البلوشي إلى الجزء الثاني من الحديث وهو قول الله عز وجل “ولايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه”، وحدد معنى النوافل وهي العبادات غير الواجبة كصيام التطوع والسنن الرواتب بعد الصلوات وغيرها من قراءة قرآن وصدقات.
وعن قوله تعالى “حتى أحبه” قال البلوشي “هذا مقام رفيع أن يحبك الله سبحانه وتعالى وأنت العبد الفقير المحتاج إليه في كل الأمور، وفي كل نبضة من نبضات قلبك وحركة وسكنة.
ماذا إذا أحبك الله؟!
ثم عرج الشيخ جميل البلوشي إلى ذكر ثمرات محبة الله تبارك وتعالى لعبده، واستشهد بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل، إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)، وعلق عليه قائلاً “هذه نعمة عظيمة وفضل كبير من ملك الملوك.. وأنت اليوم لا تدري ربما نادى الله سبحانه وتعالى في السماء على اسمك ونلت أسمى الغايات، فيسر أمورك وعشت الحياة السعيدة التي لا شقاء بعدها ووضع لك القبول في الأرض”، واستطرد “إنها أكبر نعمة يمنها الله سبحانه وتعالى على العبد الذي يحبه أن يقذف في قلبه الرضا وفي نفسه الطمأنينة فيشعر وكأنه يعيش في الدنيا”.
هؤلاء عاشوا جنة الدنيا
أكد الشيخ جميل البلوشي أن الأمور المادية هي أسباب لتحصيل السعادة ليست هي السعادة المنشودة، مشيراً إلى أن هناك ممن يمتلك الأموال الطائلة لكنه في تعاسة وضيق صدر لعدم تحقيقه الإيمان بالله عز وجل، وذكر بعد الأدلة القرآنية الدالة على ذلك مثل قوله تعالى “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى” وقوله سبحانه “فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون”.
وتأكيداً للمعاني آنفة الذكر قام البلوشي بسرد مجموعة من القصص القصيرة التي وردت في بعض الفضلاء والعلماء ممن عاشوا في جنة الدنيا وذاقوا محبة الله جل وعلا التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وبدأ بقصة الصحابي بلال بن رباح الذي كان يُسأل عن سبب تحمله للعذاب الشديد الذي كان يلقاه على أيدي المشركين في بداية البعثة فقال “كنت أتذكر نعيم الجنة فأنسى عذاب الدنيا”، وذكر قصة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عندما سجن قال “ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أنى سرت فهي معي وإن قتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة وسجني خلوة”، ثم ذكر مقولة أحد الأئمة الصالحين الذي قال “لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجادلونا عليه بالسيوف”.
ماذا بعد رمضان؟
وفي نهاية محاضرته الرائعة اختتم الشيخ جميل البلوشي حديثه الشيق عن محبة الله جل في علاه بسؤال للحضور: “لا ندري.. ربما نكون ممن أحبهم الله تعالى مع نهاية شهر رمضان؟ كثير منا كتب الله له المحبة والقبول ونال هذه المرتبة العالية، فبعد هذه الدورة الإيمانية العظيمة أصبح الواحد منا متعوداً على الصيام والقيام وتلاوة القرآن”.
ودعا البلوشي في نهاية المطاف إلى “تعاهد الحسنات التي جمعها المسلمون في رمضان والحفاظ على ما تم اكتسابه من الطاعات”، محذراً من نسيان ذلك والغفلة عنه وقراءة القرآن والتقرب بالقربات فقط في رمضان”، وقال “حري بمن ذاق لذة القرب من ربه سبحانه وتعالى طوال الشهر الفضيل أن يستمر في تلاوة كتاب الله والحفاظ على صلاة القيام حتى لا يأتي اليوم الذي يوسد فيه التراب ويتمنى أن يكون مع الأحياء”.
وعلق الشيخ خالد المالود على المحاضرة، مؤكداً على نقطة مهمة وهي استغلال وقت النعمة والإقبال على الطاعة وعدم حلول الابتلاء، وقال إن الجائزة الكبرى التي يحصل عليها المسلم هي أن يختصه الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات ويناديه باسمه ويحبه، وذكر ما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بن كعب عندما قال لأبيّ بن كعب إن الله أمرني أن أقرأ عليك “لم يكن الذين كفروا” فقال له أبي بن كعب: وسماني لك؟ قال له النبي عليه الصلاة والسلام: نعم. فبكى أبي بن كعب رضي الله عنه.