مابين إلقاء الجوانب على العلامات المضيئة، وانعكاسات اللغة على فاعلها، أقامت وزارة الثقافة جلسة حوارية موسومة بــ«مجازات الترجمة”، ضمن أنشطة شهر التراجم لفعاليات المنامة عاصمة الثقافة العربية 2012، للدكتور هاشم صالح والدكتور جان جبور، في قاعة متحف البحرين الوطني، وبيّن المترجمان سبل إخفاقات مشاريع الترجمة، وحقائق الثقافة العربية التي تقاس عليها عملية الترجمة لأي منتج ثقافي جاد، إلى جانب البحث عن طرائق لتحرير التراث العربي من العوائق المترجمة.وقال د. جان جبور خلال الجلسة إن “قطاع الترجمة يعاني في العالم العربي من عدة مشاكل، غير أنه لا يجب الاستهانة بالمحاولات الجادة التي تقوم بها بعض المؤسسات العربية لبلورة مشروع حضاري متكامل، ومن بين المعوقات هناك مسألة مؤهلات المترجم وقضية المصطلحات وفوضى سوق النشر وضعف عمليات التمويل وتداخل السياسي منها بالثقافي، إلا إن هناك جوانب مضيئة، كوجود مؤسسات جادة تعنى بالترجمة، وتنامي مدارس الترجمة في الوطن العربي، وصدور عدد كبير من المعاجم الثنائية العامة والمتخصصة، إلى جانب انعقاد مؤتمرات عديدة حول واقع الترجمة، وقيام مؤسسات بمنح جوائز تشجيعية للأعمال المميزة في مجال الترجمة، من هنا يبدو الأمل كبيراً بأن تعرف الترجمة حالاً من النهوض وتتحول إلى أداة حوار وتلاقٍ بين الثقافات، إذا ما حصلت في إطار نهضة علمية معرفية كبرى”.وأكد جبور على أن هناك أزمة فعلية لاستخدام مصطلح اللغة، فمنذ 10 سنوات، شهدت ساحة الترجمة فوضى عارمة من الكتب المترجمة بشكل سريع من قبل الحكومات ووزارة الثقافة في الدول العربية، والعقبة الأخرى هي الجانب السياسي، واختلاط المصلحة مقابل إحياء حركة الترجمة، كذلك من هو الرقيب؟ ومن يختار الرقيب؟، مفصحاً” لا تكاد توجد بالوطن العربي مدرسة خاصة للترجمة، كما إن المؤتمرات التي تعقد من أجل الترجمة، وتوصياتها الصادرة لا تنفذ، فهناك توصيات تخرج من أجل التطبيق، ولا نعلم صداها، متسائلاً “من هو المتطفل على مهنة الترجمة؟، مشدداً على ضرورة قيام مشروع قومي للترجمة يبقى في إطار ضيق لسلسة النقاط المضيئة، وبالجهود فردية، وإن أردنا أن تكون الترجمة ضمن نطاق النهضة العربية، فلابد أن تتضافر الجهود وتتجدد بعصر العولمة، فنحن بحاجة لجيش من المترجمين، والأمل في مشروع قومي عربي، هو أمر طوباوي لكنه ليس ببعيد المدى”.فيما رأى د. هاشم صالح الذي أخذ على عاتقه سبر أغوار تجربته في عالــم الترجمــــــــة منـــــــــذ 30 سنــــــــة، قال “ترجمت محمد أركون لأنه بدا لي المفكر الأقدر على طرح المشاكل التراثية وحلها، وهي المشاكل التي تؤرقنا حالياً وتقض مضجعنا بل تكاد تقسمنا وتشعل الحروب الأهلية بيننا، كل المشاريع الأخرى لدراسة التراث أو لنقده بدت ضعيفة، حتى قبل خروجي من سوريا إلى فرنســـــــــا عـــــــــام 1976 وأتعـــــــــرف علــــــــــى تيـــــــــارات الفكـــــر الحديث.. أذكر من بينها مشروع حسين مروة عن النزعات المادية في الإسلام، أو مشروع الطيب تيزيني أو حتى محمد الجابري وحسن حنفي وعبدالله العروي وسواهم، كلها بدت لي مؤدلجة أكثر من اللزوم أو غير ناضجة أو غير مقنعة، ربما كانت المشاريع التجديدية للثلاثة الأخيرين أقل أدلجة وأكثر نضجاً لكنها كانت غير كافية أو قل ليست راديكالية بالشكل الكافي، ثم إنها لا تسيطر على المنهج والمصطلح بالشكل المرضي، وحده مشروع أركون في تفكيك الانغلاقات اللاهوتية ونقد العقلية الإسلامية التقليدية هو الذي يذهب إلى أعماق الأشياء، لذلك فهو وحده التحريري بالفعل، لذلك عندما تعرفت على أركون بعد وصولي إلى باريس بفترة قصيرة بدا لي كأنه الحل المنقذ، ورأيت فيه المحرر الأكبر للفكر الإسلامي”.موضحاً “ينبغي العلم أن مترجم الفكر أو ناقله من لغة إلى أخرى ينبغي أن يكون هو الآخر باحثاً علمياً بالمعنى الحرفي للكلمة وشخصاً عارفاً بمعظم تيارات الفكر ونظرياته المستجدة، فكلما كان المترجم مثقفاً، واسع الاطلاع، كانت ترجماته ناجحة وموفقة، لذلك نلاحظ أن مترجمي فلاسفة الألمان إلى اللغة الفرنسية هم عادة فلاسفة أو أساتذة كبار في السوربون وسواها”، مفسراً “يقال إن المفكر جان هيبوليت أستاذ فوكو وكل جيله أمضى جل عمره في ترجمة كتاب هيغل “فينومينولوجيا الروح” والتعليق عليه وشرحه، لقد أتقن ذلك إلى درجة أن الألمان راحوا يستشيرون الترجمة الفرنسية كي يفهموا النص الألماني الأصلي! فمن يصدق ذلك؟ وهنا نصل بالترجمة إلى ذروتها القصوى، إنها حب وغرام، وجهد رائع وإتقان، إنها انصهار في النص إلى حد الذوبان، إنها خلق للنص المترجم من جديد، هناك معيار أساسي لقياس مدى نجاح الترجمة أي ترجمة كانت: وهو ألا تشعر أثناء قراءة الكتاب المترجم بأنه مترجم، فآثار الترجمة المزعجة، أو العُجمة، لا ينبغي أن تظهر عليه أبداً، ينبغي أن يبدو النص كأنه مكتوب مباشرة باللغة التي ترجم إليها”.وشدد هاشم على مسألة اللغة العربية التي هي “ذاتها مهددة إن لم ينجح مشروع الترجمة الهادف لاستيعاب كل العلوم الحديثة، لذلك دق البعض ناقوس الخطر، وقال إن مسألة الترجمة أكثر جدية مما نظن، إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للغتنا وحضارتنا”، معرباً عن قلقه حيال الترجمة بقوله “نعيش في فترة عشوائية وفوضوية، ويصح أن نسميها بالفوضى الخلاقة، التي لربما ينتج عنها شيء إيجابي”.