أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، مرسومين بقانون مؤخراً بشأن تعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب وأيضاً تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، والسؤال لماذا يتم هذا التعديل؟ وما هي آليته؟ وما دلالاته؟.
بداية لابد من التعريف بالمرسوم بقانون، وهو أداة دستورية يتمتع بها جلالة الملك حسب الدستور ليمارس صلاحياته المتعلقة بالتشريع، وتستخدم تحديداً خلال فترة غياب السلطة التشريعية “البرلمان” كما هو الحال بالنسبة للإجازة البرلمانية التي يشهدها مجلسا الشورى والنواب حالياً.
وأتاح دستور مملكة البحرين لجلالة الملك صلاحيات تشريعية يمكن استخدامها في الأوقات غير العادية للتشريع، مثل الإجازة البرلمانية، إذ ليس مقبولاً انتظار انعقاد دورة جديدة للبرلمان حتى يتم إصدار مثل هذه التشريعات، وبالتالي فإن المراسيم بقوانين تعد أداة دستورية مهمة لضمان استمرارية القوانين والتشريعات في الدولة دون توقف، حسب تطور الأوضاع في المجتمع وحاجته لمثل هذه التشريعات.
ورغم هذه الصلاحيات الدستورية، فإن الدستور أيضاً كفل أن يقوم ممثلو الشعب بالإطلاع على كافة المراسيم بقوانين ومراجعتها والتعديل عليها، حيث تتطلب الإجراءات اعتماد قائمة بكافة المراسيم بقوانين الصادرة خلال فترة الإجازة البرلمانية من قبل السلطة التشريعية، ومن ثم تبدأ مناقشتها ومراجعتها والموافقة عليها حسب الإجراءات المعمول بها في مثل هذه الحالات.
ننتقل إلى اللوائح الداخلية لمجلسي النواب والشورى المعدّلة بموجب المراسيم بقوانين الأخيرة الصادرة عن الملك، فمن المعروف أن الدستور هو الذي نظم طبيعة العلاقات بين مجلسي النواب والشورى، وحدد صلاحيات كل مجلس، بشكل يكفل التوازن بين المجلسين وفق مبدأ الفصل بين السلطات.
التوازن هنا سياسي ويضمن وجود رقابة ذاتية متبادلة وقرارات رشيدة أكثر، هذا على مستوى الدستور، وكما هو الحال بالنسبة لكافة القطاعات التي ينظمها الدستور، فإن الحاجة تتطلب إصدار لوائح تنظم عمل المجلسين بأدق التفاصيل، بدءاً من آلية الحضور والانصراف، إلى كيفية السماح لعضو البرلمان بالحديث أثناء الجلسة وغيرها من التفاصيل التي يتطلبها العمل البرلماني وهي كثيرة جداً.
بالتالي فإن اللائحة الداخلية أداة قانونية تنظم عمل مجلسي النواب والشورى، والعلاقات فيما بينهما، والآليات التي يمكن من خلالها القيام بالدور المطلوب من أعضاء المجلسين وفقاً للصلاحيات المقررة لهما في الدستور.
ننتقل الآن إلى توضيح السياق الذي تمت فيه التعديلات على اللائحتين الداخليتين لمجلسي النواب والشورى، ففي صيف 2011 أقيم حوار التوافق الوطني، وخلاله تم الاتفاق على الكثير من المرئيات التي تساهم في تطوير السلطة التشريعية وغيرها من المؤسسات في النظام السياسي والدستوري للمملكة، واقترحت حينها العديد من التعديلات الدستورية وأُحيلت لاحقاً إلى السلطة التشريعية وتمت مناقشتها ومن ثم إقرارها لترفع إلى جلالة الملك للتصديق عليها وهو ما تم قبل أشهر عدة.
إقرار التعديلات الدستورية أدى إلى تغيير طبيعة العلاقات بين مجلسي النواب والشورى، وهو ما يمكن ملاحظته على سبيل المثال في إسناد رئاسة المجلس الوطني “البرلمان بغرفتيه”، إلى رئيس مجلس النواب، بعد أن كان في السابق رئيس مجلس الشورى هو من يرأس المجلس الوطني. وبالتالي التعديلات الدستورية الجديدة تتطلب أن تكون اللوائح الداخلية مطابقة لها، وتضمن أن يتم تطبيق النصوص الجديدة للدستور التي جاءت بناءً على مخرجات حوار التوافق الوطني.
ومن التعديلات المهمة على اللوائح الداخلية لغرفتي السلطة التشريعية أن تكون مناقشة الاستجواب في الجلسة العامة ما لم يقرر أغلبية أعضاء مجلس النواب مناقشته في اللجنة المختصة، ويحق للمجلس النيابي إبداء الرغبات المكتوبة للحكومة في المسائل العامة، وعلى الحكومة الرد على المجلس كتابياً خلال 6 أشهر، وعدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء من خلال طلب مسبب يتقدم به 10 أعضاء.
والتعديل الأهم على اللوائح الداخلية صلاحية إقرار برنامج الحكومة، حيث تم تعديل اللوائح بما يضمن تقديم رئيس مجلس الوزراء برنامج الحكومة خلال 30 يوماً من أداء اليمين الدستورية إلى مجلس النواب لدراسته، على أن يقره النواب أو يرفضوه بأغلبية الأعضاء.
المراسيم بقوانين الصادرة عن العاهل مؤخراً مهمة للغاية في سياق التطور الدستوري والسياسي في البحرين، وتؤكد التزام المملكة بمخرجات حوار التوافق الوطني المطروحة من أجل الدفع قدماً نحو تطوير تجربة التحول الديمقراطي التي تشهدها البحرين منذ عقد من الزمن.
ومن المتوقع خلال الفترة المقبلة أن يتغيّر أداء السلطة التشريعية بغرفتيها مجلسي النواب والشورى، لأنه تم تغيير صلاحيات كل منهما لصالح المجلس النيابي إيماناً بتطوير التجربة، فأساس التحول الديمقراطي المتوافق عليه في ميثاق العمل الوطني وضع ليتطور باستمرار حسب مقتضيات الحاجة والظروف التي يمكن أن تمر على البحرين، والأهم طبقاً لتطور الثقافة السياسية وما يترتب عليها من وعي سياسي لدى عموم الأفراد في المجتمع البحريني، فالتطور السياسي لا يمكن أن يتم دون تطور الثقافة السياسية نفسها.
[email protected]