^ جميع العرب أعينهم على مصر، ودعاؤهم للمصريين بالتوفيق والسداد في اختيار رئيس لمصر يعيد لها دورها الذي افتقده العرب، بدا العرب وهم يتابعون انتخابات مصر كأن كل واحد منهم سينتخب رئيسه، وكأن كل واحد منهم سيحسم مصيره هو؛ إيماناً منهم أن كل حدث مستجد في مصر سيؤثر على مجريات الأحداث في باقي الدول العربية. تكتسب الانتخابات المصرية أهميتها من أنها أول انتخابات حقيقية في مصر، وأنها المرة الأولى التي توجه فيها الشعب المصري للإدلاء بأصواتهم وهم لا يعرفون من الفائز سلفاً، وستكون نتيجة الانتخابات تقييماً حقيقياً لنتائج ثورة 25 يناير، ولكنها، بالطبع، قد لا تكون الحكم النهائي عليها، أو النتيجة المرجوة منها. جرت الانتخابات في ظروف غير نموذجية، فالمجلس العسكري يتولى السلطة دون شريك من باقي الأحزاب أو من الشخصيات المدنية، مما خلق حالة من سوء الفهم بين الجيش وبين قطاع واسع من الشعب، ومنهم شباب الثورة الذين أعلن أغلبهم مقاطعة الانتخابات رفضاً لإقامتها في ظل حكم العسكر، كما إن الدستور المصري لم يكتب بعد، لذلك فإن رئيساً قادماً سيفوز وهو لا يعلم بالضبط ماهي صلاحياته وما هو نظام الحكم الذي سيتولاه، هل هو نظام جمهوري رئاسي يعطيه الصلاحيات الواسعة، أم هو نظام جمهوري برلماني يعطي رئيس الوزراء وحكومته الصلاحيات الكبرى. وتكتسب الانتخابات أهميتها الإقليمية في أن الرئيس القادم سوف يكون عليه مواجهة تركة ثقيلة من مشكلات مصر الاقتصادية والتنموية والسياسية والاجتماعية، فالاقتصاد المصري يعاني كثيراً وقد تدهور بشكل خطير في السنوات الأخيرة بما لا يتناسب مع إمكانات مصر الجبارة في مجال الزراعة والصناعة وفي وفرة الأيدي العاملة وكفاءتها وإمكانية تدريبها، لكن الملف الأخطر الذي سيواجه الرئيس إلى جانب ملفات قضايا الإصلاح الداخلي التي لا حد لها، هو ملف العلاقات الخارجية، فكثير من الخبراء يثيرون مسألة غموض العديد من بنود معاهدة كامب ديفيد وسريتها، والتي ربطت الحكومة المصرية السابقة بموجبها بعض إجراءاتها المختلف عليها ببنود هذه المعاهدة، ومنها اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل بواقع 40% من سعره الحقيقي في السوق. وليست العلاقة مع إسرائيل هي التي تحتاج لتوضيح وإعادة تنظيم، بل علاقة مصر بالعديد من الدول العربية والأفريقية والغربية، لأن أغلبها في السابق كان يعتمد على شخص الرئيس مبارك وعلاقاته، وعلى سياسات الحزب الوطني الحاكم وأنشطته الاقتصادية، لذلك فإن العلاقات الخارجية المصرية كانت تشهد تذبذباً وتصاعداً وفتوراً مع العديد من الدول بناء على المواقف الشخصية. إن المشكلات الكثيرة التي تواجهها مصر تجعلنا نسأل من هو الشخص المرشح، ليس للفوز في الانتخابات، بل لمواجهة هذه المشكلات؟ فحكم مصر شرف تاريخي، لكنه مسؤولية تاريخية كذلك والتزام مؤرق لمن سيتولاه. شارك في السباق الرئاسي ثلاثة عشر مرشحاً بعضهم صار في مراتب متقدمة من حيث تقبل المواطنين المصريين له، وبعضهم مازال مجهولاً، والبعض كان علماً ولكنه فقد بريقه مثل الدكتور محمد سليم العوا والدكتور عبدالله الأشعل، وبعضهم يحظى بتاريخ وقبول وبمشروع جيد، مثل المرشح القومي الناصري حمدين صباحي، لكن المصادفات والمفاجآت قد لا تسعفه لاعتبارات عديدة، ولكن أغلب المناقشات والجدل المصري في الفترة الفائتة كان حول تيارين، إن صح التعبير، من تيارات مرشحي الرئاسة الأول يصفه المصريون بأنه من فلول النظام السابق والثاني هو التيار الإسلامي. المرشحان الرئاسيان اللذان توليا مناصب رفيعة في الحكومة السابقة هما عمر موسى وأحمد شفيق اللذان يؤخذ عليهما تقدمهما في السن، نسبياً، بالنسبة لمتطلبات حكم بلد مثل مصر، كما إنهما يوصفان بأنهما محسوبان على النظام السابق، العديد من المصريين يتحفظون على أداء عمر موسى أثناء توليه وزارة الخارجية المصرية زمن مبارك حيث عجزت الخارجية المصرية، تحديداً، عن تقديم حلول مقبولة لمشاكل السلطة الفلسطينية في غزة حيث كانت توصف السياسة الخارجية المصرية بأنها أميل إلى كفة المصالح الإسرائيلية، وكذلك عجزت الجامعة العربية في عهده عن حل كل الأزمات العربية الخطيرة التي واجهاتها، كما إن إجاباته بدت غير مقنعة للمصريين في المناظرة التي أقيمت بينه وبين عبدالمنعم أبو الفتوح. أما أحمد شفيق فيواجه اتهامات لم ترفع للقضاء حول قضايا فساد وتبديد أموال الدولة أثناء توليه منصب وزير الطيران المدني، فضلاً عن أنه قبل رئاسة الحكومة التي عينها مبارك حين كان نظامه يتهاوى، إلا أن الاثنين، رغم هذه المآخذ، يمتلكان حظوظاً جيدة ومرتفعة أحيانا باعتبارهما رجلا دولة سابقين ويمتلكان خبرة في مجال السياسة والاقتصاد، وهو ما يفتقده كثير من المرشحين الذين لم يخوضوا تجارب سياسية من قبل، كما إنهما من الوجوه المعروفة التي يميل الشعب البسيط إلى اختيارها بدلاً من اختيار من لا يعرف، ويرى العديد من المحللين المصريين المخالفين لهما أن وصول أحدهما، موسى أو شفيق، إلى الحكم هو دليل أن شيئاً لم يتغير في مصر بعد الثورة وأن النظام السابق مستمر وأنه تمكن من استعادة سيادته بالكامل بتولي أحد رجاله السابقين حكم مصر، وأن مصر ستعيد بذلك إنتاج سياساتها السابقة للثورة. التيار الثاني وهو التيار الإسلامي، وهو الذي حظي بنصيب الأسد في نقاشات المصريين وخلافاتهم، ويمثل التيار الإسلامي بالدرجة الأولى محمد مرسي؛ مرشح حزب العدالة والحرية، وبالدرجة الثانية عبدالمنعم أبوالفتوح؛ القيادي الإخواني المستقيل من الجماعة، وتبدو حظوظ الاثنين مرتفعة ومتساوية نظراً للقاعدة الجماهيرية الواسعة للتيار الإسلامي، وللكفاءة الجيدة التي ظهر عليها أبو الفتوح في برنامجه وفي المناظرة التلفزيونية مع عمر موسى، ولكن التيار الإسلامي قد وضع نفسه في جملة من التناقضات والإحراجات قد تؤثر في فرص مرشح الإخوان المسلمين الذي يتحالف معه السلفيون أيضاً. المشكلة الأولى التي يواجهها الإسلاميون وجماعة الإخوان المسلمين تحديداً هي الأداء الضعيف في مجلس الشعب الذي فاجأ المصريين والذي انصرف عن مناقشة القضايا الجوهرية مثل؛ رفع أجور المصريين واستعادة أموال مصر المجمدة ومحاكمة رموز النظام السابق وانساق خلف قضايا هامشية، كما إن العديد من المصريين يحملون جماعة الإخوان تحديداً مسؤولية الإخفاق في تشكيل لجنة صياغة الدستور نتيجة تعنتهم في الاستحواذ على مقاعد أكبر في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، المشكلة الثانية هي إعلانهم عدم خوض الانتخابات الرئاسية واستقالة عبدالمنعم أبو الفتوح بناء على هذا القرار ثم تراجعهم عن قرارهم وترشيحهم لخيرت الشاطر للرئاسة ومن ثم محمد مرسي كمرشح بديل. المشكلة الثالثة المهمة التي تواجهها الجماعة هو البنية التنظيمية للجماعة، فتنظيم الإخوان يشترط أن يقسم كل عضو فيه بالولاء للمرشد الأعلى للجماعة، مما سيطرح السؤال حول ولاء رئيس مصر إن وصل مرشح الإخوان للرئاسة، وسؤالاً آخر حول من يحمكم مصر الرئيس أم المرشد؟ كما إن الجماعة ذاتها لم تعدل وضعها قانونياً، فهي لم تسجل نفسها رسمياً بعد الثورة وبعد رفع الحظر لدى الحكومة المصرية كجمعية أهلية أو جمعية نفع عام الأمر الذي يعد مخالفة قانونية في حقها. لكن المشكلة الكبيرة التي خلقها دخول التيار الإسلامي معترك انتخابات مصر سيل التصريحات التي اعتبرت خطيرة حول إسلامية مصر، والحريات العامة وغيرها..، وعملية الترويج الديني التي تولتها الرموز الدينية البارزة لمرشح الإخوان باعتبار ترشيحه واجباً دينياً ووصوله للرئاسة تمكين لدين الله، وأن برنامجه هو برنامج محمد صلى الله عليه وسلم، ووصف مخالفيه بالعلمانيين الملحدين مستحقي الحرب، والتهديد أن عدم فوزه سيؤدي إلى سيل دماء الشهداء!! وهو الأمر الذي أقلق كثيرين واعتبروه انحرافاً في التصريحات عن أسس الدولة المدنية والتعددية والحرية التي ينتظرها المصريون. ربما لم يعتن المصريون كثيراً بدراسة برامج المرشحين ومناقشتها، وسؤالهم عن مصادر تمويلها، وعن أهميتها وأولويتها للمرحلة القادمة، وكان اهتمام المصريين مقتصراً على الشخوص بالدرجة الأولى وتاريخها وكفاءتها، لكن أياً كانت المناقشات والنتائج فإنها ستصب بلا شك في تطوير التجربة الانتخابية الجديدة على المصريين بل على الوطن العربي بأكمله، وإلى أن تظهر النتائج النهائية نتمنى لإخواننا المصريين رئيساً ينصفهم ويعيد لهم دولتهم التي يحلمون ونحلم معهم بها