^  ليس هنالك من مراقب حذر لوضع المنطقة العربية بأسرها كالولايات المتحدة الأمريكية، كما ليس من مهتم بالربيع العربي حتى أكثر من العرب أنفسهم كالأمريكان. أمريكا تنتظر على عجالة ما ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء المشهد المفزع لما سيتمخض عنه الربيع العربي، فهي تترقب كافة التداعيات التي سينتجها الربيع، لأنها على إثر ذلك ستحدد معالم سياستها وقراراتها النهائية في شكل وصورة الوطن العربي. الحديث عن هلال شيعي أو دولة سنية، والحديث عن تقسيم العراق أو الخليج، ليس من نسج الخيال أو أمنيات حقيقية لشعوب المنطقة، بل هي تسريبات خطيرة انكشفت مؤخراً لتبين حجم النوايا الأمريكية في المنطقة العربية كلها من المحيط إلى الخليج، ولهذا لن نستغرب من واشنطن أن تقوم بدور الوسيط في اللعبة السياسية أو تقوم باللعب على المتناقضات لتربك كل الحسابات التي تضعها الدول حسب القانون السياسي. إن سايكس بيكو الجديدة على وشك أن تجهز، ومن المؤكد أنها ستكون صادمة لغالبية المحللين السياسيين ولكثير من الأنظمة والشعوب كذلك، فاللعب على الحبلين ليس له قاعدة ثابتة في علم السياسة أو حتى في علوم الرياضيات. في فترة تداعيات المواقف الشعبية والرسمية لما قد يخلِّفه الربيع العربي، تظهر لنا بعض تلك التناقضات في الموقف الأمريكي، سواء تجاه دول الخليج العربي أو تجاه إيران وسوريا ومصر واليمن وحتى تركيا. في هذه المرحلة الحساسة لا يمكن أن تلمس موقفاً آحادياً واضحاً من الأمريكان تجاه دولة من الدول، ومن يعول على القرار الأمريكي في شكله الحالي، فهو واهم بكل تأكيد وستنبهه الأيام أن كل اعتقاداته السياسية كانت باطلة. ضرب إيران أم التصالح معها سراً، إبقاء دول الخليج العربي في شكلها الحالي أو تقسيمها حسب المشروع الأمريكي الجديد، تفتيت سوريا ولبنان عبر حروب طائفية أم التفاوض معهما وفق استراتيجيات تحمي الكيان الصهيوني، كل ذلك وأكثر وارد في سلة السيناريوهات الأمريكية للمنطقة وما يحدد سقف تلك الافتراضات وصحتها، هو موقع المصلحة الأمريكية وكافة الإغراءات التي تعتمدها طبيعة تلك السياسات التي تتعلق بالنفط والمواقع الإستراتيجية والحيوية لواشنطن. كل شيء يمكن له أن يتغير في ظل المعطيات الأمريكية إلا أمراً واحداً لا يمكن أبداً أن يتزحزح؛ ألا وهو النظرة الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني، هذه النظرة الثابتة منذ وعد بلفور لم تتغير ولم يصبها طارئ، رغم تعاقب أكثر من رئيس أمريكي حكموا العالم عبر بوابة المصالح الاقتصادية والسياسية. نحن نأمل أن تغير الدولة العظمى من معاييرها تجاه العالم العربي وأن تتعامل بشفافية أكبر مع دول أعطت من خيراتها للدولة التي لم تنصفها على الإطلاق، لكننا نؤمن في ذات الوقت أن أمريكا لن تغيِّر سياستها الخارجية، إذا لم تتغير القوى اليمينية الصهيونية المتطرفة التي تحكم قراراتها ومستقبلها، بل ستظل تواجه كل العرب والمسلمين في معاركها القادمة، وسيكون لتمزقنا وانتهاء وحدتنا أثر بالغ الأهمية عندهم، لأننا سنكتشف لاحقاً أن اليد التي كانت تمتد لمصافحتنا، هي التي ستضربنا لو دعتْ الحاجة لذلك، أما اليد الأخرى فإنها ستكون اليد الحانية على إسرائيل.