كتب – المحرر الثقافي:
يؤكد محللوا التاريخ وكتاب السير، أن في حياة كل أمة من الأمم أعلام تدين لهم الشعوب بالفضل، أعلام استطاعوا في وقت من الأوقات أن يميلوا بالأحداث للوجهة التي يريدونها. وأحد هؤلاء مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا الكبير.
في كتابه “محمد علي سيرته وأعماله وآثاره” الصادر حديثاً عن مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع، ترجمة وتحقيق: أحمد علي حسن، يؤكد المؤلف إلياس الايوبي أن “محمد علي ليس مؤسس مصر الحديثة فحسب، بل باعث النهضة في الشرق العربي، بل والإسلامي. وأنه يمثل في العصر الحديث معجزة إدارية وإقتصادية وسياسية كبرى لم تعرف البشرية مثيلاً لها إلا قليلاً”.
ويعلل ذلك بأن “تجربة محمد علي في الصعود بمصر تجربة فاقت في إعجازها وتفوقها كل التجارب المعاصرة في صعود الأمم، تجارب اليابان ونمور آسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا”. “لقد فاق ما فعله محمد علي بمصر كل خيال؛ فلقد استطاع -وهو في العقد الثالث من عمره- أن يؤجج ثورة على الدولة العثمانية وأن يستقل بمصر رغم المؤامرات والمكائد العثمانية والأوروبية، واستطاع أن يقر في بلد كانت الفوضى العارمة هي قانونه، وأن يتفوق بها على الدول الأوربية سلماً وحرباً، كما استطاع أن ينشئ صناعات وطنية، وزراعة ورياً حديثاً، وأسطولاً قوياً، وجيشاً نظامياً، وجيوشاً مدنية من المتعلمين المثقفين”.
ذلك ما يؤكده التاريخ، وتذكر الموسوعات أن محمد علي اتجه إلى بناء دولة عصرية على النسق الأوروبي في مصر، واستعان في مشروعاته الاقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين، وكانت أهم دعائم دولته العصرية سياسته التعليمية والتثقيفية الحديثة. فقد توسع في التعليم العسكري في مصر. وبدأ بإرسال طائفة من الطلبة الأزهريين إلى أوروبا للدراسة في مجالات عدة، ليكونوا النواة لبدأ النهضة العلمية. كما أسس المدارس الابتدائية والعليا، لإعداد أجيال متعاقبة من المتعلمين الذين تعتمد عليهم دولته الحديثة. وقد أدرك محمد علي أنه لتحقيق أهدافه التوسعية، كان لا بد له من تأسيس قوة عسكرية نظامية حديثة، تكون بمثابة الأداة التي تحقق له تلك الأهداف.
أنشأ محمد علي مصانع للأسلحة في مصر. وأسس معملاً للكهرجالات في جزيرة الروضة بعيدًا عن العمران، وأضاف إليه معامل أخرى في الأشمونين وإهناسيا والبدرشين والفيوم والطرانة. هذا الى جانب اهتمامه بالزراعة، حيث اعتنى بالريّ وشق العديد من الترع وشيّد الجسور والقناطر. كما وسّع نطاق الزراعة، فخصص نحو 3,000 فدان لزراعة التوت للاستفادة منه في إنتاج الحرير الطبيعي، والزيتون لإنتاج الزيوت، كما غرس الأشجار لتلبية احتياجات بناء السفن وأعمال العمران. وفي العام 1821، أدخل زراعة صنف جديد من القطن يصلح لصناعة الملابس، بعد أن كان الصنف الشائع لا يصلح إلا للاستخدام في التنجيد.
بحسب الناشر فإن إلياس الأيوبي “ليس أول من كتب عن محمد علي بل سبقه مؤرخون عدة، ولئن كان “إلياس الأيوبي” قد اشتهر بكتابه عن تاريخ مصر في عصر إسماعيل الذي نال عنه الجائزة الملكية، وهو كتاب في مجلدين يقع في حوالي 1000 صفحة من القطع الكبير، إلا أنه في كتابه هذا استطاع فيما لا يزيد عن 160 صفحة من القطع المتوسط أن ينجز كتاباً لا يقل عن إنجازه الضخم السابق عن إسماعيل، واستطاع في حياد وموضوعية -لم يتخلفا إلا قليلاً- أن يحلل تلك الحقبة التاريخية من حياة مصر في عهد محمد علي وأن يحلل بعض الجوانب النفسية والشخصية لهذا القائد الفذ، وأن يضعها في إطارها التاريخي الصحيح. لهذا تأتي أهمية إعادة نشر هذا الكتاب - الشديد التركيز.