كتب - المحرر الثقافي:
رغم انتقاله إلى الرفيق الأعلى في 3 مايو 2010، لا يزال المفكر المغربي محمد عابد الجابري، قادراً على الإضافة، ولا تزال مؤلفاته تثير شهية الباحثين، وتفتح أمامهم مغاليق الذهن على قضايا مهمة عدة.
إنَّ الفيلسوف الجابري -المولود في 1936 بفكيك، الجهة الشرقية من المغرب، صاحب الثلاثين كتاباً مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها “نقد العقل العربي” الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية، ومبتكر مصطلح “العقل المستقيل” وهو ذلك العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى- تمكن بحسب رأي الباحثين والمهتمين عبر سلسلة نقد العقل العربي من “القيام بتحليل العقل العربي عبر دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت من عصر التدوين ثم انتقل إلى دراسة العقل السياسي ثم الأخلاقي، حتى وصل في نهاية تلك السلسلة إلى نتيجة مفادها أنَّ “العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة الابتكار”.
وفي هذا الكتاب “معضلة اللغة العربية بين الجابري وطرابيشي” - الصادر في 2012 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، من تأليف وليد خالص، وتقديم جورج طرابيشي وعبدالواحد لؤلؤة- يبحث المؤلف د.وليد خالص فكرة أنَّ حديث اللغة العربية هو ما تقوم عليه تهمة تخلف العقل العربي في أطروحات الجابري، بأسلوب بالغ التشويق والإقناع بما يقدم من أسانيد.
وبحسب الناشر فإن المؤلف بذل “جهداً كبيراً في إعادة قراءة التراث العربي الإسلامي ووسائله في اللغة العربية، ليرى مسألتين: الأولى: كم من أطروحات الجابري يمكن التسليم بها في ظلّ النصوص والمراجع الأصلية؟ والثانية: كم من انتقادات للطرابيشي يمكن القبول بها عند مقارنتها بأطروحات الجابري، وأمامنا النصوص التي لم يوفق الجابري في الإفادة منها لدعم ما ذهب إليه، لأنه أوردها ناقصة أو منتقاة أو محرفة”؟
لاشك أنَّ عملاً مثل هذا -كما يشير الناشر- “عمل محاط بكثير من المزالق والأشواك، فقول الجابري مثلاً إنّ العربية بقيت منكفئة على نفسها قروناً طويلة، ولم تتأثر بها أقوام أو لغات أخرى هو قول يبعث على الكثير من العجب إذا تذكرنا ألوف الكلمات العربية التي دخلت اللغة الإسبانية مثلاً، وتحرفت قليلاً أو كثيراً لتناسب النطق الإسباني، فصارت إسبانية”. وقد لا نستغرب مثلاً دخول كلمات لأسماء أدوات، أو فواكه، أو ملابس إلى لغة أوروبية بأسمائها العربية، لأنها لم تكن معروفة في تلك اللغة الأجنبية، ولكن كيف تفسر دخول كلمة “المخدة” العربيّة إلى الإسبانية بصيغة “المغذة”؟ كيف كان الإسبان ينامون من دون مخدة حتى جاءهم بها العرب؟ وكيف دخلت كلمات مثل: محبة، عشق، سماحة إلى اللغات الفارسية والتركية والأردو، إذا لم يكن للكلمة العربية ذلك السحر الخاص الذي دخلت به إلى تلك اللغات الأعجمية؟!! هذا إلى جانب العدد الكبير من الكلمات ذات المعنى الإسلامي الخاص”.
إن ما يعرضه مؤلف هذا الكتاب أوسع بكثير من تأثير اللغة العربية في اللغات الأخرى عبر القرون، وهو إذ يناقش ذلك، لا يخفي إعجابه بالفيلسوف الجابري، الذي أمد اللغة العربية بمؤلفات كبيرة.