^ شهدت الساحة البحرينية خلال شهر فبراير الماضي، وشهر مارس الحالي حراكاً شعبياً متنوعاً حمل عناوين متباينة في توجهاته السياسية تمثلت في ما بين الدعوة إلى الحوار والمصالحة الوطنية والدعوة إلى التحول الديمقراطي، والمطالبة بوقف العنف قبل البدء بأي حوار، والاعتذار من قبل القوى المتورطة في أحداث فبراير ومارس الماضيين. وقادت القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة في رسم المشهد السياسي البحريني هذا الحراك. حيث حولت هذه القوى بعض الساحات العامة في عطلات نهايات الأسبوع إلى منتديات سياسية مفتوحة، إذ لا يمر علينا يوم من أيام نهاية الأسبوع إلا ونشهد خلالها فعّالية أو مسيرة شعبية قد تكون مرخصة في بعض الأحيان وغير مرخصة في أحايين كثيرة يتم الدعوة إليها من خلال الجمعيات السياسية التي تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة ومن تلك التي لا تمتلك رصيداً جماهيرياً وتحاول عبر هذه المسيرات والتجمعات أن تحجز لها مكاناً ولو في الصفوف الخلفية بهدف تسجيل بعض النقاط في اللعبة السياسية وإن كان ذلك من خلال التمترس في خندق جمعية الوفاق التي هي الأخرى تحاول استغلال هذه الجمعيات وجرها إلى معسكرها بهدف إضفاء الوطنية على حراكها في انتهازية رخيصة؛ لأنها تعلم جيداً أن تحالفها مع هذه الجمعيات لن يكون زواجاً كاثوليكياً وأنها تلعب بهذه الورقة مؤقتاً من باب التكتيك السياسي ومن أجل إيهام الخارج بأن حراكها وطني ونابع من القوى السياسية كافة، ومتى تحقق للوفاق مآربها من هذه الورقة فإن أمينها العام هو أول من سيشعل النار فيها ويدوس على رمادها حتى لا تقوم لها قائمة. إن الجمعيات السياسية الراديكالية التي تقف الآن في الصفوف الخلفية من الحراك الشعبي الذي تقوده الوفاق مثل؛ وعد، التجمع القومي، التجمع الديمقراطي وأخيراً الإخاء ستجد نفسها بعد أن يتحقق للوفاق أحلامها وتجني ثمار حراكها، فإن أول خطوة ستقدم عليها هو العمل باتجاه الانقلاب على حلفائها ورميهم خارج اللعبة السياسية وأن الخطاب السياسي والإعلامي (الوطني)الذي دندنت به الوفاق على مسامع تلك الجمعيات ومسامعنا في مسيراتها وتجمعاتها السياسية ما كان إلا مجرد حيلة ولعبة من ألاعيبها السياسية تمارسه بوعي في مرحلة معينة من صراعها مع السلطة. هذا الكلام نقوله ليس من باب دعوة هذه الجمعيات أن تدرك حيل وألاعيب الوفاق وتقوم بفك تحالفها معها. فهي تعرف أكثر منا بأن مذهبها السياسي، وفكرها الأيديولوجي لا يتقاطع مع فكر الوفاق الذي يتخذ من “ولاية الفقيه” مبدأً وخطاً سياسياً تسير عليه في كل تحركاتها. ومهما حاولت الوفاق أن تقنع حلفاءها أنها تمارس السياسة بعيداً عن هذا المبدأ، فإن الوقائع على الأرض تثبت عكس ذلك فالدعوات التي يطلقها شيوخها من على المنابر الدينية والجولات التي يقومون بها في قرى البحرين تنطلق من هذا المبدأ ونتيجة لذلك فهي تلقى تعاطفاً وصدى واسعاً في صفوف الشارع الشيعي بمختلف أطيافه السياسية والفكرية فالمذهب الديني مكون أساس في بناء شخصية أفراد هذا الشارع وهو الذي يجعلهم يتعاطفون مع المطالب السياسية المغلفة بالرداء الديني والأمثلة على ذلك كثيرة خذ مثلاً؛ مفردة “المظلومية” نجدها تتكرر بكثرة هذه الأيام في الخطاب الديني والإعلامي والسياسي لشيوخ الدين والكتاب والسياسيين الذي يرفعون لواء التحول الديمقراطي! فهم غالباً ما يشيرون في خطاباتهم أن هناك فئة مهمشة في المجتمع البحريني بسبب مذهبها الديني وحان الوقت أن يرفع عنها هذا التهميش من خلال إعطائها الدور الأكبر في المشاركة وصنع القرار السياسي. ولا بأس من السير في تحقيق هذا الحلم من خلال البوابة الديمقراطية وعبر دعوة القوى السياسية الأخرى للمشاركة في المسيرات التي نقودها.. وعلينا أن نسير في هذا الاتجاه في المرحلة الراهنة ووفق هذه الاستراتيجية التي تقوم على التحالف مع القوى السياسية الأخرى في المجتمع التي تختلف معنا عقائدياً وفكرياً وسياسياً ومتى ما حققنا مرادنا فإننا لدينا القدرة في النهاية على تنحيتهم من طريقنا وتجميد دورهم في العملية السياسية. إن المراقب للخطاب السياسي والإعلامي للوفاق في الفترة الأخيرة سيكتشف بسهولة أنها تعتمد على هذه الاستراتيجية الجديدة ويمكن ملاحظة ذلك في المسيرات الأخيرة التي يوجه فيها قياديو الوفاق الدعوة إلى أهالي الرفاع والمحرق إلى الانضمام إلى حراكهم الشعبي تحت لافتة “المطالب الشعبية الوطنية”، وكذلك من خلال دعواتهم غير المباشرة إلى تجمع الوحدة الوطنية وصحوة شباب الفاتح إلى حجز مقاعد لهم في قطار الوفاق الذي اتخذ من ساحة المقشع المحطة التي ينطلق منها إلى بقية قرى البحرين ومدنها. في ظني أن مثل هذه الدعوات لن تنطلي على جماهير الفاتح حتى وإن تم تزيينها بعبارات الوطنية. لأن التجربة أثبتت أن الوفاق قد باعت حلفاءها مع أول فوز لها في الانتخابات. كما إن الأسس والفلسفة الدينية التي ترتكز عليها جمعية الوفاق لا تسمح بالدخول إلى ناديها إلا من يحمل فكر الوفاق. ومن لا يريد أن يقتنع برأينا، فعليه أن يقرأ المقابلة الصحفية التي أجرتها جريدة الشرق الأوسط في 23/2/2012 مع نائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك القيادي في كتلة القائمة العراقية والشريك في الحكم مع المالكي حيث قال: “إن من يحكم العراق اليوم حزب واحد وشخص واحد وأن الدولة بنيت بطريقة طائفية وحزبية”، في رأيي أن في كلام المطلك حول الوضع في الساحة العراقية الجواب الشافي لما يجري في الحالة البحرينية. لذلك أقول إنه لو يتسنى للوفاق أن يكون بيدها القرار السياسي، فإنها لن تختلف كثيراً عن حزب المالكي ومن ورائه حزب الدعوة في العراق، فهي التي تتلاقى معهم في كثير من النقاط.وأولها أنها شربت من نفس المنبع الإيراني كما بين “المطلك” في إشارته لحزب المالكي ولذلك فإن دعواتها باطلة ولا يمكن تصديقها