^ سلمان بن حمد حاكم البحرين الأسبق قال عن خميس: «إنه عندما يتحدث كأنه ينظم الشعر»
^ اشتهر خميس الشروقي بالثقافة التي مكنته من المعرفة الواسعة واللغة السلسة الغنية
^ سنابيك الشروقي كانت مؤثرة في الحروب ساعدت في نصر آل خليفة لجاهزيتها مع الذخيرة
^ سنان بن جمعة له سنبوك اسماه «سمحان» من التسامح ليعكس ما في قلبه
^ محمد إلياس الشروقي اشتهر بخدمة المجتمع وإصلاح ذات البين
^ دار «إلياس» تستقبل يومياً الضيوف والأيتام ومجلسه عامر بكل مكونات مجتمع البحرين
كتب - خالد أبو أحمد:
مازال في جعبة آل الشروقي البحرينية الكثير من الأفذاذ، ممّن جمّلوا وجه الحياة بإبداعاتهم وأدوارهم الوطنية والاجتماعية والثقافية، وزينوا تاريخ هذه الأرض بجميل الخصال وترسيخ القيم النبيلة.
وقفنا في الحلقات الماضية مع سيرة الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي، وتناولنا سيرته العطرة ودوره في حركة التعليم والعمل الوطني، وأبحرنا في شعره وقدمنا نماذج منه، وفي الحلقة الأخيرة أبحرنا في عالم المعجزة السردال سالم بن جمعة الشروقي خبير البحر والغوص واللؤلؤ، وتحدثنا عن معجزاته وخوارقه في عالم البحر والغوص، وكشفنا سر المثل البحريني المشهور “الطينة طينة ريا والهير هير اشتيا” المسجل باسمه.
ونقف اليوم عند الأخوين الشقيقين النواخذة خميس وسنان بن جمعة بن محمد الشروقي، نتناول سيرتهما ومواقفهما وأدوارهما الخيرية منها والاجتماعية وقصتهما مع عالم البحر الواسع الامتداد، وعلاقتهما بالسنابيك وهما صاحبي معدي وسمحان أشهر سنابيك منطقة الحد ذائعي الشهرة في الخليج العربي.
عظيم المكارم والسجايا
النوخذة خميس بن جمعة الشروقي الأخ الشقيق للسردال سالم بن جمعة، ويمثل أحد أفذاذ هذه الأسرة الكريمة، رجل فاضت به المكارم والسجايا فهو عظيم الشأن طويل القامة نحيف الجسم كريم النفس يبذل من المال الكثير حتى يقول القائل يا بوعبدالله خسرت الكثير من المال فيقول بل ربحت، ولسان قلبه يكرر “ما نقص مال من صدقة”، وكان له سمة جميلة وهيبة عظيمة وصدق في الحديث ولا يتكلم إلا القليل المفيد.
ويقول الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين الأسبق جد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة “كان النوخذة خميس بن جمعة بن محمد الشروقي جيد الحديث تحسبه وهو يتحدث كأنه يلقي الشعر”.
واشتهر خميس الشروقي وسط المجتمع آنذاك إضافة لكرمه الفياض بالثقافة العالية التي مكنته من أن يكون واسع المعرفة والاطلاع، ومن هنا كانت عبارته جميلة للغاية ولغته سلسة غنية بكل ما هو جميل من بحور اللغة العربية السمحاء.
السنابك
وكان لخميس بن جمعة سنبوك اسمه معدي، وهذا الاسم كما هو واضح يشير إلى أنه لا يقف في وجهه حائل من أن يعبر للمكان الذي يريد، وعُرف عنه بالفعل يتعدى ويتجاوز الصعاب في كل الأحوال، وللنوخذة خميس مجلس من خلاله كان يتواصل مع الأهل والأصحاب والضيوف، والزُوار من داخل البحرين وخارجها، ومبنى المجلس مكون من دورين واحد سفلي والآخر علوي أحدهم للضيافة ومبيت الزوار والضيوف وعابري السبيل، والثاني للضيوف الذين يترددون يومياً على مجلسه.
ويقول الراوي سعيد بن خليفة الراشد البنعلي “عندما يأتي زائر إلى منطقة الحد يقول القائل (إن شاء الله يأتينا هذا الضيف قبل أن يذهب إلى النوخذة خميس الشروقي حيث لا نستطيع أن نفعل ما يفعله من إكرام للضيف وتقديم كل ما يلزم الضيافة والترحاب).
وهناك العديد من الحكايات التي تروى عنه في إكرامه واحتضانه للضيوف ومحبته للناس، وفي ذلك يقول الوجيه عبدالله بن سعد بن سالم الذي عاصر النوخذة خميس وجلس معه ورافقه في إحدى السفرات يقول “للنوخذة خميس بن جمعة سنبوك اسمه معدي ويستخدمه عند الحرب فهو سنبوك حربي بمعنى أنه مخصص لهذا الدور واشتهر شهرة واسعة”.
وفيما يختص بالسنابيك نذكر بعض ما ورد عن النوخذة خميس والسنابيك التابعة لآل الشروقي وهي 4 سنابيك مخصصة للصيد والحرب وفي التنقل من مكان لآخر.
وفيما يتعلق بالغوص والذهاب إلى المغاصات فإن خميس بن جمعة كان يتبع شقيقه السردال سالم في رحلاته البحرية، وله سنبوك أصغر حجماً وكان يحظى بارتفاع وسرعة وخفة في حركته، وعندما ينتهي موسم الغوص يستخدم السنبوك للسفر إلى بلاد الهند لبيع المحصول البحري، وشراء الرز والدهن وحاجيات البيت الكبير الموجود في منطقة الحد، كما كان يجلب معه من الهند أغراض الغوص التي يستخدمها في الموسم المقبل.
ويقول أحد أبناء المناعي عندما يبحر جده المناعي إلى الهند يلتقي بصاحبه النوخذة خميس، ثم يبحرون معاً إلى بحر السيلان لاستخراج اللؤلؤ أين ما كان، وهذا يدل على معرفتهم الوثيقة والدقيقة بالبحار والمحيطات ولم يكن نشاطهم البحري ينحصر في بحر الخليج العربي بل يتعداه لأبعد من ذلك، وبالفعل كان للنوخذة خميس بن جمعة الشروقي دراية كاملة ببحر الخليج العربي والمحيط الهندي ثم البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وهكذا تكون القيادة البحرية كما وصفها بن ماجد.
كرمه ووفاؤه
الراوي إبراهيم بن رحمة البنعلي يُعدد بعض مناقب النوخذة خميس بن جمعة ويقول عنه “في أواخر أيام الغوص كان للنوخذة خميس بن جمعة زميل وصديق يعمل نوخذة أيضاً في منطقة الحد، تأثر كثيراً لعدم قدرته على مواصلة العمل في الغوص نسبة للأوضاع المالية التي كانت ترافقه في تلك الأيام، ولم يكن هذا النوخذة زميل خميس بن جمعة شخص عادياً بل كان من أسرة و قبيلة كبيرة لها سمعتها وهو وجيه قومه حينها، حيث الديّانة والغاصة والديّون على أبوابه.
وشاءت الأقدار أن يكون موسم الغوص في ذلك العام ضعيفاً، والنوخذة لا يستطيع أن يؤدي دينه ويدفع ما لديه من ديون، وعندما علم خميس بن جمعة بحال صديقه النوخذة من ضعف وسوء حال، أخذ يحمل النقود على حمير واتجه بها لصديقه الذي كان في أمّس الحاجة لمن يمد له يد العون، وكان موقفاً إنسانياً ظل حديث الناس في تلك الفترة لما فيه إيثار على نفسه وأهل بيته.
وقُدرت الأموال التي حملها خميس بن جمعة الشروقي لصديقه حوالي 30 ألف روبية، كانت قمة في العطاء وفي الوفاء للأخوة الصادقة، وفي الحقيقة لم يكن غريباً على آل الشروقي هذا الكرم في أجدادهم وآبائهم وأورثوا أبناءهم وأحفادهم هذا الكرم وهذه السجايا الجميلة التي تنم عن حسن الخلق وحسن المنبت، وورث أبناء الشروقي الكرم والجود والعطاء إلى يومنا هذا ذرية بعضهما من بعض.
والنوخذة خميس بن جمعة الشروقي الرجل الثاني في الأسرة الكريمة، كان يدير الأموال ويحافظ عليها ويُنميها ويخرج منها الزكاة، وكانت صناديق الأموال في دار خميس بن جمعة يبسط البساط عليها، وكانت داره تتزين بحسن العطايا وجميل الصفات، كانت داراً كبيرة والصناديق على طولها وعرضها، وهم ينامون عليها ويجلسون عليها، وكانت هذه الأموال تُوُدع عند النوخذة خميس بن جمعة الذي كان يدير صيانة السنابيك وتصليحها والإنفاق عليها حتى تعيش مدة أطول وفي أحسن حال.
وعن أسرته فإن للنوخذة خميس بن جمعة ذرية كبيرة، فهو أكثر من أنجب من الأبناء، فكان له 7 زوجات واحدة توفيت، وطلق اثنتين وكان في ذمته قبل أن ينتقل إلى رحمة الله 4 زوجات، وخلف أبناء وأساتذة يعلمون الأجيال ثم الأجيال بكرم الآباء والتضحية من أجل وطن مثل البحرين، وفي مرات قادمة نجري حواراً صحافياً مع أحد أحفاد النوخذة خميس بن جمعة، وهو الحفيد أول من أنشأ بنكاً إسلامياً في مجموعة سيتي بنك الأمريكي، وهو الوجيه محمد بن إبراهيم بن جمعة بن خميس الشروقي المدير الإقليمي لأكبر وأشهر البنوك الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
«سمحان» سيد البحر
مازلنا نتلمس الأثر الطيب من سِير أفذاذ آل الشروقي ودورهم في التاريخ الحديث للبحرين، النوخذة سنان بن جمعة بن محمد أحد هؤلاء الأفذاذ صاحب سنبوك سماه “سمحان”، وسمحان من التسامح، وهو يعكس ما في قلبه وروحه من تسامح ومن أريحية، والسنبوك مرتفع كالقلعة في وسط البحر ويكتسب سمحان مهارات بحرية فريدة ومن يراه يعرف مكانة صاحب السنبوك الاجتماعية، فسمحان ومعدي والسيد زعماء البحر وأسياده في موسم الغوص وفي أيام الحرب كذلك.
طويل القامة أحمر الوجه، صاحب لحية كثيفة تدل على تدينه، كريم النفس عطاء غير منقطع، له مجلس يلتقي فيه بالناس والضيوف والزوار ما بين المغرب والعشاء، ومجلس آخر بعد صلاة الفجر مباشرة حتى يومنا هذا لم ينقطع عن التواصل مع الأهل والأصحاب والضيوف والزوار.
تزوج 4 زوجات وأنجب ذرية كبيرة ولكن مشيئة الله عز وجل لم تقدر له أن يعيش كل الأبناء ومن ذريته إلا ولدين فقط وهما عبدالله وأحمد، وأحمد هذا أنجب ولداً واحداً سماه يوسف ثم توفى، وكانت زوجته حامل فسمى ولده بيوسف بن يوسف ولم يتزوج مرة أخرى، وشاءت إرادة الله أن تنقطع ذريته، والولد الثاني هو عبدالله بن سنان الملقب “ولد سنان”.
وفي هذه السانحة نقف قليلاً مع ولد سنان وهو يروي لنا قصة قريبه وتدل على تدين سنان وعن روحه الشفافة حيث يقول “في يوم ما وأنا ذاهب إلى الحظرة ما بين صلاة المغرب والعشاء فإذا برجل غريب (درويش) يقف عند باب الجامع وهو ليس من أهل الديرة يلتفت يمنة ويسرة فسلمت عليه، فرد عليّ السلام، فسألني لمن هذا المجلس؟ فقلت للراشد، فقال مغلق؟، فقلت نعم يفتح للمناسبات”.
فطلب عبدالله بن سنان من الرجل الغريب أن يذهب معه لمجلسه لإكرامه، وبالفعل تم ذلك وفي تلك اللحظة كان المجلس يضم بعض رجالات الفريج، فدعا زوجته لتجهيز الطعام ففعلت، فمكث الضيف بالمجلس وهمّ عبدالله بن سنان للذهاب للحظرة فسأله الدرويش إلى أين أنت ذاهب؟ قال له ذاهب للحظرة فقال الدرويش لعبدالله بن سنان الله معك.
فذهب وهناك وجد الحظرة بها الكثير من السمك لدرجة لا يستطيع ولد سنان حمل كل السمك لوحده فنادى أهل الحي الشرقي من مدينة الحد الذين جاؤوا للحظرة وأخذوا منها نصيبهم، وبعد ذلك ذهب عبدالله بن سنان إلى البيت ودخل على الضيف فوجده يصلي فأحضر له الطعام والشراب وأكلا مع بعضهما البعض وتحادثا في بعض الموضوعات، فعندما انتهى من الطعام سأل الدرويش بن سنان عن ذريته فأجابه بأن الله لم يرزقه ذرية بعد.
فحكى ولد سنان للدرويش قصة وفاة أبنائه كلما بلغ أحدهم سن الخامسة عشر وعددهم 8 من الأبناء.
فسأل الدرويش بن سنان ماذا تتمنى في الحياة؟ فرد عليه بن سنان أتمنى الذرية الصالحة فقال الرجل لابن سنان سترزق بولد بإذن الله تعالى، فعندما تلد الزوجة المولود أطلق عليه اسم محمد وكنيه بإلياس فقال بن سنان للرجل الضيف إن شاء الله سبحانه وتعالى.
فأحضر ولد سنان السجادة للصلاة والفرش للنوم والماء للوضوء، فترك ولد سنان الدرويش يُصلي وأغلق الباب من الخارج، وفي منتصف الليل خرجت وهبت رائحة كريمة في وسط البيت وكانت شيئاً لافتاً، فتتبع ولد سنان مصدر هذه الرائحة فإذا هي تخرج من المجلس، ففتح الباب وإذا بالدرويش يصلي ويتهجد ويدعو الله تعالى، والرائحة تنبعث من المجلس والرائحة زكية ما أحلاها وألطفها، فرد الباب خلفه، وذهب إلى زوجته وأخبرها بأن الرائحة مصدرها المجلس حيث يوجد الرجل الضيف داخلها وهو يصلي ومازالت الرائحة تخرج من المجلس إلى ساحة البيت الكبير، وكان أمراً عجيباً، فانتظر ولد سنان حتى الفجر ليعرف من الرجل الضيف سر هذه الرائحة، والسر الكامن وراء شخصه، فذهب للرجل لكي يصطحبه إلى المسجد لأداء صلاة الصبح، وعندما فتح باب المجلس ونظر في المكان لم يجد الرجل الضيف وتأكد لبن سنان أنه غادر المكان، وكانت السجادة والفراش مطويين في مكانهما.
بعد صلاة الفجر ذهب ولد سنان إلى العالم الجليل الذي عينه الشيخ عيسى بن علي قاضياً وخطيباً لجامع الحد الجنوبي ليقص عليه ما حدث في تلك الليلة العجيبة، فقال العالم الشيخ عبداللطيف بن محمود الذي أخذ العلم من والده العالم الفقيه محمود بن عبدالرحمن الفارسي الشافعي، فقال فضيلة الشيخ عبداللطيف إن هذا الرجل هو أحد أولياء الله الصالحين.
ولادة «إلياس»
بن عبدالله بن سنان الشروقي
وبعد فترة من الزمن أنجبت زوجة عبدالله بن سنان ولداً وأسماه محمد ولقبه بـ«إلياس” تنفيذاً لوصية الشيخ الزائر، وأصبح إلياس معروفاً في مدينة الحد بـ«إلياس” الشروقي، وكان باراً بوالديه مُطيعاً وافياً لهما وكان وجيهاً في قريته الصغيرة، وكان الناس يأتون إليه ليحل بعض مشاكلهم الحياتية والزوجية، كما كان يؤدي واجبه في صلة الرحم القريبة والبعيدة، وظل مجلسة عامراً بأهل الحي تماماً كما كان في السابق مجلس أبوه ولد سنان عبدالله الذي توفي والده وهو صغير لا يتجاوز السنتين وبنته فاطمة التي أطلق عليها خميس الشروقي أم البنين.
ولهذه المرأة الصابرة حجرة كبيرة خصصتها لأيتام المسلمين وسط بيت عمها خميس بن جمعة، وتربى عبدالله بن سنان بين الأيتام وختم القرآن الكريم ثم التحق مع عمه خميس في مهنة الغوص مع أخوته الأيتام وأبناء عمه، وحافظ ولد سنان على تراث أهله الأصيل وعندما تزوج أنجب ابنين هما محمد وسالم ومازال مجلس ولد سنان عند الأحفاد حتى يومنا هذا تغشاهم الرحمة والبركة.
إن منزل عبدالله بن سنان الشروقي يستقبل يومياً العدد الكبير من الضيوف والنساء والأطفال والأيتام وكيف لا وقد وُلد يتيماً وتربى مع الأيتام لذا هو يشعر بمشاعر اليُتم وحاجة الأيتام للعون والعطف، ومجلسه كذلك عامر بالأحباب من كل أبناء البحرين من سنة وشيعة وما زالت تربط بينهم أواصر المودة والمحبة برغم تصاريف القدر، فإن آل الشروقي اجتمعت فيهم روح التدين والوطنية الحقة التي تجمع أبناء البحرين على صعيد واحد من أجل أن تسود هذه الأرض الطيبة الأمن والاستقرار.
علاقة الحد بمصائد الأسماك
ونحن نتحدث عن الشقيقين النواخذة خميس وسنان بن جمعة بن محمد الشروقي وارتباطهما بمنطقة الحد وعلاقتهما بالبحر، لا بد أن نسلط الضوء قليلاً على علاقة المنطقة نفسها “الحد” بالبحر ومصائد الأسماك، وكما هو معروف فإن قرية الحد تقع في أقصى الجنوب الشرقي من جزيرة المحرق، وكلمة الحد تعني اللسان الرملي، وكانت الحد تشتهر بكثرة الينابيع الحلوة في قاع البحر والتي كانت تسمى بالكواكب، حيث نجد في الجنوب الشرقي أم السوالي وقد سميت بذلك لأن السوالي كانت تغسل بمياهها، والسالية وجمعها سوالي هي الشبكة التي تستخدم في الصيد.
وهناك العديد من الينابيع الأخرى الشهيرة على طول ساحل المحرق مثل جزيرة الساية، وإلى الجنوب قليلاً من أم السوالي نجد “القصاصير”، وهي جمع قصار، وتعني الصخرة في البحر التي تبدو كالقلعة في أوقات الجزر العالي، وتناول المؤرخ المشهور ابن ماجد في كتابه عن البحرين وينابيعها، ووصف القصاصير بقوله “أشد ما يدهش في البحرين مكان يسمى القصاصير؛ حيث ترى الرجل يغوص في أعماق البحر المالح ويحمل معه قربة من الجلد وما يلبث أن يعود بها مليئة بالمياه الحلوة من قاع البحر”.
كان كل شيء حول ساحل الحد يؤكد كونها مركزاً للصيد البحري، وتدل واجهة الشاطئ على ذلك الاهتمام بالصيد والصيادين، ومن ذلك نصب الحظورالمنتشرة وبناء ما يسمى بـ«البراحة” على الشاطئ، وهي عبارة عن منصة مستطيلة لها 4 جدران قصيرة، وكان الصيادون يجلسون في الأمسيات للسمر في البراحة الواقعة إلى الشمال قليلاً من حضرة الشروقي، والبراحة تعني المكان الفسيح، وفي مدينة الإحساء هناك ميدان يسمى بالبراحة ما يوحي بالسعة والرحابة في المعنى.
يطل ساحل الحد على جهة الغرب وكذلك تنتشر مصائد السمك على ضفة الساحل الغربي أي جهة الباطن، وهي الجهة التي تقع بعيداً عن تأثير الرياح الشمالية الغربية كما سماها الكاتب دكتسون في مؤلفه، وتسمى محلياً بـ«رياح الشمال”، وفي مقابل جهة الباطن يوجد الظهر والذي يكون عرضة لرياح الشمال المباشرة يقول الباحث إن مصطلح الظهر شُرح له بالعامية بعبارة أنه “مضرب الموج أو مضرب الرياح”، بمعنى المكان الذي يكون في مواجهة الرياح والأمواج. وتهب رياح الشمال على شبه الجزيرة فتغمر حواجز الحظور المرتفعة تمتد قرية الحد على شكل لسان رملي وعلى طول ساحلها نجد البر والذي يكون جزءاً لا يتجزأ من البحر في أوقات المد والذي يسمى السقي، وعندما تنحسر المياه في الجزر تسمى الثبر وهنا يتحول البر إلى أرض رملية مسطحة تنمو فيها “المشعورة”، وهي أعشاب بحرية ليفية متسلقة، وتنمو طحالب “الجن” وهي نسيج ذو لون أخضر زاهي تتغذى عليه الأسماك كما يجمع ويستخدم كطعم لصيد السمك.
الحظائر البحرية
وفي الدراسة القيمة التي ترجمتها بتصرف الباحثة مريم محمد الشروقي والتي نشرت بمجلة “البحرين الثقافية” العدد 25 بتاريخ 1986، تذكر أن موقع الحظرة وتصميمها عادة ما يخضع لتضاريس المكان واتجاه الرياح، تصنع الحظرة من جريد النخل الذي تشتهر به البحرين وهي الخامة الوحيدة المناسبة والمتوفرة محلياً، وتمتد الأذرع الطويلة التي تسمى بـ«المطعم” من الشمال إلى الجنوب ويتم ربطها بحاجز آخر ما يخلق مساحة بينهما تسمى بـ«الحنية”، إن المنحنى المكون من أذرع المد والمطعم يشكل الجزء العلوي من الحنية من الجانب الشرقي ويطلق عليه اسم “والي”، وجمعها “أولية”.
وتشير الباحثة إلى الأجزاء المكونة للحظرة بحسب الاتجاه حيث يقال “والي السافل” أي القسم الشمالي، أما المنطقة التي تربط ذراع المد بقضبان الحنية فتسمى “فجة” أي فكة، وهي مشتقة من الفك
ويقول الباحث الذي نشر الدراسة باللغة الإنجليزية “إن الحاجز الموجود في منطقة الحنية ذكر له باسم “أسرار أول” وأن الغرفة تمثل فخاً يحجز الأسماك تسمى السر، يثبت السر من الخارج في موقعه ويشد بسلسلة أو حبل شداد يسمى (الخية) ويربط في وأتاد تسمى (حواليش) ويدق الحالش في الأرض المسطحة التي تسمى (بالبث) أما في الجزء الداخلي من الحظرة فتمتد حبال عرضية تربط جهتي السر وتسمى بسوار الحظرة” وفي أحد الجانبين من السوار يتدلى (الماعون) وهو بمثابة الخطاف أو السلة التي تجمع فيها الأسماك وعادة ما تجمع الأسماك وعادة ما تجمع الأسماك يدوياً من داخل السر بسلة صغيرة تنسمى “السالية”، وهي أشبه بحقيبة تسوق سلكية متدلية ولها مقابض خشبية على الجانبين، وهي كالمغرفة تملأ بالسمك وتفرغ من الجرات، والجرة إناء من الخوص، وتحمل الآنية المليئة وهي معلقة بسارية عن الأكتاف ويبلغ ارتفاع سور حظرة البزور حوالي 9 أقدام، ويتصل الجارور ببعضه برباط أفقي مصنوع من الجريد يعرف (بالشداد) ومنسوج من الأسفل بـ4 حلقات متوازية من الحبال، إن شكل الزخرفة العنقودية المصنوعة من ليف جوز الهند (القمبر) أعلى السواري القائمة تعرف (بالكذايل) جمع (كذلة) وذلك لوجه الشبه بينها وبين خصل شعر الفتاة البحرينية التي يهدب شعر جبينها.