كتب- طارق مصباح:
أكد عدد من الاختصاصيين التربويين والعاملين في مجال الإدارة المدرسية والمدرسين أن على المعلم أن يكون قدوة صالحة وصادقة لطلابه في دينه وسلوكه وأخلاقه وجميع تصرفاته، وأن يكون مثالاً صادقاً للمواطن الصالح صادقًا مع طلابه في أقواله وأفعاله وعليه أن يكون أول من يطبق ما يأمر به طلابه ويبتعد عما ينهاهم عنه.
وذكروا في لقاء مع “الوطن” أن الواجب الشرعي يحتم على المعلم أن يغرس في نفوس طلابه حب العلم والاستفادة منه في حياتهم اليومية، وهذه الواجبات تتطلب من المعلم أن يطَّلع باستمرار على ما هو جديد في مجال تخصصه، وطرق تدريسه، ويوظف ما يراه مناسباً أثناء تدريسه من مصادر التعلم المتنوعة ووسائل التكنولوجيا الحديثة والتي توفر برامج كثيرة من شأنها توفير وقت وجهد المعلم في توصيل المعلومة وتقريب الصورة في ذهن المتعلم.
بنــاء نهضـة الأمــة
من جانبه قال المدير المساعد الأستاذ راشد بن حسين المريسي إن المعلمين تغنى بهم الشعراء، وتكلم عنهم الأدباء والنقاد، وأضاف: وخير من هؤلاء، رب الأرض والسماء حيث قال جل وعز (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)، فالمعلمون مربو الأجيال وصانعو الرجال بهم تبني هذه الأمة مجدها ويعلو شأنها” لذا يقول الحسن البصري رحمه الله “لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم”.
ومن جانبها أشارت اختصاصية مناهج التربية الإسلامية الأستاذة فوزية أحمد عبدالله الخاجة إلى أن التعليم رسالة وعبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل، مبينة أن التعليم من أهم المهمات وأشرف المهن لأنه مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ومهمة أتباعه، والتعليم وسيلة هامة لعمارة الأرض وعبادة الله، وأكدت أن الإسلام رفع من منزلة المعلمين فجعلهم ورثة الأنبياء كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الأنبياء)، وقالت إن هذا الحديث يشعر المعلمين بالرضا عن عملهم وبالتالي بالراحة النفسية.
وفي ذات الشأن قال الشيخ عبد الله الحسيني إن “المعلم يقف مقام المعلم الأول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هداية الخلق إلى الحق، ومهما نطق اللسان وسطر البيان، فإنه يقف عاجزاً أن يوفي المعلم قدره، وينصفه حقه، ويكفيه شرفاً ثناءُ ربّه ومدحُ نبيّه، قال عليه السلام: (إنَّ الله وملائكته وأهلَ السموات وأهل الأرض حتى النملةَ في جُحرها ليصلّون على معلِّم الناس الخير) يا له من فضل عظيم، لا ينتظر بعده المعلم من أحد جزاء ولا شُكورا.
ومع عظم التشريف يعظُم التكليف، فقد ائتمنت الأمةُ المعلمَ على أعز ثروة تملكها، ألا وهي عقول ووجدان فلذات أكبادها، وتبرز عِظم مسؤولية المعلم التربوية والتعليمية من خلال الاستثمار الأمثل لهذه الثروة بما يخدم أهداف الأمة وطموحاتها المستقبلية”.
القدوة في العبادة والسلوك
وحول مناحي هذه “القدوة” ذكر الشيخ عبد الله الحسيني أن القدوة الحسنة من قبل المدرس للطلاب تكون في جانب العبادة والتعامل والسلوك، وقال أنه لا بد أن يتفق مقال المعلم مع حاله، وأن يكون مثالاً للمواطن الصالح الصادق في جميع المواقف، لأن المعلم يساهم بدرجة كبيرة في صقل شخصية الطلاب، مؤكداً أن التناقض بين القول والعمل والظاهر والباطن وازدواجية التوجيه يؤدي إلى “اهتزاز الثقة بالمعلم والعملية التعليمية والتربوية”، وهذا من أكبر مشاكل الجيل المعاصر.
وفي ذات السياق قالت اختصاصية مناهج التربية الإسلامية الاستاذة فوزية أحمد عبدالله الخاجة إنه “يجب أن يكون المعلم قدوة حسنة لطلابه بأقواله وأفعاله وفي مظهره وأخلاقه، فعندما يخلص في عمله يتعلمون منه الإخلاص، وعندما يصدق في كلامه يتعلمون منه الصدق، وأن يتجنب الألفاظ النابية والتي لا تليق بمعلم أن يتفوه بها، وأن يكون لهم بمنزلة الوالد مع أولاده، يرحب بهم إذا لقيهم، وإذا غاب أحد طلبته سأل عنه وعن أحواله، نصوحا لهم”.
وبذلك فإن الخاجة تخلص إلى أن الغرض من التربية والتعليم ليس مجرد حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات بل الغرض تهذيب الأخلاق مع العناية بالصحة البدنية والعقلية والوجدانية وإعداد المتعلم للحياة الاجتماعية.
تفقد أحوالهم ورحمتهم
وفي بيان أوسع ذكرت اختصاصية مناهج التربية الإسلامية الأستاذة فوزية أحمد عبدالله الخاجة أن على المعلم أن يدرك أنه معلم الناس كل الناس مهما اختلفت أجناسهم ومعتقداتهم، لغته لغة واحدة وهي لغة العلم والتعاون والبناء. وذكرت الخاجة أحد الأسس النافعة في التعليم والتربية وهي تشجيع من أصاب وأحسن والثناء عليه ليزداد نشاطاً في الخير وإقبالاً على العلم والعمل.
وقالت إن المتعلمين يتميزون بحساسية شديدة تجاه عدالة معلميهم، وقد يؤثر ذلك على تحصيلهم العلمي في المادة بمجرد شعورهم بتحيزه وعدم عدالته ومحاباته لمتعلم على حساب آخر. فالطلاب في أي فصل دراسي إنما هم رعية والمسؤول الأول عنهم هو المعلم عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).
أما اختصاصي أول إشراف تربية إسلامية الأستاذة فهيمة عبدالله حاجي فتناولت الموضوع من الجانب العاطفي ذي البعد الإصلاحي مشيرة إلى أن المعلم ينبغي عليه كسب قلوب طلابه بهدف التأثير فيهم قبل فرض الشخصية والهيبة، وذكرت مجموعة من الأساليب في ذلك وهي: مناداتهم بأحب أسمائهم والابتعاد عن الألقاب التي فيها سخرية والاستهزاء بهم، العدل بينهم في الكلمة والنظر والتشجيع والتعزيز، التجاوز عن الخطأ ممن ليس من عادته تعمد الخطأ، وتفقدهم في حال الغياب بالسؤال عنهم، والمساهمة في حل مشاكلهم وهمومهم، وأن يكون الهدف الأسمى للمعلم إعداد الطلاب للحياة لا لمجرد الامتحانات وتحقيق النجاح.
وأكدت حاجي أن هذه المجموعة من المبادئ ينبغي أن يضعها المعلم نصب عينيه أثناء قيامه بدوره التربوي، واستشهدت بقول الله سبحانه وتعالى في الآية 159 في آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، وقوله تعالى في الاية 4 في سورة القلم (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). كما ذكرت مجموعة من الوصايا النبوية ذات الصلة الوطيدة بالتعامل الإنساني الراقي، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، وحديث (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)، وحديث (من يحرم الرفق يحرم الخير كله).
احتساب الأجر والمثوبة
وصايا أخيرة للمعلمين ذكرها الضيوف الأفاضل في هذا اللقاء، بدأها المدير المساعد الاستاذ راشد بن حسين المريسي قائلاً “إن التعليم أمانة عظيمة وقد أمر الله جل وعز بأداء الأمانة وعدم تضييعها أو التفريط فيها، فيا أيها المعلم النبيل والمربي الفاضل.. الطلاب أمانة في عنقك فاحرص على تربيتهم بتغذية أرواحهم قبل عقولهم، لا تبخل عليهم بما حباك الله من العلم، اعلم أنك تصنع منهم رجالاً وقادة فاغرس فيهم قيماً وسلوكا.. وعلماً وخلقا.. كن قدوة لهم في سلوكك وأخلاقك وفي لباسك وحركاتك وسكناتك.. فالطالب يتعلم بالقدوة أكثر مما يتعلم بالمشافهة”.
أما الشيخ عبد الله الحسيني فقال “إن هذه المسؤولية تتجدد مع تجدد العام الدراسي التي تدفع المعلم المربي إلى أن يراقب الله تمام المراقبة في جميع شؤونه وأعماله ومهامه التي يقوم بها، ويسعى جاهداً لتحقيق الغايات التربوية والتعليمية النبيلة والتي تبدأ بتعظيم أمر الله في نفوس الطلاب، وزرع القيم والمبادئ والاتجاهات والميول الإيجابية الفاضلة، مثل الإخلاص، ومراقبة الله في سائر الأعمال، والاستقامة، والصبر، والأمانة، والصدق، والثقة بالنفس، وتحمل المسؤولية، والتعاون، والاحترام المتبادل، وتقبل الآراء، والنظام وغيرها حتى يخلصوا ويتكاتفوا ويتفانوا في خدمة دينهم ووطنهم وأمتهم.
بينما شددت اختصاصي أول أشراف تربية إسلامية الاستاذة فهيمة عبدالله حاجي على أن من واجبات المعلم أن يكون متمكناً في مادته العلمية الموكّل بتدريسها لأنها أمانة ويجب عليها أن يؤديها على أتم وجه، وأن يكون ملماً بالأحكام الشرعية والأمور الأساسية التي يجب على المسلم أن يعرفها فضلاً عن المعلم الذي يقتدى به، لأنه محل ثقة، وله احترام وتقدير لدى الطلاب، مما يدفعهم لسؤاله فإن أخطأ سقط من أعينهم أو أخذوا منه حكماً باطلاً.
أما اختصاصية مناهج التربية الإسلامية الأستاذة فوزية أحمد عبدالله الخاجة فذكرت أن على المعلم أن يستشعر أن عمله عبادة وبذلك تهون عليه الصعاب والمشاكل التي يلاقيها في التدريس فيؤدي ذلك إلى حبه لعمله واستمتاعه به والإتقان فيه فيطير شوقاً إلى غرفة الصف ابتغاءً للأجر والثواب. وأما إذا لم يدرك أن عمله عبادة فإنه يتباطأ ويتثاقل عن القيام بعمله.
إليك يا معلم الناس الخير
ختاماً، فإن مدلول العلم كما يقول ابن خلدون “يشمل كل ما هو نافع ومفيد للمسلمين في شؤون دينهم ودنياهم”، ويقول الغزالي: “من اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمراً عظيماً وخطراً جسيماً”. لنعلم مقدار هذه المهمة التي تؤديها أيها المعلم نذكرك بحديث المصطفى صلى آلهم عليه وسلم: “إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير”.