كتبت – شيخة العسم: من شأن التكافل الاجتماعي؛ أن يمنح الجميع فرصة لحياة جديدة، وعلى رأسهم؛ ضحايا الاعتداء الجنسي من ذكر وأنثى. غير أن الواقع يؤكد أن نظرة المجتمع للضحية لاتزال قاصرة، خصوصاً بالنسبة للفتاة، التي تعاني عدم احترامها لنفسها، وكرهها للناس، وانغلاقها، وخوفها من المستقبل. ذلك ما يؤكده الأخصائيون، الذين يدعون إلى تغيير النظرة القاسية والمؤلمة تجاه الضحية، وتأهيلها مع أسرتها كافة، وإجراء دراسات علمية نفسية وعدم الاكتفاء بقوانين غير منصفة، مؤكدين حاجة الضحية إلى جلسات مع أخصائيين لتتخطى أزمتها. إعادة بنـاء شخصيـة المعتـدى عليـه من جانبه يؤكد رئيس قسم علم النفس بجامعة البحرين د. شمسان المناعي؛ صعوبة إعادة بناء شخصية المعتدي عليها، نظراً لفداحة آثار الاعتداء. ويشير إلى أن آثار جريمة الاغتصاب كثيرة؛ تأتي في مقدمتها الآثار النفسية خصوصاً على الضحية “الفتاة” التي قد تتعرض لهذا الاعتداء من قبل المجني. وبطبيعة الحال تكون هذه الآثار جسيمة وعميقة، حيث يتولد لديها الشعور بكراهية الآخرين والمجتمع؛ الذي لم يوفر لها الأمن والأمان. ويصبح أيضاً لديها نوع من الانغلاق والانطواء والعزلة على نفسها، كما يتولد لديها اتجاه عدائي ضد المجتمع والآخرين. مما قد تهدم علاقاتها الاجتماعية ولا تشارك في المناسبات الاجتماعية والإنسانية سواء في الفرح أو الحزن، وتبقى بعيدة عن العالم الخارجي، ولا تميل إلى تكوين علاقات جديدة في حياتها، ودائماً ما تفكر فيما حدث، مع الشعور بالذنب والدونية مع الذات، ومقارنة نفسها (المعتدي عليها) بالأخريات من الفتيات. ويقل احترامها لذاتها، رغم أن ما حدث ليس بسببها، إلا أن ذلك يولد لديها الإحساس بكراهية الحياة والانتحار في بعض الحالات وتعرض نفسها للخطر، بذلك تصبح في حالة غير مستقرة. الآثار تبقى حاضرة ويلفت د. المناعي إلى بقاء هذه الأضرار؛ على المدى الطويل خصوصاً في مجتمعاتنا التي تتعرض فيها الفتاة إلى نظرة دونية قاسية، تراها ليس لها كينونة أنثوية، ما يولد لديها إحساساً بالدونية لمدة طويلة من الزمان، ويتزايد لديها الشعور بالألم، خصوصاً وأن مجتمعاتنا لا تتهاون في مثل هذه الحالات والظروف، وهو ما قد يجعل الفتاة في حيرة دائمة وقلق وتوتر وخوف من المستقبل، وتدور في ذهنها عدة تساؤلات وحيرة من أمرها في المستقبل كفتاة وزوجة، إذ كيف لها أن تتزوج من الرجل الذي يرغب بها، بعد ما تعرضت له، في ظل العادات والتقاليد المجتمعية. نظرة يجب تغييرها ويشدد د. المناعي على ضرورة تغيير النظرة القاسية والمؤلمة تجاه الضحية، خصوصاً الفتاة، وإعادة تأهيلها لتكون جزءاً من المجتمع، لافتاً إلى أهمية أن لا تقتصر عملية التأهيل على الضحية بل تشمل الأسرة أيضاً، خصوصاً وأن هذه الجرائم، رغم أنها ليست في ازدياد، لكنها ليست في تراجع، ووسائل وسبل حدوثها متوفرة في كل مكان وزمان. وضع حلول جذرية للضحية من جهتها تطالب الباحثة الاجتماعية هدى المحمود؛ بإيجاد حلول جذرية لمساعدة الضحية وواقعها الصعب، ووضع دراسات علمية نفسية لحل هذه الظاهرة، وعدم الاكتفاء بقوانين غير منصفة، مشيرة إلى أن اكتفاء القضاء بسجن المعتدي لمدة ثلاث سنين مثلاً، أو زواجهما تعد حلولاً غير مجدية وظالمة بحق الضحية، ودمار أسرة بكاملها يستحق أكثر من ذلك، كما إن زواج الطرفين سيكون بكل تأكيد شكلي وظاهري فقط، ولن تكون هناك مشاعر حقيقية أو طبيعية بين الطرفين. وتؤكد المحمود أن هذه الظاهرة موجودة وهي مخيفة جداً، وقضية حساسة جداً في المجتمع البحريني المحافظ، لافتة إلى أن المشكلة تنصب في الأساس في لوم الضحية على وقوع هذه الجريمة، وفي إحساس المجتمع بأنها مذنبة، رغم أنه ليس بيدها ذلك، وإنما هو قدرها وجريمة ارتكبت بحقها. وتبين المحمود أن الاعتداء يتسبب بأضرار نفسية على الفتاة، حيث ستكون منبوذة ووصمة عار على أسرتها، ما يسبب لها آثار نفسية حقيقية ومشاعر متضاربة وخوف من المستقبل والمجتمع نفسه. وتلفت المحمود إلى أهمية أن تهيأ جلسات للضحية بعد وقوع الجريمة، مع أخصائيين نفسيين واجتماعيين وقانونيين، لكي تتخطى هذه الأزمة، وتسترد ولو القليل من الثقة التي فقدتها ممن حولها. كما يجب على الأخصائيين؛ البحث عن أساس المشكلة من الدوافع. وتشير بشأن أسرة الضحية إلى أن حالهم حال ابنتهم في الصدمة، ونظرة المجتمع القاسية لهم، كما إن وصمة العار ستلاحق هذه الأسرة وأفرادها. وهنا يأتي دور المجتمع بأن يكون مجتمعاً مثقفاً واعياً بأن ما حدث لهذه الفتاه هو أمر خارج عن إرادتها وأنها ضحية. وتوضح المحمود أن الشباب يختلفون بشأن الاقتران بالضحية، كل بحسب فكره ورأيه الشخصي وتصوره للقضية وأبعادها ومسبباتها، فمنهم من يتعاطف مع الضحية، ومنهم من يتحفظ. عقوبات الاعتداء تصـــــل إلـــى الإعــــدام من ناحيته يشير الباحث القانوني خليل سـوار؛ إلى تشديد العقوبات من قبل كافة التشريعات الجنائية بحق مرتكب جرائم الاعتداء على العرض من الجرائم الموجهة ضد الكرامة المتأصلة بالإنسان والتي تمثل الاعتداء على حريته وحقه في صيانة شرفه وعرضه من وقوع أي تعد أو مساس به. بحيث تصل في بعض صورها بالإعدام، لما لهذه الجرائم من وقع شديد الأثر على نفسية وسمعة وشرف المجني عليها أو المجني عليه في جرائم هتك العرض والتي تمثل وصمة عار لها أو له في نظر المجتمع. ويطالب سوار المجتمع؛ بالوقوف إلى جانب المجني عليها أو المجني عليه؛ لمساعدته على زوال آثار الفعل الإجرامي من ذاكرته ونفسه، مشيراً إلى أنه رغم صعوبة ذلك، نظراً لكون هذا الأمر يترك جرحاً عميقاَ في نفس وشخصية الإنسان، إلا أن التكافل والتضامن الاجتماعي تجاه المجني عليها أو عليه إذا كان ذكراً في جرائم هتك العرض، يخفف عليه أمر الاستمرار في الحياة بصفة جماعية مع الناس، وتحديداً إذا علمنا أنها كانت مجرد ضحية وقعت بين أيدي رجل آثم قلبه مسود ضميره فاستباح حرمتها. لذلك فإن مساعدة المجني عليهم والحالة هذه تكون هي الواجبة. وبين سوار أن الاغتصاب هو الاتصال الجنسي بامرأة دون رضاها أو دون مساهمة منها أو رغم إرادتها، وقد عرفه قانون العقوبات البحريني أن من واقع أنثى بدون رضاها يعاقب بالسجن المؤبد، وإذا كان الفاعل من أصول المجنى عليها أو المتوليين رعايتها؛ تكون العقوبة مشددة وعلة تجريم الاغتصاب، لا لأنه يعتبر من أشد جرائم الاعتداء على العرض؛ بل لأنه يخلف نتائج وخيمة على الأنثى؛ فهي جريمة تتم كرهاً عنها فتهدر أدميتها وتخدش حياءها، كما تؤدي إلى المساس بشرفها وعفافها، وتجعلها منبوذة في مجتمعها فاقدة فرص الزواج، كما يؤدي إلى المساس باستقرار الأسرة إذا كان المجنى عليها متزوجة. حالات من الاعتداء «اتصل المتهم ببيت المجني عليها عن طريق الخطأ، وردت على الهاتف وكان يسأل عن أحد الأشخاص فتبين له أنه بطريق الخطأ وعاود الاتصال مرة أخرى فردت عليه الخادمة وسألها عن العنوان فتجاوبت معه على اعتبار أنه أحد معارف صاحب المنزل، فسألها عن وجود أي أحد في المنزل فردت أنه ليس هناك سواها وأن الزوج والزوجة والأبناء في الخارج ويعودون في وقت متأخر من الليل، فحضر إلى العنوان وطرق الباب وفتحت الخادمة، وما كان من المتهم إلا أن دخل المنزل وقام بالاعتداء عليها وهي امرأة تجاوزت الواحد والعشرين سنة، وسبب لها الإصابات الموصوفة في تقرير المعمل الجنائي والطبيب الشرعي، وتبين من خلال الكشف عليها أنها بكر ولم يتم فض بكارتها. وتداولت القضية في المحاكم وتم الحكم على المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات”. «اعتدى المتهم على عرض المجني عليها وذلك أثناء قيام المجني عليها بطلب العشاء من أحد المطاعم التي توصل الأطعمة للمنازل، فحضر المتهم جالباً معه الطعام الذي طلبته المجني عليها من أحد المطاعم المعروفة، وعند قيامها بفتح الباب تبين أن الكهرباء قد انقطعت، فطلبت من المتهم أن يقوم بفتح الكهرباء من اللوحة المخصصة للتشغيل، حيث إن المجني عليها لا تطالها لارتفاعها عن الأرض حوالي المترين، ودخل المتهم للمنزل وقام بفحص صندوق الكهرباء وتبين أن القطع من المصدر الرئيسي وليس لخلل في كهرباء المنزل، وأثناء قيام المتهم بالخروج من المنزل قام المتهم بالاعتداء على المجني عليها وتسبب لها بالإصابات الموصوفة بالتقرير الجنائي الصادر من قبل الطبيب الشرعي، وتمكن بذلك المتهم من مواقعة المجني عليها. وبعد خروجه من المنزل قامت بإبلاغ الشرطة التي حضرت وباشرت الإجراءات المتبعة وتم القبض عليه وإحالته للنيابة العامة وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات”.