كتبت - شيخة العسم:إنَّ الحاجة للمودة والرحمة فطرة جُبل الإنسان عليها، جعلها الله تعالى أساساً للعلاقة الزوجية. وعندما يفتقر الإنسان لهذه العاطفة، يُصاب بفراغ عاطفي، وهي حالة لا تتعلق بالمتزوجين فحسب، بل بكل إنسان وفي جميع المراحل العمرية، فحتى الأطفال يعانون من الفراغ العاطفي، وكذلك الشباب.ذلك ما تؤكده المدربة والأخصائية النفسية تهاني توفيق، لافتة الى أهمية التفريق بين الفراغ العاطفي، الذي يعانيه الشباب، وآخر يعاني منه المتزوجون. تقول توفيق: عندما نتحدث عن الشباب، نجد أنَّ وجود الفراغ العاطفي لديهم، يؤدي إلى عيش المراهق أو الشاب في أحلام اليقظة، مما يجعله يرغب في عيش حياة رومانسية، ويقوم بالتالي بالبحث عن الطرف الآخر، الذي يملأ عاطفته ويغمره بالحب والحنان، وهذا أمر يزداد عند المرحلة الأخيرة من سن المراهقة، أي بين الثامنة عشرة والواحد والعشرين. نتيجة أسباب منها: عدم وجود حضن أسري دافئ يكفيه أو يشبع عاطفته، كذلك مشاهدته الأفلام الرومنسية والمسلسلات، والاستماع لأغاني عاطفية، ووجود صحبة غير صالحة. وهذه أمور تخلق عند الشاب شعور بالنقص، فيبحث عن من يشبع عاطفته. وبالنسبة للأزواج فإنَّ هناك حالات كثيرة لمتزوجين يفترض أنْ تكون عواطفهم مشبعة بسبب وجود الطرف الآخر، إلا أنَّ وجود فجوة كبيرة بين الزوجين، نتيجة عدم الاهتمام المتبادل يؤدي إلى هذا الفراغ.وتتابع: يؤدي الفراغ العاطفي للشباب إلى الإستغراق في أحلام اليقظة والاكتئاب والانحراف ووجود أزمة هوية، وبالتالي سيؤثر على المجتمع، فالشباب هم الطاقة المنتجة، والانحراف يؤدي إلى علاقات غير مشروعة، تتسبب بأمراض تتفشى في المجتمع، أما على الأزواج فيؤدي الفراغ العاطفي إلى خيانات زوجية أو الطلاق، ينتج أبناء مشردين مشتتين في المجتمع. وتشير توفيق لعلاج ذلك إلى ضرورة ابتعاد الشباب عن الأفلام والأغاني العاطفية وأصدقاء السوء، والتوجه لممارسة الأنشطة الراضية. وبالنسبة للزوجين فإنَّ عليهما تفادي الفجوة بالتحاور واحتواء كل طرف للآخر، ومحاولة فهم احتياجاته. وعلى الأبوين احتواء الأسرة بالحب والحنان، وخلق جو عاطفي بينهما وبين أبنائهما لتفادي نشوء مثل هذه الحالات.من جانبها تؤكد الأخصائية الاجتماعية فخرية السيد شبر، أنَّ الأسرة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، تعاني من الفراغ العاطفي. وهو أمر يشكِّل أزمة أسرية واجتماعية، حادة من أسوأ آثارها أنها توفر للفرد استعداد للانحراف. وتبين شبر أنَّ الفراغ العاطفي لا يرتبط بسن معين، فقد يصيب المراهقين، كما يصيب كبار السن وكذلك الطفل، مشيرة إلى وجود عديد من العوامل المسببة للفراغ العاطفي، حيث تلعب الأسرة الدور الأساس في الاحتواء العاطفي لأبنائها، فعندما يكون الوالدان مشغولان بالعمل، ربما لا يجدون الوقت لملاطفة أبنائهم، وعندما يكون عدد الأبناء كبير، يقل الاهتمام بهم أو عندما يكون أبوهم متزوج بأكثر من زوجة، لا يجد الوقت الكافي للاهتمام بأبنائه.وتضيف شبر: إنَّ من شأن الزوجة التي تشعر بإهمال زوجها واضطراب العلاقة الزوجية بينهما، وتعرضها للعنف من قبله، أو التربية الجافة التي نشأت عليها، أنْ لا تكون قادرة على منح الحنان والحب لزوجها وأبنائها. كما إنَّ انعدام الحوار مع الأبناء وعدم احترام مشاعرهم وعدم فهم المراحل العمرية، التي يمرون بها من النواحي النفسية والاجتماعية والعقلية والعاطفية، يتسبب لهم بالشعور بالفراغ العاطفي. كما يُعد الخجل من ممارسة العاطفة مع الزوج أو الأبناء أحد الأسباب، فإنَّ هناك من الرجال من يعتقد أنَّ شخصيته ورجولته تمنعانه من أنْ يقدم الحنان والعاطفة والحب لزوجته. هذا دون إغفال دور المجتمع الذي خلط بين كثير من المفاهيم، كالعيب والعادات والتقاليد والدين، فأصبح إظهار الحب والعاطفة بين الأم وابنتها أو الأخ وأخته عيباً أو حراماً. وتؤكد شبر أنَّ للحرمان والفراغ العاطفي، أثر كبير على الأبناء والزوجة، ربما يكون على شكل انطواء وانعزال وكره للذات، يدفعها للهروب للتخلص مما تعانية، أو كره التواصل مع الناس، والانحراف بحثاً عن حب خارج، وكذلك الزوج حين يبحث عن عاطفة تحتويه بعلاقات مع أخريات. وتوضح أنه يمكن إشباع الفراغ العاطفي ولو بالقليل، عندما نشعر الطرف الآخر بأنه محل ثقتنا وتقديرنا، فنفهم طبيعة كل مرحلة عمرية، كأنْ ننصت للأطفال حين يتحدثون عن مشكلاتهم، ونثني عليهم ونعزز فيهم الإحساس بالانجاز، ونساعدهم على ملء فراغهم، وزرع الوازع الديني وروح الإيمان والتقرب إلى الله والخوف من ارتكاب الآثام أو التفكير في الانحراف. كما يجب المحافظة على التواصل وتقوية الأواصر الأسرية، لنشهد أخيراً استقراراً عاطفياً لكل أفراد الأسرة. محيط البيئة يؤثر على الشباب:من ناحيته يشدّد إمام مسجد صفية كانوا الشيخ عبدالناصر عبدالله الدرزي، على تأثير البيئة الأسرية في إحساس الشباب بالفراغ العاطفي، مشيراً إلى وجود كثير من الأمور البسيطة يمكن أنْ تعالج هذه القضية، لو أنها تفشّت في الأسرة، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وقوله عليه السلام (الكلمة الطيبة صدقة).ويضيف الدرزي: هناك في مجتمعنا رفض أو تحفظ على كلمة أحبك بين أفراد الأسرة، وإحدى المشاكل التي عرضت علي، مشكلة فتاة حادثت شاباً عن طريق الإنترنت “الجات” وعندما ناقشتها في الموضوع، اكتشفت أنَّ لديها أشقاء صبية، لا يهتمون بها ودائماً ما يتشاجرون معها، وهذا ما أدى إلى الاستعانه بطرف آخر خارج منزلها يغطي هذه العاطفة. كما إن البنت شاعرة جيدة ولم تجد من يسمعها ويثني عليها، فكان هذا الشاب هو البديل عن أشقائها. أنا لا أقول أنَّ تصرفها صحيح، لكن لابد من اكتشاف الخطأ الذي يؤدي لمثل هذه الإنحرافات لدى الشباب. فعندما يسمع الشاب أو الشابه الكلمات المهينة والقاسية والمحبطة في منزله ومن والديه، يبحث عن كلمات معاكسة خارج المنزل. وأنصح الوالدين باحتواء أبنائهما، كما قال عليه السلام: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).ويبيّن الدرزي أنَّ المودة والرحمة، كلمتان وردتا في كتاب الله العزيز في الآية 21 من سورة الروم، تعتبران بديلتان لكلمة الحب المتداولة. وتفسير الآية أنَّ هناك طرف يجلب السكينة للطرف الآخر، مع الحثِّ على المودة والرحمة نظراً لتواجد العاطفة، ما يؤدي إلى الاستقرار والسكينة بين الزوجين. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان عليه الصلاة السلام، يتعامل مع زوجاته بلطف وحنان، ولم تكن علاقتة جافة، فقد كان يسابق أمنا عائشة رضي الله عنها في السفر ويتركها تلعب وسواها مــن زوجاتـــه.