أكد الكاتب فادي شامية أن “حزب الله” رسب في امتحان الصدقية، عندما انتقل من دعم الشعوب المظلومة إلى دعم النظام الظالم، مبيّناً أنه مهما تكن مبرراته فإن لهذا السقوط الأخلاقي آثاراً هائلة عليه. وقال شامية، في مقال بصحيفة “المستقبل اللبنانية” مؤخراً، “قد لا يعترف الحزب بما فعل به “امتحان” الثورة السورية، وقد لا يرى جمهوره الدمار الهائل في الصورة الذهنية للحزب في الخارج، غير أنه ليس مهماً ما يقوله الحزب عن نفسه، أو ما يعتبره الجمهور صواباً، وإنما المهم هو التداعيات والوقائع الماثلة للعيان. قد لا يبالي الحزب بمواقف الأنظمة منه -مع أنه خسر في هذا المجال دولاً حليفة أيضاً- لكنه بالتأكيد يهتم بنظرة الشعوب إليه، لاعتبارات لها علاقة بمشروعه. وأضاف “وفي هذا المجال يمكن رصد الخسائر الآتية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الخسائر محققة لا متوقعة، ولا علاقة لها بمآل الثورة السورية، لجهة الانتصار أو الفشل”. وقال إنه حدث تغير هائل في موقف الشعب السوري من “حزب الله”؛ فقبل الثورة كان الحزب -حتى لدى معارضي النظام المقموعين- يمثل شعلة للمقاومة، ولو تحالف مع نظام جائر، باعتبار الضرورة، شأنه في ذلك شأن المقاومة الفلسطينية، أما اليوم فأقل ما يقال عن الحزب لدى الشعب الثائر في سوريا إنه خصم، وكثير من المعارضين يتخذونه عدواً، وينشدون الانتقام منه، بعدما تورّط في دمهم!، فيما حرقُ أعلام الحزب أو صور أمينه العام أو الهتاف ضده باتت من يوميات الثورة!. هذه ليست مجرد خسارة شعبية لـ«حزب الله”، وإنما كارثة، باعتبار تبدُّل موقف غالبية شعب إلى نقيضه، وباعتبار أن الثورة حينما تنتصر فإنها ستنقل سوريا من دعم الحزب إلى مواجهته.. وغني عن التبيان ماذا تعني سوريا لـ«حزب الله”!. انهيار صورة الحزب وأشار فادي شامية إلى أن غالبية الشارع الفلسطيني انتقلت من التأييد شبه المطلق لـ«حزب الله” إلى التنديد به -ويسري الأمر نفسه على الشارع الأردني- وهذا أمر ليس عادياً، بالنظر إلى أن الحزب “يتبنى” القضية الفلسطينية، ويرفع شعار الزحف نحو القدس، إذ ليس من السهل أبداً أن يُرفع علم الاستقلال السوري في أكبر حشد تنظمه “حماس” في غزة في ذكرى انطلاقتها، وليس عادياً أبداً أن يقف خطيب في غزة فيشتم بشار الأسد وحسن نصر الله فيكبّر وراءه المصلون. وليس مألوفاً أيضاً أن يتظاهر الفلسطينيون في غزة أو عمان أو في مخيم اليرموك في سوريا ضد الأسد وحلفائه، مرات عدة، أو أن يتحول الفلسطينيون في الشتات إلى داعمين للثورة السورية بالمطلق، وأن ينخرط قياديون في “حماس” أو أبناؤهم في التحركات المناصرة للثورة السورية، فيما الحزب يعتبرها مؤامرة كونية على سوريا وعليه!. وأضاف “حصل انهيار كبير في صورة الحزب لدى شعوب عربية؛ لطالما تحدث الحزب باسمها، وناصرها في ثورتها على النظام الجائر، وكان في حساب الحزب أنه كسب ساحات جديدة، بسقوط الأنظمة التي أطاحت بها الثورة، فإذا بهذه الشعوب -وتالياً القوى التي انتخبها الناس وصارت في الحكم- تصبح هي الساحات الأكثر تنديداً بالحزب؛ فتونس أصبحت شعبياً ورسمياً مع الثورة السورية وضد نظام الأسد وحلفائه؛ في ميادينها تُنظّم التظاهرات، وفي فنادقها تُقام المؤتمرات، وهي من أوائل البلدان التي طردت سفير النظام السوري لديها. مصر صارت موئلاً لمعارضي بشار الأسد و«حزب الله”، أما القوى التي اختارها الشعب لتمثيله، فقد باتت على طرفي نقيض مع الحزب؛ السلفيون سابقاً وراهناً، و«الأخوان” راهناً، بل وصل الأمر إلى حد الهتاف بالأزهر ضد “حزب الله”، بعد أن كان يحدث العكس!. في ليبيا يكاد الثوار والحكام الجدد هناك يحرّمون اقتران لفظ الجلالة بالحزب، وقد سلموا السفارة السورية عندهم لـ«المجلس الوطني السوري”، وأعلنوا -رغم أوضاعهم الصعبة- عن مائة مليون دولار مساعدة لمعارضي النظام السوري!. أما في اليمن فالمسألة محسومة؛ “الثورة في يمننا هي نفسها الثورة في شامنا، وأعداؤهما أعداؤنا”... كما ظهرت مواقف سلبية لدى الشعوب والأنظمة التي حدثت فيها تغيرات أشبه بثورة سلمية كالمغرب أيضاً. هذه كلها ليست خسائر شعبية عادية، وإنما استثنائية، بالنظر إلى مواقف هذه الشعوب في السابق من “حزب الله” ما قبل الثورة السورية!”. حرق أعلم الحزب بالبحرين وقال إن مواقف الشعوب الخليجية ازدادت سوءاً من “حزب الله”، -بما فيها قطر التي اعتبرها الحزب في السابق حليفته- ووصل الأمر في البحرين -التي يناصر الحزب شيعتها بشراسة- إلى حد إحراق أعلام الحزب، وحظيت فضائيات في السعودية والكويت بجمهور هائل بسبب عدائها المعلن للحزب، وينسحب الأمر نفسه على سُنّة العراق... وهؤلاء جميعاً يتحسسون من إيران و«حزب الله” أصلاً، فكيف والحال أن مرجعيات إيرانية كبرى اضطرت إلى خلع القفازات في مقاربتها للشأن السوري، لدرجة أن آية الله أحمد جنتي، المقرب من الرئيس أحمدي نجاد، دعا في خطبة الجمعة (24/2/2012) بجامعة طهران: “الشيعة العرب للدخول إلى سوريا، والجهاد إلى جوار النظام السوري، حتى لا تقع سوريا بأيدي أعداء آل البيت”؟!. وقال فادي شامية إنه ظهر تبدل واضح في نظرة الشعوب الإسلامية إلى “حزب الله” وإيران، بعد موجات من التقارب على الصعيدين الشعبي والرسمي، ويكفي للدلالة على هذا التبدل أخذ تركيا كمثال، ففي هذا البلد المؤثر تُنظم حالياً تظاهرات تركية وسورية للتنديد بالأسد وحلفائه، وفيها يدعو أئمة المساجد على “الظالم بشار”، وفوق ترابها يقيم النازحون، ويأتمر المعارضون، ويخطط المنشقون... ونائب رئيس حكومتها بولند أرينج يتساءل: “هل أن إيران جديرة فعلاً بحمل اسم الإسلام؟!”. وللتذكير؛ فإن تركيا هي الدولة التي اعتبرها منظرو الحزب جزءاً من محور الممانعة قبل نحو سنة من الآن!. وأضاف “انتقل النقاش حول مبدئية مواقف “حزب الله” وأخلاقيتها إلى الشارع الشيعي نفسه في لبنان، للمرة الأولى بهذا الشكل. بعضُ الاعتراض هو رفض لمناصرة الظالم خلافاً لأدبيات التراث الشيعي، وبعضه الآخر هو رفض لعزل الشيعة في لبنان عن محيطهم العربي والإسلامي. وقد تمظهر هذا الحراك الشيعي في خروج الشيخ صبحي الطفيلي عن صمته، وردِّ السيد حسن نصر الله عليه مرتين من دون أن يسميه، وتوقيع شخصيات شيعية معروفة بيانات ترفض مواقف “حزب الله” من الثورة السورية، وتشكيلها أطراً للتعبير عن نفسها، وتواصلها مع المعارضة السورية لإعلان “براءتها من مواقف الحزب”. يضاف إلى ذلك الحصار الشعبي على حلفاء الحزب وواجهاته في الشارع السني، وعلى نحو غير مسبوق، في حين أن من يتكلم منهم على النحو الذي يرضي “حزب الله”؛ يصبح مرفوضاً إلى حد توجيه الناس إهانات مباشرة إليه”. خسارة الفضاء العربي والإسلامي وقال شامية إن “هذه الوقائع كلها؛ تعني أن “حزب الله” خسر فضاءه العربي والإسلامي، وحصر نفسه في بيئته الشيعية فقط، وحتى في هذه البيئة، صار الحزب يحتاج جهداً استثنائياً لتسويق كثير من مواقفه!، بمعنى آخر حطمت مواقف الحزب من الثورة السورية جهود سنوات طوال من تلميع الصورة، ومحاولة إبعادها عن الشرنقة الطائفية، فإذا بها تظهر كما لم تكن من قبل؛ لاأخلاقية، وطائفية... وقمعية”. وأوضح أنه إلى جانب الخسائر الشعبية الفادحة، جراء موقفه المناهض للثورة للسورية، أصيبت علاقات “حزب الله” الدولية بضربات كبيرة أيضاً؛ فسوريا الجديدة لن تكون معه؛ لا عسكرياً (تمرير شحنات الأسلحة من إيران)، ولا سياسياً، ولا شعبياً. وللأسف؛ فإنه يصعب أن يتكرر الاحتضان الذي حصل في العام 2006، في أي جولة جديدة من الصراع... سيفقد الحزب ساحته الخلفية وصلة الوصل مع إيران، كما فقد اليوم أصدقاء بلسموا جراح اللبنانيين بعد حرب يوليو 2006 بمساعداتهم، وعلى رأسهم قطر، التي نقل الحزب خطابه بشأنها من المدح إلى الذم ومن التبجيل إلى التخوين، في أقل من سنة!. وبيّن أنه تراجعت علاقة الحزب بتركيا، التي حاولت حتى الأمس القريب أن تكون وسيطاً حيادياً بين فريقي الانقسام اللبناني، فإذا بها تدرك متأخرة أن بشار الأسد وحلفاءه خدعوها، فتُسِر القيادة التركية للرئيس سعد الحريري أثناء زيارته الأخيرة بالقول: “لقد كنت محقاً وصادقاً تماماً معنا يا أخ سعد”!. وقال “لم يعد اليوم ثمة محور اسمه محور “ممانعة”؛ يتوسط “حزب الله” عقده، ولم يعد يصح الحديث عن حركات مقاومة في لبنان وفلسطين بالجملة، ولم يعد مقبولاً في دول الربيع العربي أن يزايد عليها أحد في العداء لـ«إسرائيل”، ولم يعد واضحاً مسار العلاقة بين الحزب والقوى الإسلامية الصاعدة، التي سبقته إلى مقاومة الصهاينة (منذ العام 1948)، وقد تناغمت معه فترة من الزمن (لاسيما “الأخوان المسلمون” في مصر)، ثم وصلت اليوم إلى حد التناقض معه، وتبني رؤية “الأخوان” السوريين منه، أو التأثر بها على الأقل”. وقال إنه فوق ذلك كله؛ فإن الواقع الذي فرضه “حزب الله” على لبنان والقوى السياسية فيه، منذ اتفاق الدوحة في عام 2008 لم يعد هو نفسه؛ فلا 7 مايو جديداً يمكن تكراره، ولا القوى السياسية اليوم في وضع من يقبل الرضوخ، ولا الغالبية التي اكتسبها الحزب بالإكراه في العام 2010 مازالت معه، ولا وضعه الشعبي يسمح له باكتساب غالبية في انتخابات نظيفة، ولا الحكومة التي شكلها أقنعت الناس، بمن فيهم جمهوره الذي وُعد بالإصلاح، والنهوض، والتغيير الجذري، واجتثاث “الفاسدين والمتآمرين”... وإنهاء المحكمة الدولية، فلم يجد إلا عكس ذلك كله، فيما بات همّ الحزب الأول التمسك بالحكومة على علاتها، لأهميتها في التعويض عن العزلة السياسية الخانقة التي يعاني منها النظام السوري دولياً!. وأضاف “حقاً؛ يعجب المرء مما أحدثته الثورة السورية من تغيير في أوضاع “حزب الله”، والأعجب هو ما أحدثه الحزب بنفسه، جراء فشله في امتحان الثورات العربية!”.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90