حوار أجراه: ديفيد جنكنز
ترجمة - أمين صالح:
هذه هي الحلقة الثانية من اللقاء المنشور مع أنجيلوبولوس، في مجلة Sight and Sound الصادرة في فبراير 2012.
يقول أنجيلوبولوس: «توقيت هذه اللقطات ليس من اختياري.
هذه اللقطات لم تكن مرسومة أو مخططة بأي طريقة كانت. كل لقطة تستغرق الوقت الذي تحتاجه. هكذا كان الأمر ببساطة. إنها مسألة غريزة أكثر مما هي اختيار.
عندما أبتكر هذه اللقطات، يتعيّن عليّ أن أقرر ما إذا كان عليّ أن أستسلم للأشياء التي أراها بعينيّ. بعد ذلك يجب أن أقرر ما إذا كان الأمر يستحق التدخل في المنظر الطبيعي بطريقةٍ ما لينسجم ذلك مع حلمي الأوليّ».
بعض النقاد كانوا يميلون إلى تشبيه أنجيلوبولوس بقائد أوركسترا أكثر من اعتباره مجرد مخرج سينمائي، لكنه يرفض هذا التشبيه «أحب أن أصف نفسي بالمترجم. مترجم الصوت، الشعور، والزمن الذي يأتي من مكان بعيد جداً. عندما يأتي إليّ، لا يكون لديّ أي خيار غير الاستغراق فيه».
الشخصيات في أفلام أنجيلوبولوس هي دائماً في حالة حركة.
إن رحلاتها، وتفاعلها مع المنظر الطبيعي ومع الأفراد المتشردين الذي يتواجدون على جوانب الطريق، هي في بؤرة ما يدور حوله الفيلم. أنظر إلى رحلة مارشيلو ماستروياني الكئيبة في فيلم «مربي النحل The Beekeeper» 1986»، عبر البلاد، فيما هو يبلور تشوشه وانفصاله عن الجيل الشاب، أثناء نقل شحنة من النحل عبر البلاد. أو أنظر إلى بحث الأخ والأخت عن الأب الأسطوري في رائعته «منظر في السديم».
السيارة مكاني الأثير
يقول أنجيلوبولوس: «المكان الوحيد الذي فيه أشعر حقاً بالراحة وكأنني في بيتي، عندما أكون في السيارة إلى جوار السائق. أنا لا أسوق السيارة، غير إني أجد الفعل البسيط في المرور عبر المناظر الطبيعية مثيراً للمشاعر. الطريقة التي بها أنظر إلى العالم في رحلاتي العديدة هي ما تحدد جوهرياً طريقتي في تحقيق الأفلام».
وماذا عن القرية في «إعادة البناء»؟ هل تحققت نبوءته بشأن الانحدار والأفول؟ يقول أنجيلوبولوس: «مؤخراً التقيت بمخرجة سينمائية ومعاً زرنا القرية في الشمال الغربي من اليونان حيث صورنا فيلم (إعادة البناء). في تلك الأيام، كان الناس يغادرون ويرحلون إلى ألمانيا للعمل هناك. عندما عدت إلى هذه القرية، كان الوضع مختلفاً. المكان صار موقعاً تجارياً. في السابق، ورغم مشكلاتها، كانت البلدة، تتسم بأصالة شعرية، كذلك أهل البلدة الذين لم يغادروها».
الكثيرون رحّبوا بأنجيلوبولوس بوصفه واحداً من المؤرخين الكبار في تاريخ اليونان المعاصر، مع أنه لم يكشف أفكاره على نحو صريح، تاركاً إياها تتطور من خلال النظم الهشة للرموز، والتجاورات البصرية والسمعية.
«الممثلون الجوالون»، الذي حققه أنجيلوبولوس خلال حكم الطغمة العسكرية اليمينية، كان الفيلم الذي أرغم أنجيلوبولوس على التفكير بشكل مبتكر ومجدد. يقول أنجيلوبولوس: «هذا ما كنا نسميه.. الخوف من التدخل. الخوف من إفساد التعبير الفني.
التهديد بالرقابة يجعل السينمائيين يعملون بطريقة مختلفة تماماً. عندما أفكر في الفيلم الآن أشعر بأن (الممثلون الجوالون) تسمية يمكن أن تشير أيضاً إلى الفنيين الذين يصنعون الفيلم.
التقنيون والممثلون، واجهوا مشاكل مع الشرطة، وبعضهم قضى وقتاً في السجن. بل أن الأكثر أهمية من دور المخرج كان الشخص الذي عيّناه كحارس للتأكد من عدم وجود شرطة عسكرية في المنطقة».
صيغة رمزية
هذا الخوف من التدخل هو الذي، مع أشياء أخرى، قاد أنجيلوبولوس إلى توظيف صيغة رمزية من صنع الفيلم.. «فيلمي (الممثلون الجوالون) هو ربما ليس المثال الجليّ، لأن نصفه صُوّر بعد تغيّر النظام. ذلك كان يعني فحسب أننا صوّرنا كل الأشياء التي كان يمكن أن تخضع للرقابة أو اعتبارها غير قانونية».
الفيلم المثال الرئيسي بالنسبة له، في هذه الحالة، كان الفيلم الأسبق «أيام سنة 36»Days of 36 عن العواقب البعيدة لحصار سجن فيه يقوم سياسي محافظ باتخاذ مخبر وقاتل مسجونين رهائن تحت تهديد السلاح. يقول أنجيلوبولوس: «أيام سنة 36 تشير إلى ديكتاتورية ميتاكساس في العام 1936، والفيلم مصور أثناء حكم الديكتاتورية في السبعينات. إنه مع هذا الفيلم تعيّن عليّ أن أغيّر الطريقة التي أتحدث بها كصانع فيلم.
كل شيء صار مدرَكاً من خلال الإيحاء أو ضمنياً. عندما عرض الفيلم للمرة الأولى في أثينا، كان هناك عدد من الأفراد من بين الحضور والذين بدأوا في طرح الأسئلة. اندهشت عندما علمت أن هؤلاء الأفراد لم يكونوا عاملين ضمن سلك الشرطة. أذكر أن امرأة قدمت لي زهوراً وتساءلت إن هي فهمت حقاً كل ما شاهدته للتو على الشاشة، وبالطبع قلت لها: بلى. ضمن روح الفيلم، حتى هذا الحوار مع الجمهور كان ضمنياً وعبر الإيحاء».