تعود أحداث البحرين الحالية بنا إلى مطلع سبعينات القرن العشرين، عندما كان الخلاف بين المنامة وطهران حول عروبة البحرين في أوجه، وأدى الاتفاق بين البلدين بوساطات إقليمية ودولية إلى اللجوء للأمم المتحدة لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، انتهت بتوصية أن شعب البحرين يؤكد عروبته، ويرغب في الاستقلال بعيداً عن المطالب الإيرانية، ما أدى إلى صدور قرار الأمم المتحدة بضرورة استقلال البلاد عام 1971.
رغم قبول طهران قرار الأمم المتحدة، إلا أن حكومة الشاه أكدت أنها حريصة على «استمرار نفوذها في جزر البحرين لأسباب مختلفة»، وأصبحت مسألة التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين من ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول الخليج العربية، سواءً خلال فترة حكم الشاه التي انتهت بالثورة الخمينية فبراير 1979، ولاحقاً عندما تبنى نظام الحكم الراديكالي في طهران مبدأ تصدير الثورة ضمن مبادئ سياسته الخارجية.
استطاعت طهران تجنيد مجموعات كبيرة من رجال الدين ممّن درسوا في مؤسساتها الدينية والتعليمية، وصار هؤلاء لاحقاً أداة طهران للتدخل في شؤون البحرين سعياً لـ»الأيرنة»، وهم الذين قادوا العديد من حركات احتجاج سياسي لم تخلو من أعمال عنف سياسي وإرهاب، ظهرت أولاً في محاولة الانقلاب الفاشلة على الحكم مطلع الثمانينات، ثم استمرت الاحتجاجات ومحاولات «أيرنة» البحرين حتى نهاية عام 1994، عندما عادت الفئة الراديكالية الدولة باسم الإصلاح السياسي، ونفّذت سلسلة أعمال إرهابية دامية في التسعينات إلى حين الانفراج السياسي عام 2001.
أبعاد المؤامرة الإيرانية
وزيرة الدولة لشؤون الإعلام سميرة رجب تحدثت حول هذا البعد التاريخي «البحرين كان قدرها منذ السبعينات وأحداث الثمانينات والتسعينات وإلى يومنا الحاضر، أن تقف في وجه المؤامرات الإيرانية، ومن يدين لها بالولاء من الداخل، أو من يستدعيها للتدخل في الشأن الداخلي، وفي المقابل لم تيأس إيران منذ التصويت على عروبة البحرين في السبعينات وبحثت عن عناصر دخيلة على المجتمع لزعزعة استقراره، ولا نستغرب إن كان من بيننا الآن رجال دين عاشوا في إيران وتجنسوا في البحرين بل وأصبحوا ممثلين للمرشد الإيراني علي خامنئي في البحرين».
وبيّنت رجب أن «الوفاق بحكم تركيبتها الطائفية تستمد شرعيتها الدينية والسياسية من مفهوم ولاية الفقيه التي حكمت تحركاتها وممارساتها منذ تأسيسها عام 2001 ولغاية الآن، ووفقاً لولاية الفقيه بات من المؤكد أن المساجد والجوامع والحسينيات والمنابر الدينية تُستخدم لشحن الناس وتسييس البسطاء وفق المصالح الفئوية والطائفية، لتفعيل الدور الطائفي ومد نموذج المحاصصة المذهبية والإثنية إلى البحرين، ووفقاً لولاية الفقيه أيضاً فالمحاولة مستمرة لإبقاء شرارة الصراع وعدم الاستقرار مشتعلة بهدف المساومة على السلطة، وليس بأي هدف إصلاحي أو ديمقراطي من خلال استقطاب الشارع والتصعيد الطائفي».
وقالت «إن تصرفات جمعية الوفاق طوال الفترة الماضية تشعرنا وكأنها المنفّذ الأمين للتطلعات والأطماع الإيرانية في البحرين ودول الخليج، وإلا ما معنى سعيها الحثيث لتدمير اقتصاد البلد والبحث عن أي وسيلة لضرب التجارة والاقتصاد وتشويه سمعة البحرين في المحافل الإقليمية والدولية، ورفض الوحدة الخليجية وكل ما يقرب البحرين من أشقائها العرب في الخليج والعالم العربي، ومحاولة شق الصف واختطاف الحراك السياسي للطائفة وإسكات الأصوات الوطنية المخلصة بالترهيب والإكراه تارة وباسم الدين والولي الفقيه تارة أخرى، والعمل على زعزعة ثقة الناس في الدولة وجميع أجهزتها لتوليد حالة من السخط العام، ولم تتورع على أقل الفروض في توفير غطاء سياسي وشرعي للعنف الحاصل في الشارع».
مشروع الإصلاح البحريني
عند تدشين المشروع الإصلاحي في الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني فبراير 2001، كانت تطلعات شعب البحرين نحو إنهاء ملف محاولات «أيرنة» البحرين، وإيقاف التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية، ولكن الفئة المتصلة بطهران لم توقف نشاطها، بل حرصت على استغلال الإصلاحات وفرص التحول الديمقراطي لممارسة أعمال إرهابية متواصلة الهدف منها الضغط على النظام الحاكم في المنامة، من أجل إتاحة مجال أوسع للنفوذ الإيراني.
ولكن إصرار شعب البحرين مع قيادته، وكافة مؤسسات المجتمع المدني على عروبة البحرين، وعلى المضي قدماً نحو إصلاحات مستمرة يتم التوافق عليها دائماً، شكل تحدياً للفئة الراديكالية، وهو ما قادها لاستغلال التحولات الإقليمية التي شهدتها المنطقة العربية نهاية عام 2010، لتظهر المحاولة الانقلابية الجديدة يوم 14 فبراير 2011، واللافت فيها إعلان مطالب الفئة الراديكالية الداعية إلى إسقاط نظام الحكم، وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية بدلاً عن النظام الملكي الدستوري القائم.
في المحاولة الأخيرة أثبتت مكونات المجتمع البحريني تمسكها أكثر بعروبتها، فلم تختلف مواقف السُنة مع الشيعة، أو حتى مع الطوائف الأصغر مثل الطائفتين المسيحية واليهودية والبهرة وغيرها من مكونات المجتمع المحلي التي رفضت محاولات العبث بهوية البحرين، وزعزعة الأمن والاستقرار تحت أي مبرر. أحداث الأزمة مطلع العام 2011 كشفت اهتمام طهران زرع عملاء لها في الداخل، واستطاعت استخدامهم لنشر الفوضى والتخريب، وأكدت تحقيقات النيابة العامة العسكرية صلة الفئة الراديكالية التي قادت الأحداث بإيران وحزب الله، وحصولهم على الدعم والإرشاد من هناك.
جمعية الوفاق الوطني الإسلامية تمثل التنظيم السياسي الرئيس للفئة الراديكالية التي تحاول «أيرنة» البحرين، وتسعى لتحقيق أهدافها باسم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية لضمان كسب التأييد الغربي.
وبعد انتهاء الأزمة سعت «الوفاق» للضغط على الدولة من خلال مساعي تدمير الاقتصاد الوطني، وتشويه سمعة البحرين في المحافل الإقليمية والدولية، إضافة إلى رفض الوحدة الخليجية، وكل تطور من شأنه تقريب العلاقات البحرينية ـ العربية، وعملت أيضاً على شق صف الشيعة في البحرين، بحيث تتصدر الحراك السياسي للطائفة بالترهيب والإكراه، وإسكات الأصوات المناهضة لها باسم الدين أو الولي الفقيه، رغم أن الاتجاهات السائدة تشير إلى أن «الوفاق» باتت منبوذة أكثر من الشارع الشيعي نفسه، وتعمل «الوفاق» حالياً على زعزعة ثقة الناس في الدولة ومؤسساتها لتكوين حالة من الاستياء والسخط العام.
وعلقت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام سميرة رجب على دور جمعية الوفاق «تجاوزات جمعية الوفاق جاءت نتيجة طبيعية لممارساتها الخاطئة على امتداد سنوات أعقبت تأسيسها، وأن شعب البحرين بجميع طوائفه وفئاته يعي الحقائق على الأرض وهو كفيل بحفظ تجربته الديمقراطية وهويته الوطنية الجامعة وحماية الوحدة الوطنية والدستور من أية انتهاكات».
وأضافت أن «الديمقراطية في البحرين هي حقيقة واقعة ولولا وجودها ووجود حرية الرأي والتعبير، لما وجدنا جمعية الوفاق ضمن المشهد السياسي في البحرين، ولما تمكنت الجمعية من ممارسة العمل السياسي بكل حرية رغم حجم تجاوزاتها بحق البحرين أرضاً وشعباً وقيادة، حيث تستخدم «الوفاق» الحريات العامة التي أتاحتها الدولة للاستقواء على الشعب والتعدي على الدولة وانتهاك القوانين وأحكام الدستور».