أقامت مبادرة “درايش” أمسية “العمارة في قلب الشاعر” أمس الأول بحضور أستاذ العمارة بجامعة البحرين د. أحمد الجودر والشاعر البحريني المعروف علي الشرقاوي بالجناح الخاص بمهرجان “تاء الشباب” في مجمع السيف التجاري.
بدأت الأمسية بطرح مديرة الجلسة تساؤل حول الأثر الكبير الذي تتركه العمارة في الشاعر وبالأخص العمارة القديمة فأجابها الشاعر علي الشرقاوي بأن الشعر أصله هندسة، حيث كلمة بيت تشير إلى بناء معماري وبناء الشعر في الأصل يحتاج لأساس هندسي يبين مواطن الهبوط والعلو مشيراً الى “الزهرية” التي تتكون من 7 أبيات ومشبهاً إياها بالبيت الذي يحتوي على 3 غرف علوية وأخرى سفلية مع وجود قفل له في النهاية.
من جهته أشار أحمد الجودر أن العمارة قديماً وضعت الكثير من القيم والحقوق بعين الاعتبار، إلى درجة عدم تعرض الجيران لبعضهم البعض من خلال سد الطريق أو استخدام أي طريق يسلب حقوق المارة والجيرة، مؤكداً أن العمارة العربية ليست عشوائية كما يصفها الغرب، بل هي نظام فوضوي مستمد من الحضارة السومرية والبابلية حتى الإغريقيين، مضيفاً أن ما تتميز به العمارة قديماً فيما يسمى “الحوش” كان يعطي دلالة على الانفتاح والتقرب من رب العالمين، بالإضافة لخصوصية البنات والقدر المطلوب من الحرية.
وفي رده على فقدان الأواصر الاجتماعية في “الفرجان”، أوضح الشرقاوي أن كلمة “فريج” تعطي دلالة على الفرج والمساحة والعلاقة الطيبة الإنسانية، حيث كان سكان الحي على علاقة وطيدة ببعضهم البعض، منوهاً أن الدور يقع على الشباب الآن في إحياء هذه العلاقات، إذا لم يتسنَ لمن هم في هذا الوقت معايشة هذا الوضع الاستثنائي الفريد بالتزاور والمعايدة ومساعدات الزواج وتبادل الأطباق والبيوت المفتوحة صباحاً للنساء وليلاً للرجال.
من جانبه أضاف الجودر أن الإطار العام للمدن في البحرين يعكس مدى التلاحم الاجتماعي في الواقع التراثي القديم، ضارباً المثل بالمساحات المفتوحة “البراحة” التي تجمع الصبية بالبنات الذين قد يشكلون في المستقبل أسرة واحد مكونين علاقات مصاهرة ونسب قوي قد يؤدي إلى فتح البيوت على بعضها من الداخل.
وألقى الشرقاوي جزءاً من قصيدة “ريحة الديرة” بعد طلب مديرة الجلسة منه إلقاء قصائداً متعلقة بالأبنية والعمارة القديمة، تطرق فيها للمفردات المعمارية التراثية مفيداً أن استخدامها قد يخفف الحنين والشوق إلى الزمان القديم. فيما تحدث الجودر عن فكرة استغلال الأراضي سابقاً بأنها ليست بنزعة التملك أو الإساءة للغير.
وأوضح الشرقاوي في حديثه عن “قهوة بوضاحي” التي وصفها بأهم المقاهي الموجودة في ذلك الزمان أنها تجمع الكل من حيث الموقع، كونها رمز الارتباط بين الماضي والحاضر، متحدثاً عن موقعها التاريخي في جميع الأحداث السياسية والاقتصادية التي مرت بها البحرين وأنه شخصياً استفاد من وجودها قديماً في كتابة قصيدته المشهورة “قهوة بوضاحي”.
وبالرجوع لموضوع الأواصر الاجتماعية والحياة في الحي الواحد، أشار الجودر أن النسيج العمراني لمنطقة المحرق مثلاً يعطي سكانها شعور الأخوة، فالبيوت ترتفع للأعلى وتربط مع بعضها البعض بين الأخوان، وفي بعض الأحيان قد يجعل القدامى في ملكهم الخاص طريقاً للمارة على أن يبني الجزء العلوي من الطريق مستفيداً من البناء وإعطاء الجيران وأبناء الحي حقهم ومساحة تسهيلية خدمية باستخدام الطرق.
ونوه الشرقاوي أن العلاقات والأحياء القديمة يعتبرها جزء من ذاته، فأي بناء يهدم يعتبر هدم للقديم وللتاريخ وللارتباط، وتحدث عن بيت الفاضل الذي سمي “الفريج” باسمه وبيت فاروق الذي كان فندقاً واشتراه أحدهم وحوله إلى ملك خاص، طارحاً تساؤلاً حول أهمية الحديث في غياب القيم والمعالم التراثية؟!.
وفي ختام الأمسية قدم كلاً من الضيفين نصائحهما للشباب منوهين بضرورة النهوض بالحاضر عن طريق الرجوع للماضي للتعرف عليه وليس تقديسه.
وفي رد حول سؤال اللجنة الإعلامية بالمهرجان عن المشاريع التي تهتم بالطراز القديم والتقليدي، أجاب الجودر أن سبب تراجع روح ومعنى البيوت الحديثة-القديمة هو القائمين عليها وأكثرهم من الأجانب غير المطلعين على تاريخ المكان والأرض، بالإضافة للحاجة لمواكبة التطور العمراني ودفع السوق إلى مواد جديدة تحتم على المعماريين استخدامها. من جانبه، أكد الشرقاوي أن التجارب الشعرية مثل “حزاوي الدار” و«فرجان لوّل” و«البيت العود” التي تتطرق للرموز المعمارية القديمة مثل “المعرش” و«البرستيه” تفتقد للإنتاج، فلا يمكن طرح قضايا الأولين من سكان “الفرجان” دون وجود رمزية لمكان ما مشيراً الى إن غياب الشعراء الذي عاشوا المرحلتين زاد من ندرة هذه القصائد. وفي نهاية الجلسة الحوارية كرّم القائمون على الفعالية الجودر والشرقاوي لمشاركتهما في هذه الأمسية.