كتب - المحرر الثقافي:
أنهى الفنان والخطاط عبدالشافي البنا، جملة من أعماله الفنية الإسلامية المستلهمة من شهر رمضان، وثيقة الصلة بالشهر الكريم من خلال المآذن.
وقال البنا: إن الإسلام دين الجمال والكمال، والله جميل يحب الجمال، والعناية بالفنون هي الفارق الواضح بين الإنسان والحيوان، والميزة التي تسمو بها حياتنا فوق حياة البهائم، والاهتمام بها يصفي الذوق ويرهف الحس ويزكي في النفس حب الجمال، وهذه عناصر لا غنى لنا عنها إن شئنا أن نحيا حياة إنسانية راقية.
المساجد الأولى دون مآذن
وأضاف البنا: لقد كانت المساجد الأولى التى بنيت فى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفى عهد الخلفاء الراشدين بغير مآذن، ثم أضيفت إليها المآذن لتكون مكاناً مرتفعاً ينادي فيه المؤذن للصلاة. وقد تفنن المعماريون فى أشكال المآذن ودوراتها، حتى أخذت أشكالاً مختلفة حسب البلاد والأزمنة، وأصبح لكل إقليم من الأقاليم الإسلامية طراز خاص من المآذن ينسب إليه. وفى شمال أفريقيا والأندلس انتشر طراز من المآذن على شكل البرج ومن أمثلتها مئذنة جامع عقبة بالقيروان ومئذنة جامع قرطبة بالأندلس. وفىي مصر تطورت المآذن وأخذت المئذنة المصرية شكلها المتميز فى العصر المملوكى، وهي ذات قاعدة مربعة مشطوفة الأركان العلوية، لتأخذ شكلاً مثمناً، ثم نجد الدورة الأولى ثم يستمر بناء المئذنة مثمناً أيضاً، ونجد دورة أخرى ثم يتحول البناء إلى شكل اسطواني يحمل خوذة محمولة على أعمدة.
وأشار البنا إلى أن أغلب المآذن فى مصر وسوريا ذات أدوار ثلاثة، يكون الأول مربع والثانى مثمن والثالث اسطواني، وفى الطراز التركي تكون المنارة مستديرة وممشوقة وتنتهى فى أعلاها بمخروط مدبب ومن أمثلتها منارة جامع محمد علي بالقلعة، أما مآذن إيران فعلى شكل اسطوانة رشيقة ليس لها دورة للمؤذن، لأنها لم تكن تستعمل للأذان، وتنتهى من أعلاها بردهة تقوم على مقرنصات، وفى الهند تكون المآذن اسطوانية تضيق كلما ارتفعت وتزينها شرفات وتضليعات.
طابع مميز للمآذن المصرية
وذكر البنا أن المآذن المصرية منذ العصر الفاطمى، بدأت تأخذ طابعاً مميزاً، ومن أقدم المآذن الباقية من هذا العصر مئذنة جامع الحاكم، وقد أقيمتا فوق طرف الواجهة البحرية، وتقوم كل منهما فوق برج مكون من مكعبين أجوفين يعلو أحدهما الآخر، والجزء العلوي منها من العصر المملوكى والأسفل من العصر الفاطمي، أما الطوابق المثمنة العليا فتعود إلى عصر المماليك. ويعلو كلاً من هاتين المئذنتين قبة على شكل مبخرة. وتعتبر مئذنة الجيوشي من أقدم أمثلة المآذن المصرية المعروفة باسم مئذنة المبخرة. وهذا النوع من المآذن استعمل حتى النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادي، حيث زادت العناية بالتفاصيل الزخرفية ورشاقة النسب، وفى العصر الأيوبي كسيت القاعدة المربعة بزخارف جصية، أما الجزء المثمن الذى يعلو هذه القاعدة فقد زخرف بعقود محارية منقوشة، ثم نجد الخوذة المضلعة وانتقل بناء هذا الطراز من الآجر إلى الحجر وعلى مقياس أكبر، ثم بنيت المئذنة كلها بالحجر وتعددت دوراتها إلى ثلاث، وبلغ تطور المنارة الذروة فى عصر المماليك الجراكسة.
منارات مربعة القواعد
وواصل البنا: فى مستهل القرن السادس عشر ظهر نوع من المنارات مربع القاعدة، له أكثر من قمة في مسجد الغورى ومنارة الغوري بالأزهر، وفى فلسطين وجزيرة العرب شاع الطراز المصري المملوكى ثم الطراز العثمانى. وإذا تتبعنا مآذن سوريا القديمة فسنجد أكثرها مربعاً، كما نشاهد فى مساجد دمشق وحماة وحلب، ثم أصبحت في العصرالفاطمى والأيوبى وأول المملوكي مربعة إلى الدورة الأولى، ثم اسطوانية أو مثمنة البدن، وتنتهى بخوذة كروية أو مخوصة، وفى العراق فى العصر العباسى ظهر طراز المآذن المخروطية ذات المدارج الخارجية الملوية بسامراء، ثم شيدت المآذن المربعة والمثمنة والاسطوانية. وفي إيران كانت المآذن الأولى فى الغالب مثمنة الشكل، ثم انتشرت المآذن الاسطوانية منذ القرن الحادي عشر الميلادي وأصبحت تجمل بالزخارف الهندسية من الطوب نفسه الذي بنيت به أو تكسى بالقاشاني، ويستدق طرف المئذنة الإيرانية وتنتهي من أعلى بردهة ذات تضليعات وعصابات تقوم على مقرنصات تعطيها شكل الفنار، ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي كان لمعظم المساجد الإيرانية مئذنتان تحفان بالمدخل وتختفي قاعدة كل منهما خلفه، وهذه المآذن خالية من الطبقات والنوافذ، وفى الهند شيدت المساجد فى أول الأمر من غير مآذن ثم أضيفت المآذن الاسطوانية والتي تضيق كلما ارتفعت وتزينها شرفات وتضليعات ومنذ القرن الخامس الميلادي كان يحف بالمداخل مئذنتان على الطريقة الإيرانية، ومن أجمل المآذن الهندية القديمة قطب منار فى مسجد قوة الإسلام من القرن الثالث عشر الميلادي، ويبلغ ارتفاع هذه المأذنة 5ر72متراً وقطر قاعدتها 14متراً وبنيت طبقتها السفلية من الحجر، والطبقتان العلويتان جددتا من الرخام الأبيض، وتكسو هذه المئذنة الكتابة وأشرطة من الزخارف المعمارية. وفى آسيا الصغرى ظهرت المآذن على نسق مآذن مسجد أيا صوفيا فهى اسطوانية عالية ممشوقة تعلوها قمة مخروطة مدببة وزاد عدد المآذن فى المساجد التركية، حسب أهمية المسجد ووصل عدد المآذن فى مسجد السلطان أحمد باسطنبول إلى ست.
أشكال متعددة للقباب
وحول قباب المآذن أوضح البنا: عرفت القباب فى العراق القديم ومصر لكنها قباب صغيرة، ثم استكملت عظمتها في الطراز البيزنطي. وتعتبر القاهرة متحفاً للمآذن والقباب نراها أحياناً فوق مدخل رواق القبلة أو فوق المحراب أو أعلى الأضرحة. وتمتاز بارتفاعها وتناسق أبعادها وزخرفة سطحها بزخارف بارزة متنوعة. والقبة فى الطراز التركي على شكل نصف كرة، وفى إيران والعراق تأخذ شكلاً (بصليا) وتغطى ببلاط القاشاني وفى أفريقيا كانت على شكل نصف كرة وليس لها زخارف خارجية.