بقلم: محمد عبدالواحد
إن وحدة الأمة الإسلامية ضرورة شرعية وفريضة إسلامية. خاصة في تلك المرحلة التي يسعى فيها أعداء الإسلام جاهدين إلى ابتعاث الخلافات المذهبية والنعرات العنصرية والقومية واستثمارها لتزداد الأمة فرقة واختلافاً فيسهل على الأعداء استنزاف خيراتها وفرض الذل والتبعية على أبنائها وهذا ما ظهر بجلاء خلال الحروب الدائرة ضد الشعوب المسلمة بدعوى محاربة الإرهاب الذي ألصق زورا بكل مسلم يجاهد من أجل حريته المسلوبة وأرضه المغصوبة.
لقد استند المغرضون إلى روايات واهية لا تثبت أمام البحث العلمي النزيه في محاولة للتقليل من شأن أولئك الرجال الذين تربوا في مدرسة النبوة وتصوير ما شجر بينهم على أنه صراع من أجل سلطان زائل ومتاع قليل .. ولقد كانوا أعف وأنزه وأكرم مما اعتقد هؤلاء. بل كانوا بحق كما وصفهم ((سيد قطب)): جيل قرآني فريد .. يقول ــ رحمه الله ــ لقد خرّجت هذه الدعوة جيلاً من الناس ــ جيل الصحابة رضوان الله عليهم ــ جيلاً مميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعه .. ثم لم تعد تخرج هذا الطراز مرة أخرى .. نعم وجد أفراد من ذلك الطراز على مدار التاريخ لكن لم يحدث قط أن تجمع هذا العدد الضخم ، في مكان واحد كما وقع في الفترة الأولى من حياة الدعوة (معالم في الطريق صــ11).
إن النجاح ــ أو الفشل ــ في التربية يعزى إلى أمور ثلاثة:
الأول: المربي: وحسبك برسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ مربياً ومعلماً وهو الذي أثنى عليه ربه وزكى خلقه (وإنك لعلى خلق عظيم) سورة القلم /4 لقد كانت التربية ومعها العلم محور الرسالة الإسلامية وغايتها العظمى : (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). سورة الجمعة/2 ... تربية تلازم فيها الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولمدة ثلاثة وعشرين عاماً بدءاً من المدرسة الأولى ( دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي) بمكة المكرمة. ولمدة ثلاثة عشر عاماً نال فيها الصحابة صنوف الأذى والعذاب وثبتوا ثبات المؤمنين الصادقين ثم هاجروا إلى المدينة ينهلون من علمه ويهتدون بهديه ورافقوه في غزواته مجاهدين صابرين دفاعاً عن الدين ونشراً لدعوة الخير يصلون خلفه في مسجده خمس مرات كل يوم لا يكادون يفارقونه ــ إلا قليلاً ــ حتى إن بعضهم كان إذا شغله السعي لتدبير أمور معيشته عن طلب العلم كلف من ينوب عنه حتى لا يفوته شيئ من هدي ــ رسول الله صلي الله عليه وسلم ــ وعلمه.
الثاني: المنهج: وهو كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهدي رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ المؤيد بوحي السماء( وما ينطق عن الهوى.. إن هو إلا وحي يوحى)النجم/3،4.
الثالث: المتلقي: وهم صحابة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ وأهل بيته الذين نالوا شرف صحبته وهؤلاء هم ثمرة تربية الرسول ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ وحصاد دعوته .. وقد ورد في الإنجيل قول منسوب للمسيح ــ عليه السلام ــ (إنما تعرف الشجرة بثمارها) ونقول لقد طابت الشجرة .. وطابت ثمارها .. فقد أثمرت تربية رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ لصحابته رضوان الله عليهم ــ جيلاً لم تعرف البشرية مثله في أي عصر من العصور ويتجلى ذلك فيما يلي:
أولاً: تزكية الله سبحانه لصحابة الرسول ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ وآل بيته الذين نالوا شرف صحبته: قال الله سبحانه وتعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً). الفتح /29. وقوله :( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) التوبة 100. وقوله:
( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) التوبة 88. وقوله :( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسني والله بما تعملون خبير). الحديد 10.
لقد قسمت سورة الحشر المسلمين ثلاثة أقسام:
الأول:( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) آية/8.
الثاني: ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). آية 9.
هؤلاء المهاجرون والأنصار وقد فاتنا أن نكون منهم فهل نحن من القسم الثالث والذين صفتهم: ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) آية 10.وقد بلغ أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- أن قوماً يسبون أصحاب النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قالت: (أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ) رواه مسلم .. فمن كان في قلبه غل أو حقد على أولئك السابقين للإسلام فليراجع دينه وإيمانه.
ثانياً: حب رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ لأصحابه وثناؤه عليهم ومن ذلك:
1 - قول رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري.
2- قوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن الأنصار ( لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله).
3- قوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ (خير القرن الذين بعثت فيهم ) رواه مسلم.

ولقد كانوا بحق كما وصفهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما أورد صاحب نهج البلاغة صــ 240 طبعة دار البلاغ بلبنان (لقد رأيت أصحاب محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ فما أرى أحداً منكم يشبههم، لقد كانوا شعثا غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتي تبتل جيوبهم، ومادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب) وقال عنهم عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ (من كان مستنا فليستن بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب النبي ــ صلي الله عليه وآله وسلم ــ كانوا والله أفضل هذه الأمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.).