رحيل صاحب «ليالي الحلمية» وطي موسوعة الحارة المصريةتوفي المخرج التلفزيوني المصري إسماعيل عبدالحافظ أمس في باريس عن عمر ناهز 71 عاماً بعد أيام من وصوله إليها لتلقي العلاج في أحد مستشفيات العاصمة باريس. وقال المخرج المسرحي المصري عادل حسان وهو قريب من عائلة عبدالحافظ إنه “توفي صباح أمس” بعد تدهور صحته مرجحاً أن يصل جثمانه لمصر اليوم بمصاحبة نجله الممثل محمد عبدالحافظ. وكانت صحة عبدالحافظ تدهورت بشكل مفاجئ في أول أيام عيد الفطر وتم نقله إلى المستشفى وإدخاله قسم العناية المركزة. ولد عبدالحافظ في 15 مارس 1941 بمحافظة كفر الشيخ وتخرج في كلية الآداب قسم لغات شرقية جامعة عين شمس عام 1963. وعمل في بداية مشواره مساعد مخرج في التلفزيون المصري قبل أن يخرج أول أعماله في نهاية الستينات. وعبدالحافظ من أبرز مخرجي الجيل الثاني في مجال الدراما التلفزيونية المصرية بعد الجيل الأول الذي كان من أبرز رواده نور الدمرداش. وشكل عبدالحافظ مع المؤلف الراحل أسامة أنور عكاشة ثنائياً فنياً متميزاً في حقبة الثمانينات والتسعينات وقدما معاً مجموعة من المسلسلات أبرزها “ليالي الحلمية” الذي كان أول مسلسل درامي يقدم في 5 أجزاء. ومن أشهر أعمال عبدالحافظ مسلسلات “الشهد والدموع” و«الوسية” و«خالتي صفية والدير” و«حدائق الشيطان” و«امرأة من زمن الحب” و«عفاريت السيالة”. وكان آخر أعماله الجزء الثاني من مسلسل “المصراوية” وهو أيضاً آخر عمل كتبه أسامة أنور عكاشة.وبرحيل عكاشة، انطفأت أنوار الدراما المصرية، التي تلألأت طوال السنوات الماضية وبقي الأمل الوحيد متمثلاً في وجود شيء من رحيقه هو رفيق كفاحه وصديقه، المخرج عبدالحافظ، فلا يوجد عمل إلا وتجد الاثنين على قلب رجل واحد، وهو ما كان يعنى استكمال مسيرة الملاحم الدرامية المميزة التي تؤرخ لتاريخ وعبق مصر.وبعد أن غيب الموت عبدالحافظ، تلك الأسطورة التي أمتعت العالم العربي بباقة من الأعمال المميزة طوال مشواره الفني، حيث لا يوجد مخرج تلفزيوني مثله حاول الاقتراب ووصف حارات مصر الشعبية برجالها الجدعان، ولا يوجد مخرج مثله حاول أن يقدم صورة الأسرة المصرية وعلاقاتها ببعضها ببعض.ويرى النقاد أن عبدالحافظ، المخرج الوحيد الذي يمكن أن تستنشق وتعرف عمله من مجرد سماعك لتتر المسلسل، ناهيك عن تميزه في اختيار تركيبات مختلفة من النجوم التي تشاركه في العمل، بل إنه كان يتعمد الإبقاء على التواصل بين الجيلين، وليكن مسلسل “ليالي الحلمية” خير دليل على ذلك، والذي جمع وعرف نجوم مصر ببعضهم البعض، حيث شارك به النجمان الكبيران يحيى الفخراني، وصلاح السعدني، وأخرج جيلاً أصبح نجوماً فيما بعد مثل ممدوح عبدالعليم، هشام سليم، سمية الألفي، آثار الحكيم وغيرهم، مروراً بمسلسلات الشهد والدموع، والوسية، امرأة من زمن الحب، أهالينا وغيرها. ويؤكد النقاد أن أكثر ما كان يجذب الانتباه إلى أعمال إسماعيل عبدالحافظ، صورة العائلة المصرية التي كان يحرص على إظهارها في جميع أعماله تحديداً داخل المنزل، ليس فقط في البيوت الشعبية ولكن في الآرستقراطية أيضاً مثل مسلسل “أهالينا” الذي لعبت بطولته الفنانة صابرين.ورغم تمسك عبدالحافظ بصورته الإخراجية التقليدية في الدراما في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي حرص فيه كثير من المخرجين على اتباع الأسلوب السينمائي، إلا أن أعماله كانت الأكثر مشاهدة دائماً لوجود الروح المصرية بها سواء في أسلوب الحديث أو شكل الديكور والموسيقي المستخدمة.وبرحيل عبدالحافظ.. تبقى ملاحمه الدرامية التي تلألأت بها الشاشات العربية، والتي جسدت تراث مصر الأصيل، والتي بنت كثير من قنوات الدراما خطتها عليها، فلا يمكن أن ينسى أحد رائعة ليالي الحلمية، والشهد والدموع، والوسية، وشارع المواردى، والمصراوية، وحدائق الشيطان، وخالتي صفية والدير، وسامحوني مكنش قصدي، وكناريا وشركاه، وأكتوبر الآخر، وامرأة من زمن الحب، وغيرها.ويقول النقاد “إذا أردت أن تتعرف على موسوعة وصف مصر من الخمسينات وحتى الألفية الجديدة.. لا تذهب لشراء الكتب بل شاهد فقط أعمال إسماعيل عبدالحافظ التي كانت شاهداً على تاريخ مصر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي”.