كتب - حسن خالد:
يعتبر موضوع الحرية من أهم الموضوعات التي تطرح على بساط البحث في أي مجتمع وفي أي عصر، فالحرية التي أنارت طريق البشرية في كفاحها الطويل والمستمر من أجل تحقيق المزيد من التقدم، فلا مجال للإبداع من دون حرية، ولا قيمة للتقدم بدون تحقيق المزيد من الحرية، وتزداد الحرية قيمة وتربو مكانة حين تقترن للصحافة وترتبط هذه الأخيرة بها وهذا ما حرص عليه جلالة الملك كأساس من ضمن أسس المشروع الإصلاحي للمكانة التي تتبوؤها الصحافة كإحدى وسائل التعبير عن الرأي في المجتمع المعاصر والمنزلة التي تحتلها في النظام الديمقراطي، فهي السبيل إلى معرفة ما يدور في المجتمع، فإنها تكشف عن النقص المتفشي بالمجتمع، وتعمل على دفع الجهات المؤسساتية المسؤولة على إصلاح وتكملة هذا النقص سواء من النواحي الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية.

و من منطلق توجيهات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتفعيل الدور الصحافي وبأكثر فاعلية وطرح النقد للارتقاء بالعمل المؤسساتي أكثر، ومن جانبنا فقد خصصت «الوطن الرياضي» هذه الصفحة على وجه خاص للنظر في بُعد وأهداف وآثار القرار الصادر عن جلالة الملك المفدى على الصحافة الرياضية البحرينية والنابع من المشروع الإصلاحي المستمر ليومنا هذا، فلطالما كانت الصحافة منهلاً يقرأ فيه المجتمع أفكار نفسه وتأثير ذلك على نفسه أيضاً، وبالرياضة كذلك، ولننظر إلى مدى تداعيات حرية الصحافة على الشريحة الرياضية في مجتمعنا وهل لها علاقة بتطوير المؤسسة الصحافية الرياضية نفسها؟
تطوير المؤسسات الرياضية
لطالما كانت الأجهزة الصحافية الرياضية أكبر الداعمين لمشاريع الرياضة الوطنية، فهي التي تطرح على المؤسسات العديد من المعالم التي قد ترى بها المؤسسة منهجاً صائباً للاتجاه حوله، وهي التي تضع الأخطاء، أي أن لم توجد مؤسسة رياضية على وجه الأرض وفي أي زمن من التاريخ لم تُعدّل ولم يكن الإعلام دخيلاً في ذلك، فللصحافة دور كبير في تطوير مؤسساتنا الرياضية، بتوجيههم نحو الأخطاء وطرح الأخطاء ليتم معالجتها، سواء إن كانت فنية أو إدارية، في جهة مؤسساتية أو بفريق ما، و كمثال الاتحاد البحريني لكرة القدم ومنتخب كرة القدم، فالأولى مؤسسة مشرفة على الجهة الثانية ولكن مع ذلك فإن الصحافة تستطيع الدخول وخوض غمار كليهما سواء بطرح أي نقد بنّاء يفيد ويرقى بالعمل كما أشار لذلك جلالة الملك؛ أي فهو أعطانا الحرية الصحافية ولكن بدورنا يجب أن نستغل ذلك في تشريح تفاصيل الأخطاء لأنها هي السبب في توقف صحة عمل المؤسسة الرياضية وليس الأخطاء، فهنالك فرق بين التفاحة الفاسدة وسبب فسادها، فلننظر للسبب لا للشكل العام!
حرية الصحافة.. مشروع وطني يجب استغلاله!
حرية الصحافة إحدى أهم وأبرز المشاريع الوطنية، ولعلها الأفضل فكرياً وأهمهم نفعاً سواء على المجتمع الذي تظهر انعكاسات العمل الفكري الرياضي عليه أو على المؤسسة الصحافية الرياضية نفسها حتى، فحرية الصحافة ليست طرح كل شيء مميز، فالجميع بالكاد يستطيع التميز بالسوء والجميع يستطيع فعل ذلك بالخير، ولكن بطرح المادة الأفضل على شريحة بحرينية رياضية تتطلب ذلك، نحن بحاجة لوعي افتقرنا له منذ زمن طويل في تقييم المشكلة الرياضية ووضع الحلول المناسبة لها، بوضع المحاور والشخوص وتقييم الصورة بكل تفان ودقة دون الإخلال بما سيأتي من مستقبل، فكما للصحفي عقلية تستطيع التقييم والتدقيق بمشاكل الرياضة عليه أن يكوّن من ذلك قاعدة معرفية فكرية ينهل منها المجتمع، فيجب استغلال ذلك المشروع الوطني بأمثل الصور، فتأثيراته ستتعدى الهدف وهو فرد المجتمع لتصل إلى المؤسسة الصحافية الرياضية كما ذكرت بسمو مهنيتها وطاقة عملها لتتوج لاحقاً نفسها بأنها الأفضل من بين عدة جهات رقابية صحافية، كلها تتميز بنفس الحرية، من دون أي قيود.
الملاحق الرياضية
جهة رقابية أكثر تسامحاً!
الجهاز الرقابي أكثر الجهات الرقابية تسامحاً؛ فهو لا يعاقبك كما تعاقب لجنة العقوبات اللاعبين على عمل بذيء، ولا يمحوك من الوجود كما تمحو الجهات الرقابية الأفلام وتمنعهم من العرض، ولا يستطيع إدخالك السجن لعمل إجرامي فعلته، بل هي جهة رقابية قد تكون قاسية أحياناً ولكنها جداً مفيدة بطرح آرائها، ولا تكون مفيدة في حالة واحدة؛ أن تكون فاسدة خاوية من المهنية، فملاحق الصحف عادة ما تطرح قضايا وأعمدة لهدفين، إما لمحاسبة الجهات المقصرة أو لإضافة رسالة «وعي» يحتاجها الفرد المجتمعي لتعطيه فكرة على كيفية تشريح المواقف ومعرفة مدى أهمية المصداقية الفكرية وحقوقها، فيجب اعتبار الملاحق الرياضية أهم الأجهزة الرقابية وأكثرها نفعاً من دون آثار عكسية سلبية على أي جهة كانت، سواء مؤسسة رياضية أم مجتمع أو على نفسها، فلنستغل انعكاس هذه السلطة الرقابية المتسامحة علينا بفرد آرائها دامها تطرح بكل حرية، فهي تفيد المجتمع سواء إن كان الطرح مفيداً أو غير مفيد؛ يكون مفيداً عندما يكون إيجاباً وليس تناقضاً عندما نذكر بأنه مفيد بطرح غير مفيد؛ بحيث يجعل من القارئ يتعرف على نوعية «الطرح غير المفيد» لإطالة عمر وعيه المتطلب.
الآراء الرياضية
المختلفة.. نعمة أو نقمة؟
بالكاد تختلف آراء البشر من حيز لآخر في المؤسسة الصحافية الرياضية، فهل ذلك الاختلاف نعمة أو نقمة؟ ولنتخذ من قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال «اختلاف أمّتي رحمة»، فالقصد من هذا الحديث هو مهما اختلفت الآراء فإن الانعكاس سيصب في صالح المجتمع ذاته أي إنه سيتعرف بذلك على الآراء التي يتعارف معها فكره والآراء التي يختلف معها، وأيضاً لربما تطرح عليه آراء تغير قناعاته، فلطالما كان الإنسان حراً لا مقيداً لقناعاته، ولعل المقولة الشهيرة «لن أموت لأجل قناعاتي» قد أصبحت مبدأ وأسلوب حياة.
تختلف الآراء الرياضية بين مؤيد ومعارض لسياسة اتحاد أو مؤسسة، بين نهج ومبادئ ولكن لا بد من الجميع وحتى كاتب الرأي عليه أن يستفيد من رأي غيره، من دون تطرف ولا تعصب، فمن أهم معايير تطبيق الحرية الصحافية الحقيقية أن يتداول الآراء الجميع من دون أي قيود، وهذا ما نحن بحاجة إليه أحياناً عندما تطرح المقالات الصحفية في دحض مواضيع تخص سياسة اتحاد كرة القدم أو خاصة باللجنة الأولمبية، فعلى الجميع من مجتمع وإداريين وصحافة أن يقبلوا حضن حرية الصحافة بحقيقة، ويروا في مشروع الملك طريقاً هاماً في الرقي الفكري الرياضي.
الديمقراطية..
ليست في السياسة فقط!
النظرة الديمقراطية لجلالة الملك المُفدّى بتطبيق حرية الصحافة علينا أن نتخذها في ضوء وزاوية رياضية بكل احترافية أيضاً، فمن أهم خصائص الديمقراطية أنها تدعم حرية الرأي ومن دون ذلك المبدأ فلا نستطيع أن نرسو على ميناء التطور، فالتعددية الفكرية هي إحدى أهم خصال تطبيق حرية الصحافة، ولذلك فالقبول بالرأي والرأي الآخر هام جداً لدى المجتمع والمؤسسات والاتحادات الرياضية، بل حتى على الأجهزة الرقابية الأخرى من صحافة ولجان تقييم وفنيين، لقد حان الوقت حتى نتخذ من الديمقراطية أبعاداً أعمق من التي نسمع بها بالسياسة ونحوّرها للرياضة، لم لا وذلك في الإمكان، هي تعتمد بالشكل الأكبر على مقدار وعي الفرد بكل نظام من الأنظمة الرياضية كما ذكرت، وبدور الصحافة الرياضية يجب أن نكون خير المساهمين في التطوير لا غير.
لمجتمعنا علينا «حق»!
لماذا هذا الإصرار الكبير على ذكر الفئة المجتمعية الرياضية أو كما يسميها الكثيرون «بالشارع الرياضي»؟
لأنها هي الشريحة التي ستأتي بعد الجهة المسؤولة «فكرياً» عليها، وهي أكبر ما نعانيه من مشاكل حالية هي ضعف التعامل مع المشكلات الرياضية، فعلى سبيل المثال عندما تفاقمت مشكلة تصريح تايلور، فهنالك من قال إنه يجب أن يُقال دون النظر لأبعاد قراره، وهنالك من قال لنعطيه بعض من الوقت ولنجعل في أنفسنا قليلاً من الأمل والإيمان، وبين هذا الرأي وذاك فارق شاسع في التوافق، وبنفس الوقت هو يعتبر رأياً.
ولعل الكثير وليس القليل من ينظر لهذا التصادُم بأنه ذو أثر سلبي، ولكن العكس تماماً، فعندما يتصادم المجتمع فكراً في رياضته فذلك ففي صالحه أولاً وأخيراً ولكنه يظل يفتقر لشيء ما وهو الإعلام الذي يعتبر بالنسبة لهذا النقاش الرياضي كالحضن والأب الذي يجب أن يضع أمامه الأسس والمؤشرات التي تفيده في علاج إحدى أزماته مواجهاً الاتحاد أو إحدى اللجان الرياضية الأخرى.
للمحرر كلمة
علينا أن نستغل حرية الصحافة في الرياضة على النحو السليم، بتقديم المادة المثالية في التوقيت الصائب، ونقبل بأي من الآراء التي سواء كانت مؤيدة أو معارضة، ففي ذلك رحمة علينا كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، لذا لو أردنا أن نطبق حرية الصحافة في الزاوية الرياضية، فعلينا أن نترجم المشروع بأعلى ما نملك من طاقة وجودة عمل.