في 8 نوفمبر 2007، أقرّت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قراراً يقضي باختيار يوم 15 سبتمبر من كل عام يوماً دولياً للديمقراطية، وطالبت فيه شعوب العالم الاحتفال بهذا اليوم، كما طالبت الحكومات بتعزيز البرامج الوطنية المكرسة لتعزيز وتوطيد الديمقراطية بطريق منها زيادة التعاون الثنائي والإقليمي والدولي مع مراعاة النهج الابتكارية وأفضل الممارسات.
وشجعت الأمم المتحدة في قرارها المنظمات الإقليمية وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية على تبادل الخبرات في مجال تعزيز الديمقراطية مع بعضها البعض ومع منظومة الأمم المتحدة. وأكدت أهمية الاحتفال باليوم الدولي للديمقراطية بالأسلوب المناسب الذي يسهم في إذكاء الوعي العام بمفاهيمها. ومنذ إقرار الأمم المتحدة لهذا القرار، صارت دول العالم تحتفل سنوياً بهذه المناسبة الدولية بمختلف الطرق، فبعضها يقيم مؤتمرات خاصة، وبعضها يقيم احتفالات خاصة، الخ، بحيث تخدم الهدف الذي أقرّت المناسبة من أجلها. وفي كل عام يتم اقتراح موضوع للاحتفال، بحيث يكون هناك محوراً خاصاً للاحتفال باليوم الدولي للديمقراطية. وهذا العام قرَّرت الأمم المتحدة أن يكون محور الاحتفال للعام 2012 “تعليم الديمقراطية”.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الديمقراطية قيمة عالمية تستند إلى إرادة الشعوب المعبّر عنها بحرية في تحديد نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومشاركتها الكاملة في مختلف مناحي الحياة.
وبالتالي، فإن النظم الديمقراطية في العالم توجد بينها سمات مشتركة، وخصائص متشابهة، وتتشابه في كثير من الأحيان شكلاً، ولكن لا يوجد نموذج وحيد للديمقراطية بتأكيد من الأمم المتحدة، فليس مطلوب أن تتشابه الأنظمة السياسية الديمقراطية في جميع دول العالم، ولكن المطلوب أن تحقق المبادئ الذي ظهرت من أجلها الديمقراطية.
وهذا لا يعني أن الديمقراطية في البلدان الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها تتشابه، فهي لا تتشابه من حيث الشكل تماماً، ولكنها تتفق في مبادئ مشتركة عامة تحقق الهدف الذي ظهرت الديمقراطية من أجله.
الديمقراطية ليست شكلاً، ولا مؤسسات، ولا قوانين، وإنما مبادئ وأطر عامة يمكن الاستناد عليها في أية دولة وأي مجتمع لتأسيس الديمقراطية الخاصة بها. كما أن الديمقراطية ليست مرحلة وتنتهي، وإنما هي سلسلة مراحل لا تنتهي لأنها تتطور بتطور المجتمع نفسه، ويجب أن تتفاعل مع الظروف التي يعيشها باستمرار.
وهذه الحقيقة جاءت نتيجة لاختلاف ظروف المجتمعات وتركيبتها من بلد لآخر، وبالتالي لا يمكن القول إن الديمقراطية محتكرة على البلدان الغربية، بل هي موجودة في العديد من بلدان العالم الأخرى، ومن بينها مملكة البحرين التي توافقت فيها القيادة مع الشعب في 14 فبراير 2001 على التحول إلى النظام الملكي الدستوري من خلال الديمقراطية التي نعيشها اليوم بوجود دستور عقدي متوافق عليه، وقوانين وطنية متوافق عليها، ومؤسسات دستورية حديثة لا تختلف عن البلدان الأخرى الديمقراطية.
الأمم المتحدة وهي تحتفل سنوياً من خلال الدول الأعضاء باليوم الدولي للديمقراطية تؤكد إمكانيتها وقدرتها على دعم جهود الحكومات الرامية إلى تعزيز الديمقراطية وتوطيدها، ولكن هذا الدعم يتم بطلب من الدول المعنية، وليس فرضاً من الأعضاء الآخرين. ومن هنا تبرز أهمية تبادل الخبرات والتجارب على المستوى العالمي فيما يتعلق بشكل وأنظمة الديمقراطية، فإذا كانت المبادئ واحدة، فلا مانع من أن تستفيد الشعوب والمجتمعات من تجاربها وتحاول تطوير تجربتها الخاصة بها.
الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة احتفالاً باليوم الدولي للديمقراطية هذا العام يحمل (تعليم الديمقراطية) والسؤال هنا؛ هل الديمقراطية عملية تعليمية حتى يتم تعلمها؟
الديمقراطية عملية تستغرق وقتاً طويلاً من الزمن، فهي كما تتطلب تأسيس دستور، وإنشاء مؤسسات دستورية، وفصلاً بين السلطات، وانتخابات دورية على مستوى البرلمان والمجالس البلدية أو المحلية، فإنها تتطلب أيضاً ثقافة ووعياً سياسياً مستمراً طويل الأمد حتى تكون ديمقراطية ناجحة.
تعلِّق الأمم المتحدة حول موضوع تعليم الديمقراطية، وتشير إلى أن جميع المواطنين في كل الأمم المتحدة يحتاجون أن يفهموا حقوقهم وواجباتهم فهماً كاملاً، خصوصاً في البلدان التي شهدت مؤخراً انتقالاً إلى مجتمعات أكثر ديمقراطية، وصولاً إلى ثقافة ديمقراطية مستدامة.
وفي ضوء ذلك، فإن معهد البحرين للتنمية السياسية يؤمن بأهمية تكوين الثقافة الديمقراطية المستدامة من خلال الاستمرار في طرح مجموعة من البرامج والأنشطة التي تستهدف تكوين مثل هذه الثقافة بين مختلف فئات المجتمع، فالديمقراطية الناجحة هي التي تتضمن ثقافة ديمقراطية أكثر نضجاً ووعياً لدى الأفراد، بحيث يكونوا على دراية بحقوقهم وواجباتهم التي كفلها لهم الدستور ونظمتها القوانين الوطنية.
أهداف المعهد الاستراتيجية تتلاقى مع الهدف الرئيس من الاحتفال باليوم الدولي للديمقراطية، ولذلك فإن المعهد حريص على مواصلة نشاطه في سبيل دعم الديمقراطية البحرينية انطلاقاً من المسؤولية التي يقوم بها في المجتمع المحلي لبناء وتكوين الثقافة الديمقراطية الناضجة والوعي السياسي المسؤول. رغم أن بناء الثقافة الديمقراطية مسؤولية جماعية تشترك فيها عدة جهات، ومن بينها المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها، سواءً كانت في المرحلة الابتدائية أم حتى الجامعية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية.
[email protected]