كتب - حسن خالد:
تعد مرحلة المنتخب الوطني أسمى مراحل التفوق لدى اللاعب، فعند وصوله لهذه المرحلة في مهنته كلاعب كرة قدم فعندها يعرف جيداً بأنه الخيار الذي جاء حسب أسس ومعايير و تراكمات من التجارب في عالم كرة القدم، غير ذلك فإن هذه المرحلة تعبر جيداً عن الدائرة الوطنية والمحيط الذي يوضع اللاعب فيه، ومدى جديته في تأدية الخدمة الوطنية، فإذا كان الجندي يمثل الوطن في السلك العسكري، والعالم في السلك العلمي، فإن اللاعب في المجال الكروي الرياضي، فما الاختلاف في جودة لاعب الأندية ولاعب المنتخب، وكيف تسري آلية الخدمة الوطنية في المنتخب الوطني من حقوق وواجبات، لنتعرف على كل ذلك في الفقرات اللاحقة.
عندما يلعب أحد اللاعبين لإحدى الأندية و يرتفع بمستواه ليصبح لاعباً معتمداً في إحدى الأندية فإنه يكون مقيداً تحت تصرفات وأخلاقيات معينة حسب النادي والمبادئ التي يسير على نهجها، فإن هذا اللاعب قد يستطيع أن يكسر هذا القيد أو يتخطى بعض الحواجز التي توضع أمامه، ولكنه لا يلقى ذلك الصيت التي يأتي ضد اتجاهه، ولربما يحصل على القليل منه ولكنه حتماً لا يأتيه كاملاً كما يأتي للاعب المنتخب، وهنا الفارق بين لاعب النادي والمنتخب، فلاعب المنتخب تزداد عليه القيود والحواجز والأنظمة والقوانين ويكون محاسباً بصورة أكبر بكثير من ما كان عليه في فترة سابقة كلاعب ناديه، فقد يطرد في مباراة حاسمة على سبيل المثال في تصفيات كأس العالم ويكون سبباً ثانوياً لخسارة فريقه، وإن لم يكن سبباً حتى فإن الإعلام سيجعله ضحية هشة تتلقى الانتقادات باستقبال حر لا حاجز له ومن هذا المنطلق سيبدأ عقابه، بل حتى عندما يتجاوز إحدى الأنظمة العالمية في احترام الزي الوطني، فهذه المهمة وطنية بحتة، لذا فمن الصعب أن تهفو هفوة صغيرة من دون أن تحاسبك الأجهزة والسلطات الرقابية، سواء المجتمعية أو الصحافية، لأن في ذلك خدش وطني لا يرضاه «الوطنيّون» خصوصاً، ففي ارتداء هذا الزي الأحمر مهمة وطنية ومسؤولية عظيمة لم يتقنها على النحو الصحيح أخلاقياً وفنياً سوى القليل من لاعبي المنتخب ولعلي سأذكر الكابتن القدير سلمان عيسى كمثال، فقد بنى حياة رياضية رائعة رصع بها أخلاقياته على جميع ما أتاه من صعوبات في الملعب أو خارجه، فالمسألة ليست سوى الإحساس بالمسؤولية الكافية وتحجيمها بصورة يكون قد تعرف عليها هذا اللاعب المقدم على مهمته الوطنية.
كما للاعبين واجبات وأخلاقيات، فإن لهم بنفس الوقت حقوقهم التي لا يتجادل أحد في كونها من ضروريات العمل المؤسساتي الوطني الحديث الذي يشرّح أن هذا العمل يقوم على تناول تكافلي بين طرفين، وكل طرف يقوم فيه بمساعدة آخره، فاللاعب في كرة القدم الآن أصبحت لديه الحياة الكروية أسهل بكثير من السابق وإن كانت بعض الجهات الآن قد تخلّ بهذه الآلية، ولكن اللاعب الآن أصبحت تتوافر لديه العديد من الصلاحيات التي يستطيع أن يكون حراً بها، فمثلاً التصريح لدى وسائل الإعلام التي تكاد أن تكون معضلة ورباطاً عصيباً الآن، فيستطيع اللاعب أن يصرح حسن ما يأمر به المدرب من موافقة أو عدم وليس من المهنية كلاعب كرة قدم أن يصرح تصريحاً يملؤه التزييف بلغة الهرب، فإن سمح لك المدرب بالتصريح وذلك حسب أحقيتك كلاعب، عندها يجب أن تصرح و إن صرحت فهذا يظهر تراكمات اللاعب الثقافية في طريقة التعامل وشكل التصريح، بالإضافة إلى أن اللاعب يحتاج أحياناً أو على الأغلب لمعسكر يحوم حوله الجو الصافي المختلف تماماً عن ما يعيشه في وطنه، فما الفرق في معسكر مثلاً في دبي، فإنها ذات الأجواء وذات المناخ الذي يعيشه من نسيمات صحراوية، ولنتخذ من الأندية القطرية والإماراتية مثالاً، و مازلت أتذكر معسكر نادي السد القطري الذي يقع وسط الجبال الخضراء، وفي قلب التدريبات تشاهد هواء ينطلق بكل دفء وجمال على أجساد ووجوه اللاعبين، أوليس هذا تفرّداً وعملاً استثنائياً ؟، فنحن أو لأخصها على وجه التحديد، فإن اللاعب يحتاج كل ذلك حتى تنتعش روحه وينتعش شخصه من جديد كما هو الحال تماماً عندما تحدّث صفحة الإنترنت أو تغسل وعاءً ليتحول بين لديك لشكل يملؤه الصفاء والنقاء، فللاعبينا علينا حق!
اللاعب يحمل على عاتقه مسؤولية وطنية كبيرة، فحاله يكون مطابقاً تماماً لمن يلبس الزي العسكري وفي جبهة حربية، فقط لرفع راية اسم الوطن، فعليه أن يرى بنظرة ثاقبة جديّة اسم هذه المهمة، ويدخل في معالمها وعالمها في الوقت نفسه، ففي المهام الوطنية عناصر وخطط ومسؤولون وقيادة، وهم العناصر الذين يتمثلون في أجساد لاعبينا، ومن هذه المهمة فشخصية اللاعب تتغير تغيراً جذرياً، فقد تتحول هذه الشخصية التي تمارس كرة القدم من هواية إلى مهمة، ومن هنا يبدأ الاختلاف، فالتحول في تلك الشخصية هي أغلب ما يعانيه لاعبونا العرب أو المحليون خصوصاً، فيتخطى مرحلة النادي ليصل إلى مرحلة نخبوية، ولكنه لايزال ينظر لهذا التنظيم على أنه تنظيم شبابي أو «هواياتي»، فنراه يفرش شعره كما يفرش السجاد على الحائط أو نراه يحنطه كما تحنط أمريكا تمثال حريتها، فإن المسؤولية الوطنية لا تتطلب كل ذلك، بل إنها عملية مباشرة بين جهتين، جهة أولى وأخرى تضادها، فلم يستفد شعب كروي قط من تسريحة شعر لاعبيه أو طريقة تقليده لآخر، لعلي قرأت تعليقاً على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عقب خروج البرازيل من كوبا أمريكا الأخيرة ينتقد فيه أحدهم تسريحة شعر لاعبي الفريق ويمجد جيل رونالدو وريفالدو وكارلوس الذين كان كل منهم أصلعاً إن صح القول، وهذا ليس بتوصيف بل بالتفريق عن جدية المهمة الوطنية التي لا تحتاج مستعرضاً، بقدر ما تحتاج هذه المهنة من لاعب وطني حقيقي، لا يسعى لشهرته ووسامته بقدر ما هو باحث عن مجد وسمو وطني، فيجب عليه أن يحوّر ويحول من شخصيته جاهداً لكي يصبح شكلاً ومضموناً «لاعب منتخب حقيقي»، لذا فإن المشكلة الحالية عند اللاعبين الشباب في المنتخب الأول هي أغلبها مشاكل في شخصية اللاعب نفسه الذي يظهر خارجياً استعداده لتغيير شخصية النادي، ولكنه من الداخل ليس مهيئاً وليس مستعداً بعد، فيجب أن نشكّل ونصنع برنامجاً خاصاً يهتم بضرورة وأهمية شخصية اللاعب في منتخبه، ويطرح من خلاله عدة أوجه، الأخلاقيات، الاحترافية على الدكة وداخل الملعب، التعامل مع المدرب، إدارة الذات تحت الضغوط، مواجهة الضغط الإعلامي، التعامل الشخصي مع الجماهير، فهذه كلها معالم الشخصية المنتخبية التي يجب أن يجعل منها اللاعب شخصاً له على وجه التحديد.
كرة القدم الآن أصبحت علماً أكثر مما هي فنيات وتكتيكات، فاللاعب يجب أن يتحلى بعدد محدد من المميزات، كذلك يجب أن تعطى حقوقه على الشكل الأكمل، فكلاً الجهتين لا تعملان سوى في منظومة واحدة تكافلية، لا ينهض أحد إلا بنهوض الآخر وسعي الآخر، ولنتخذ من القانون الاقتصادي لعالم الاقتصاد الرأسمالي آدم سميث عندما قال إنه إذا المجموعة أرادت النجاح فعلى كل فرد أن يعمل داخلها «لنفسه وللمجموعة» ليتحول ذلك بعدها عملاً للمجموعة، والمهمة في المنتخب من دون شك مرحلة نخبوية صعبة جداً علينا أن نرى في معالمها جيداً قبل الخوض فيها، ونرسم عناصرنا من اللاعبين على الوجه الأكمل، لأن في لاعبينا مستقبل تلك المجموعة وذلك المنتخب على وجه الخصوص.