قال رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، إن مصطلح الغزو الثقافي “مخدر اخترعناه لتبرير تقاعسنا عن خدمة الثقافة والهوية العربية”، داعياً إلى الاستفادة من وسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات للتواصل مع العالم.
وأضاف لدى رعايته حفل افتتاح مؤتمر الشباب العربي الذي تستضيفه المؤسسة العامة للشباب والرياضة تحت شعار “هوية عربية ثقافة عالمية”، أن على الشباب فهم أدوارهم المجتمعية ومخاطبة الآخر بلغته وأسلوبه وضرورة احترامه.
وطرح سموه خلال الحفل المقام بقاعة الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة بجامعة البحرين، حزمة تساؤلات تناولت لماذا المؤتمر ومن نحن؟ ماذا نحمل من أفكار؟ ما مدى اطلاعنا على الآخر؟ هل الروابط التي تجمعنا كفيلة لأن تكون مصدر قوة؟ أين موقعنا من العالم “مكانة ومنزلة”؟.
وأجاب سمو الشيخ ناصر على الأسئلة المطروحة بتحديد حروف المؤتمر، وقال “حرف (ع) يعني علوم وحرف (ر) يعني روابط وحرف (ب) يعني بروز”.
وأردف “عند تحليل الكلمات السابقة نجد أننا نملك العلوم والمعرفة ما يكفي لنكون سادة العالم، ولدينا من الفكر ما يؤهلنا لنخطط لتشكيل العالم، ولدينا من الثقافة ما نفتخر به ونعتز”، متسائلاً “لكن أين نحن الآن من كل ذلك؟”.
وتابع سموه “نحن هنا في البحرين لنعيد تشكيل ما نراه سائداً ونعيد تعريف بعض مصطلحاتنا، ونخلق مصطلحات إيجابية تكون حافزاً للاستمرارية في هذه المنظومة الكونية، ولعلنا نكتشف أن مصطلح الغزو الثقافي مخدر اخترعناه بأنفسنا لنبرر تقاعسنا عن خدمة ثقافتنا ونشرها”، لافتاً إلى “أنا هنا لا أجزم بذلك بل أطرح الموضوع للنقاش مع الشباب لبحثه في الجلسات المقبلة”.
وبين سموه أن حرف (ر) تعني روابط كلمة جمعتنا اليوم، مؤكداً “جغرافياً هناك رابط لغوي، هناك رابط فكري، هناك رابط مصيري، أيضاً هناك روابط أخرى، وكان حرياً بنا أن نجتمع في مكان واحد لتحديد ما بعد هذه الروابط”.
وأضاف “بإمكاننا أن نكون قوة فكرية وثقافية، ولا ننسى أننا نتوسط العالم جغرافياً، ففي الشرق هناك آسيا وفي الغرب الأمريكيتان وفي الشمال أوروبا وفي الجنوب أفريقيا، ولو وحّدنا الجهود وتوجهنا برسائلنا لدول الجوار ومخاطبة كل جهة بلغاتها ومفرداتها، فأنا متأكد بل أراهنكم أننا ذات يوم سنكون قوة ثقافية جبارة في العالم”.
وأكمل سمو الشيخ ناصر “أما بخصوص الحرف الثالث (ب) وتعني بروز، فهذه الكلمة تلخّص الإجابة على سؤال لماذا المؤتمر؟ نحن نسعى للبروز على وجه العالم، وذكرت في النقطة السابقة أن توسطنا العالم نقطة إيجابية، لكنه في نفس الوقت نقطة سلبية إذا لم نحسن استخدام سياسة الأخذ والعطاء، فإذا بالغنا في الأخذ اندثرنا، وإذا بالغنا في العطاء فسيتم مجابهتنا بقوة ورفض وربما نكون في عزلة عن العالم”.
ولفت سموه “كل الكلمات السابقة المجيبة عن سؤال لماذا المؤتمر؟ لن تمكننا من مبتغانا إذا لم نتسلح بالوعي، وأهم نقاط الوعي الرقي في التعامل مع الآخر والتعاطي معه، وفهم أدوارنا المجتمعية ومخاطبة الآخر بلغته وأسلوبه، والاستفادة من وسائل الإعلام”.
وقال “الرقي في التعامل مع الآخر يحتم علينا الاحترام فيما بيننا، ويجب علينا مع مر الأيام ألا نفقد هذه الميزة، وما أن نتعامل مع الآخرين باحترام بادلنا الاحترام ذاته، وتقبُّلنا هذا الاحترام يجعله ينصت وإن لم يكن مقتنعاً بما نقوله أو نقدمه، لكن مع التكرار واستخدام أساليب أخرى في إيصال مبتغانا ولمسة الأمان نصل لمبتغانا”.
وأضاف “أما فهم أدوارنا المجتمعية فهي نقطة مهمة يجب علينا الانتباه لها، لكل منا دوره في المجتمع وكلنا يحمل رسالته داخل محيطه وبيئته ومجتمعه، أما بخصوص مخاطبة الآخر بلغته، فكلنا يرغب في مخاطبة الآخرين، لكن كيف؟، لا ينفع أن نصلهم بما نحن عليه اليوم أو بأساليبنا المتعارف عليها، بل يجب الوصول إليهم بالأساليب الرائجة عندهم والتي تمكننا من التواصل المستمر معهم”.
ودعا سمو الشيخ ناصر بن حمد إلى الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة وثورة تكنولوجيا المعلومات وثورة شبكات التواصل الاجتماعي، موضحاً “كل هذه وسائل للتواصل والدخول لمختلف دول العالم حتى أخبار المؤتمر تصلكم عن طريق (الهاش تاغ: الشباب العربي) وتتفاعلون معه وتتواصلون وتطرحون تساؤلاتكم من خلاله، يجب استغلال كل الوسائل في سبيل الوصول إلى إعلاء شأن الهوية العربية وثقافتها العالمية”.
الاعتزاز بالثقافة العربية
من جانبه قال رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة هشام محمد الجودر “يأتي المؤتمر الذي نحتضن فيه الشباب العربي تأكيداً لدور البحرين الريادي تجاه الشباب العربي، وتنفيذاً لتوجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، والذي يكاد لا يخلو أي خطاب لجلالته دون التأكيد على الدور البارز للشباب في رقي أوطانهم وبلدانهم باعتبارهم الثروة الحقيقية لهذه البلدان، وسط دعم كبير يقدمه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، واهتمام ودعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد”.
واعتبر مبادرة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة بإطلاق المؤتمر، بمثابة دعم لشباب الوطن العربي، ويشكل اهتماماً بقضايا الشباب قاطبة ومحط أنظار جميع الدول العربية، خاصة أنهم ينظرون باهتمام إلى التجربة البحرينية الرائدة في مجال رعاية الشباب التي أرسى دعائمها سمو الشيخ ناصر بن حمد.
وأضاف “نقيم المؤتمر كي ننطلق بشبابنا من المحيط المحلي إلى العربي والعالمي، وبهذا تفتح له آفاق الثقافة والفكر والاحتكاك مع أقرانه من مختلف مناطق العالم، حيث إن المؤتمر شبابي بطبعه وفحواه، ولأننا نؤمن إيماناً عميقاً بقدرات الشباب ورغبتهم بالمشاركة في عملية التغيير للأفضل وبناء مستقبلهم المشرق، ولابد من إتاحة الفرصة لهم للمشاركة وتمكينهم وتوفير الفرص المناسبة لهم”.
ولفت الجودر إلى أن “اختيارنا لعنوان المؤتمر “هوية عربية ثقافة عالمية” جاء لاعتزازنا بعروبتنا وفخرنا بتاريخ أجدادنا، ومع متغيرات العالم وتقدمه أصبح من واجب الشباب أن يعملوا على الارتقاء بأوطاننا، ويستفيدوا من تقدم دول العالم، ولابد أن يكون في حياتنا توازن، فلا نحن ننسى قيمنا وعادتنا العربية وننغمس في الحضارة الغربية، ولا نحن نجعل من جلباب عروبتنا عائقاً للاستفادة من تقدم العالم، الواجب يحتم علينا النهوض والارتقاء بعالمنا العربي مع الحفاظ على هويتنا”.
وبين “المسؤولية أمامكم أيها الشباب كبيرة، وأثبتم أمام العالم أنكم رقم صعب في الحاضر، وستكونون أساس المستقبل، وعليكم أن تحولوا أحلامكم وأقولكم إلى أفعال وواقع”، داعياً الشباب إلى الاستفادة من المؤتمر في سبيل الوصول إلى توصيات مهمة تشكل الانطلاقة الحقيقية للشباب العربي من أجل نصرة هويته وثقافته والبلوغ بها إلى أعلى الدرجات.
البحرين رائدة العمل الشبابي
بدورها نقلت مديرة الشباب بجامعة الدول العربية منى الميرغني من خلالها كلمتها، تحيات وتقدير أمين عام جامعة الدول العربية د.نبيل العربي إلى البحرين ملكاً وحكومة وشعباً على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، وتنظيمها للمؤتمر الشبابي العربي الذي حظي بمشاركة واسعة من قبل أبناء الوطن العربي.
واعتبرت المؤتمر فرصة سانحة للشباب العربي كافة من أجل التعرف على أفكار أشقائهم، ما يعزز مفهوم العمل المشترك لديهم.
وأعربت الميرغني عن شكرها الجزيل لسمو الشيخ ناصر بن آل خليفة على رعايته لهذا التجمع الشبابي العربي الكبير، مقدرة دور المؤسسة العامة للشباب والرياضة ومجهودها البارز في تحقيق كافة أسباب نجاح المؤتمر الشبابي.
وأكدت أن الدول العربية أخذت على عاتقها مبدأ العناية بالشباب ضمن جهودها لتنمية قواها البشرية، مضيفة “تحقيقاً لأهدافها سعت إلى جعل تلك الأهداف متكاملة ومتطابقة مع الأهداف العليا للأمانة العامة للدول العربية، وتمكين الشباب وإعطائهم الفرصة الحقيقية للمساهمة في بناء أوطانهم”. ولفتت الميرغني إلى أن المؤتمر يأتي ليسلط الضوء على قضية مهمة تكمن في تأصيل الهوية العربية التي يواجه الشباب العربي تحدياً كبيراً في تمكينها، نظراً لدخول العديد من الهويات إلى مجتمعنا العربي، موضحة أن الشباب يواجه تحدياً آخر في جعل الهوية العربية عالمية.
وأعربت عن ثقتها الكبيرة في “أبنائنا وشبابنا من الدول العربية في تجاوز التحديات وتحويلها إلى نقاط انطلاقة نحو الوصول إلى أهدفنا النبيلة تجاه ثقافتنا العربية”.
توقعات المؤتمر
وقال الشاب محمود بوجيري من البحرين ويارا شعبان من لبنان في كلمة الوفود المشاركة بالمؤتمر “من دواعي الابتهاج أن نلتقي في حفل كبير يشهد نقلة نوعية تتضح في العديد من التغييرات والظواهر على مستوى المجتمع العربي، ويأتي لبلورة نقاط مهمة من شأنها الارتقاء بمستوى التواصل بين الشباب العربي”.
وأضافا أن “هذه المؤتمرات أصبحت محط اهتمام الشباب الواضح والمباشر، باعتبارها وسيلة من وسائل التواصل والالتقاء لتبادل التجارب والخبرات في ما بينهم”، مشيرين إلى أن مقاصد المؤتمر تتجلى بالدرجة الأُولى في التعرف الشامل على مفهوم الهوية العربية باعتبارها من الهويات العالمية وتشكل أساس شخصية الشاب العربي المتمسك بعروبته وثقافته، والعمل على ترسيخ مبادئها الناصعة وتقديم مختلف الأفكار الشبابية التي تساعدهم في نشر مبادئها السمحاء بعد أن ملأت العالم بالعلم والمعرفة في القرون الماضية.
وأردفا “نحن شباب الدول العربية قاطبة نؤمن أن الهوية العربية تمثل أساساً لانطلاقتنا نحو آفاق رحبة من التعرف على الثقافات العالمية، وتشكل العنصر المهم والأبرز للشباب في حواراته ومناقشاته مع أقرانه من شباب بقية الثقافات العالمية، ونريد التأكيد أننا ومن خلال المؤتمر عاقدون العزم على توضيح كل ما يتعلق بهذا الجانب، كي نجد مجتمعنا عربياً واعياً ومدركاً لهويته العربية”.
ودعَوَا الشباب العربي للاستفادة من جميع النقاط المطروحة في المؤتمر، للنهوض بمستوى الشباب العربي الذي تسعى إليه جميع الدول العربية. وعُرض خلال الحفل أوبرويت خاص بالمؤتمر ويحمل شعار “من نحن”، من إخراج خالد الرويعي وإنتاج حسين الرفاعي، ويحكي تاريخ الهوية العربية وحضارتها الناصعة باعتبارها هوية عالمية يجب تسليط الضوء عليها. وتسلّم سمو الشيخ ناصر بن حمد في ختام الحفل هدية تذكارية من الجودر، وتم تكريم المتحدثين بالمؤتمر والرعاة الإعلاميين والوفود المشاركة. حضر المؤتمر كبار الشخصيات في المملكة وأعضاء السلك الدبلوماسي وأعضاء المجلس الأعلى للشباب والرياضة والمؤسسة العامة للشباب والرياضة واللجنة الأولمبية البحرينية وعدد من الجمعيات الشبابية.