كتب - حسين التتان:
كثر السجال الشعبي حول مسألة مهمة جداً تتعلق بالإسكان ومشاريعه، وهي المسألة المتعلقة بالبناء العمودي والمنازل الذكية. هذا الجدل الدائر مؤخراً، جعل الناس تتحسس من كل المشاريع الإسكانية التي تتعلق بالبناء العمودي وكذلك البيوت الذكية، خصوصاً لمن قارب طلبه على العشرين عاماً من الانتظار. وإذا كان المواطن أبو يوسف، أحد المنتظرين أعواماً كثيرة يقول: لا يمكن أن نصوم ونفطر على بصلة، بل حين أنتظر منزل العمر لأكثر من 15 عاماً فلا بد أن أحصل عليه، لا أن يروجوا لنا لشراء شقق تمليك. فان هناك مئات الأصوات الرافضة للمنازل الذكية والشقق العمودية.
نحاول هنا رصد نبض الشارع البحريني حول هذه المسألة، لنعرف حجم الرفض القاطع لكل مشروع لا يوفي زمن الانتظار الطويل كالذكية والبناء العمودي، كما نستمع هنا للنواب الذين ضمُّوا أصواتهم لصوت الناس، رافضين كل ما من شأنه سلب حق المواطن في السكن الصالح، له ولعياله.
معارضون ومؤيدون
المواطن الشاب مرتضى محسن له طلب إسكاني منذ حوالي خمسة أعوام، وهو ينشد أن يكون طلبه منزلاً أفقياً واضحاً كوضوح الشمس، رافضاً للبناء العمودي.
يقول محسن: من حقي كشاب بحريني أن أحصل على منزل لي ولعيالي، كما إنني أرغب أن لا تطول مدة انتظاري أكثر مما هي عليه الآن، لكن للأسف فإن هذه الأمنية لن تتحقق، خصوصاً وأن هنالك من تعدت طلباتهم الإسكانية العشرون عاماً، وهم إلى حد الآن لم يحصلوا على منزل.
يؤكد محسن أن المنازل الذكية أو كل مشاريع البناء العمودي هي مشاريع فاشلة، والسبب أنها تمت من دون أخذ رأي أصحاب الشأن، ألا وهم المواطنون، فالمواطن هو الذي يجب أن يقدم له العرض والطلب، لأن كل العملية تعتبر عملية تجارية، والمواطن سيدفع دم قلبه في منزل هو يختاره بنفسه، لا أن يختاره له غيره، وهذا سبب رئيس لرفض الناس للمنازل الذكية والعمودية.
ويضيف: أنا وزوجتي وعيالي اليوم ننتظر بفارغ الصبر أن نحصل على منزل نأوي أنفسنا من خلاله، حتى لا ندخل في حسابات معقدة من خلال البناء العمودي، والمنازل الذكية، لأن هذه الأمور، ستجعلنا نترقب ونتوتر بسبب أنها ليست أمنياتنا التي سننتظرها بعد أعوام من الصبر وتحمل الشقق وبهدلاتها وإيجاراتها التي تثقل كاهلنا.
مدن على الطراز القديم
أما المواطنة أم ناصر فتتحدث من جانبها عن البناء العمودي قائلة: مهما حاولت وزارة الإسكان من ترويجها للمنازل الذكية والبناء العمودي، أو مهما حاولت تحسين صورتها، إلا أننا لن نتقبلها ولن نقبلها، فنظام الشقق يقضي على الروح البحرينية التي نشأت وفق قيم وعادات بحرينية خالصة، من خلال الفرجان والشوارع والحارات الشعبية القديمة. نحن اليوم نطالب وزارة الإسكان بأن تحيي التراث لا أن تقضي عليه، وأن تفصل منازل فيها روح التواصل بين أبناء هذا المجتمع، لا أن تقوم بعزلهم عن بعضهم البعض، عن طريق مشاريع أجنبية لا تتناسب وطبيعة المجتمع في البحرين.
وترى أم ناصر، أن الحل الأمثل هو بناء مدن على الطراز القديم، وأن يكون المنزل الإسكاني هو منزل حقيقي، لا أن يكون شقة جامدة معلقة بعيدة عن الأرض والناس.
المستقبل للبناء العمودي
التقيناه في أحد المجمعات التجارية، إنه الشاب باسم أحمد، طلبنا منه أن يتحدث معنا عن رأيه الشخصي في المشاريع الذكية للإسكان بعد أن أوضحنا له الصورة فقال: صحيح أن المنازل هي أفضل بكثير من الشقق الإسكانية، لكن يجب على المجتمع البحريني أن يتقبل الواقع، وأن الواقع يقول، إن البناء العمودي هو بناء المستقبل، شئنا ذلك أم أبينا، ولهذا يجب من الآن أن يتأقلم المجتمع مع هذا النوع من البناء، قبل أن يصدموا بعدم وجود خيارات غيره في المستقبل.
حين سألناه، هل توافق أن تسكن في شقة من خلال مشروع بناء عمودي؟ أجاب بكل ضوح: بكل تأكيد، فأنا شاب واقعي، لا أحب تعقيد الأمور، وأنا من النماذج الشابة التي تحب أن تتكيف مع العصر.
تجاوزنا الحديث عن البناء العمودي
ذلك ما يقوله المواطنون، فماذا يقول من يمثلهم؟ النائب خميس الرميحي يستكمل ما توقف عنده المواطن البحريني فيقول: يجب أن نستوعب جيداً، أننا اليوم تجاوزنا الحديث عن مسألة البناء العمودي والذكي، وما ردود المواطن البحريني تجاه هذه المسألة إلا استفتاءً عاماً حين رفض هذه المقترحات الدخيلة على مجتمعنا مذ تم الترويج لها منذ ما يقارب الأربعة أعوام، والتي نالت قسطاً كبيراً من استنكار ورفض المواطنين لها.
ويضيف: وزارة الإسكان حينها ردت بأن هنالك شح في الأراضي، لكن الواقع يفند هذا الرأي، مع وجود أراض شاسعة لمدن إسكانية، في شرق الحد وسترة إضافة للمدينة الشمالية، والتي لو تم العمل والبدء فيهم جميعاً لحل جزء كبير من المسألة الإسكانية اليوم.
ويرى الرميحي أن المشكلة الإسكانية لا تحل بهذه الطريقة أو ببناء مدن عمودية أو ذكية، لأن الأزمة أكبر من هذه المقترحات ومما يتصور البعض، فهي يجب أن تعالج بتأني وبطول نفس. كما يرى الرميحي أن وزارة الإسكان حالياً تسير بخطى ثابتة وجيدة، ومنها أن يكون الجزء المخصص حالياً من المارشال الخليجي لمعالجة الأزمة السكنية في البحرين، كما أعلنت مشكورة دولة الكويت الشقيقة بصرف الدفعة الأولى لنا، وما على الحكومة سوى أن تضعه في المشاريع الإسكانية، كما يجب العمل في هذه المشاريع من الآن وليس غداً.
يكرر الرميحي ما ذهب إليه في مطلع حديثه، وهو رفض الشعب للبناء العمودي والذكي، وأهمية الأخذ برأي الشارع البحريني في مثل هذه المشاريع التي تعنيه، لأن المواطن هو حجر الزاوية لكافة مشاريع الدولة، وعليه لا يمكن تجاهل صوته.
يقول الرميحي: يجب على الإسكان أن لا تفكر حالياً ولمدة عشرة أعوام مقبلة في مثل هذه المشاريع الطارئة، بل عليها أن توفر منازل لهذا الجيل، خصوصاً مع علمنا التام بتوافر أراضٍ كبيرة في البحرين، أما البناء العمودي، فيمكن أن يكون بعد هذا الجيل الحالي.
لا أراضي مناسبة لدينا
النائب علي الدرازي لا يختلف رأيه عن سابقه، لكنه يقف بين محذورين، أو بين موقفين، بين قناعته بالبناء العموي لكن بشرطها وشروطها، وبين غياب التخطيط للمشاريع الإسكانية.
يقول الدرازي مستشهداً بالأرقام: منذ أن بدأت وزارة الإسكان أولى مشاريعها الإسكانية، أنشأت حوالي 50 ألف وحدة سكنية في حوالي 50 عاماً، والآن بلغ عدد الطلبات الإسكانية حوالي53 طلباً. هذه الأرقام تحفزنا وتجبرنا على أن نقوم بصورة عاجلة جداً بخلق حلول للمشكلة السكنية في البحرين، تكون حلولاً جذرية وسريعة. غير أن السؤال المطروح هنا؛ هل تمتلك الدولة أراضي كافية لكل هذه الطلبات؟ هل لدينا أراضٍ مستصلحة ذات بنية تحتية جاهزة؟ الجواب بكل تأكيد هو “كلا”، فالأراضي غير موجودة، ويكفيكم دليلاً ما تفكر به وزارة الإسكان، في محاولة منها استغلال الأراضي الصخرية في منطقة البحير لإنشاء مشروع إسكاني فوقها، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على شح الأراضي في البحرين.
ويضيف: فلنفترض جدلاً أن باستطاعة وزارة الإسكان أن تنشئ 5 آلاف وحدة سكنية كل عام، وأن الطلبات الحالية ستكون جاهزة بعد 10 أعوام، فهل ستكون الطلبات بذات العدد أو أكثر بعد انتهاء هذه الطلبات الحالية؟. إن المستحيل في هذا الأمر هو عدم توفر المواد الأساسية للبناء في الوقت الراهن كالرمل والإسمنت وغيرها، لبناء هذا الكم الهائل من المشاريع الإسكانية، ناهيك عن صعوبة قضايا الدفان ومشاكل المحجر التي يعلم بها الجميع.
ويرى الدرازي بعد كل هذه الحقائق والمقدمات، أن الحل الحقيقي يكمن في البناء العمودي، “الذي كان يجب أن يطرح كحل قبل أكثر من 20 عاماً من اليوم، لكن البلاد تعاني أشد الأمرين من سوء التخطيط، إذ ليس لدينا أي تخطيط في كل المجالات العمرانية، كما تفتقر البحرين إلى التخطيط الاستراتيجي”.
لا تخطيط في البحرين
ويضيف: كل دول العالم لديها معايير واضحة للتخطيط إلا البحرين، فهي تفتقر إلى القواعد والأحكام الخاصة بالإعمار، والدليل على ذلك، هو إنشاء مناطق جديدة من دون وصول شبكة الكهرباء والماء والصرف الصحي وبقية الخدمات الضرورية لها، كما إننا اليوم في حاجة ماسة إلى البحث عن حلول استراتيجية وليست ترقيعية.
وحول عدم تقبل المواطنين للسكن العمودي، يقول الدرازي: البناء العمودي هو الحل، حتى لو لم يتقبله الناس، لأنهم إذا لم يتقبلوه، فإنهم لن يتقبلوا الواقع. من الطبيعي أن الناس مع بداية أي مشروع جديد لا يمكن أن يتقبلوه بسهولة، ولهذا لابد من تهيئة الرأي العام إليه، وهذا ما حصل تماماً مع بداية بعض المشاريع الإسكانية الناجحة كمدينة عيسى ومدينة حمد. إن البحرين لا تمتلك مسطحات، ولهذا يجب أن تفكر جدياً بالبناء العمودي، لكن هذا لا يكون بالفوضى والدعوات الإعلامية المبهرجة، بل يحتاج أمر التهيئة إلى تخطيط وإلى استراتيجيات وإلى بناء تتوفر فيه كل الخدمات الحقيقية كالأسواق والحدائق والمدارس والمستشفيات، إضافة للطرق السليمة، كما ينبغي أن تكون مواصفات الشقق مواصفات عالمية، ذات جودة عالية، وفيها كل سبل الرفاهية، وهذا لن يكون إلا عبر خلق قوانين ومعايير صارمة، لا أن يقوم هذا المشروع على البركة أو على الحظ، وإلا فمن حق الناس رفضه، لأن تجربتها مع وزارة الإسكان لم تكن مطمئنة.
وزارة الإسكان
أرسلنا خطاباً صريحاً إلى الإخوة بوزارة الإسكان بتاريخ 21 يونيو، يحتوي على استفسارات حول أهم المشاريع والخطط التي تعتزم الوزارة على تنفيذها والقيام بها، من المشاريع العمودية أو بما يسمى بالشقق العائلية، لكن وحتى الآن لم يردنا أي جواب منهم.
البناء العمودي
يرى بعض المختصين من المهندسين أن البناء العمودي هو أفضل من البناء الأفقي وذلك لتوافر المزايا التي يوفرها البناء العمودي وهي كالتالي :
1- إن بناء العمارات السكنية التي تضم عدة طوابق، في حدود 25 طابقاً أو أكثر، يؤدي إلى تقليص حجم المكان إلى أقل من النصف أو الثلث، إذ يمكن أن تضم العمارة الواحدة أكثر من 50 عائلة وعلى مساحة محدودة من الأرض بين 600 و700 متر مربع مع الخدمات، في حين أن إسكان العدد نفسه من العوائل على طريقة البناء الأفقي يتطلب مساحة من الأرض، مع خدماتها، تتجاوز 20 ألف متر مربع.
2- يوفر التوسع في البناء العمودي أفضل خدمات الأمن والحماية للمواطنين وللدولة عموماً، وبأقل عدد ممكن من أفراد الأمن والأموال فضلاً عن إمكان السيطرة الأمنية. ولا يخفى على أحد ما يتضمنه البناء الأفقي من ضرورة وجود أزقة وتقاطعات طرق بأعداد كبيرة جداً ، مما يضعف السيطرة الأمنية على المدينة المتوسعة في كافة الاتجاهات، ويتيح إمكانات الإخفاء والتخفي للمجرمين مما يسهل العمليات الإرهابية والأعمال الخارجة عن القانون عموماً.
3- يتيح البناء العمودي واعتماد أسلوب المجمعات السكنية تقديم أفضل الخدمات الأمنية والبلدية والصحية والتعليمية ويقلص من شبكات إمدادات الكهرباء والماء والاتصالات والغاز والحماية الأمنية، وتوفير الأموال اللازمة لتقديمها إلى حدود أقل من النصف، إذ ستكون الإمدادات مشتركة. بينما يتطلب التوسع الأفقي مد شبكات عملاقة من إنابيب المياه والمجاري وخطوط الكهرباء والاتصالات تتوزع على مساحات شاسعة تكلف إمداداتها مبالغ ضخمة كما تصعب عمليات صيانتها.
4- يسهل البناء العمودي التوسع في إنشاء مراكز ترفيهية وثقافية وحدائق عامة للمواطنين بالنظر لما يوفره من أموال، فيكون عاملاً من عوامل التحضر والرقي المدني.
5- يتلائم البناء العمودي تماماً مع الخطط الاستثمارية لأنه يوفر داخل المدن أراضي واسعة للاستثمار، مما يؤدي إلى تطوير المدينة لتتحول من مدينة محلية إلى مدينة عالمية، في حين أن المدينة المكتظة بمنازل السكن لا تتوفر فيها هذه المزايا.
6- إن بناء مشاريع استثمارية ومصانع خارج المدن الكبرى وفي المحافظات مع بناء مجمعات سكنية، مع خدماتها الترفيهية والثقافية، إلى جانبها يؤدي إلى الهجرة المعاكسة وبالتالي تخفيف الاختناقات داخل المدن الكبرى. فضلاً عن أن التوسع العمودي يتيح إمكانات واسعة للتنظيم الإداري وتقدم وازدهـار المـدن وبأقـل الكلـف. ويلاحظ أن بناء مدن جديدة الى جوار المدن القديمة يكون أقل كلفة من إصلاح وإعمار المدن القديمة، ويتيح لمخططي الإعمار مجالاً أرحب للإبداع والتطوير.
البيوت الذكية
التكلفة: من 22 ألف إلى 24 ألف دينار
العمر الافتراضي للبيت: 90 عاماً
في المقابل هناك من يرى أن مشروع البيوت الذكية هي من أفضل المشاريع للمستقبل وذلك لجودتها وما توفره من مساحات للأراضي ومواد خام مكلفة، وهو اقتصادي لأبعد حد يُتصور.
الخبرة العملية: الشركات الصينية تؤكد للحكومة أن هذا النوع من البناء معمول به منذ 20 عاماً في ألمانيا والصين وماليزيا وأمريكا وباكستان ولم يلحظوا عليها أي مشكلات حتى الآن.
المواد المستخدمة: هي فلل صينية مسبقة الصنع من ألواح خشبية ضد الرطوبة والحرارة، وتقلل ما نسبته 60 % من فاتورة الكهرباء والجدران من الخارج تلبس بالسيراميك الذي يشبه حجر الرياض.
تقنية البناء: بتقنية الفوم الرغوي الماليزي ويكون الصب في موقع العمل وتقلل فاتورة الكهرباء وتحتفظ بدرجة برودة الغرف ولا قدر الله في حالة الحرائق تقاوم لأكثر من 7 ساعات، وسماكة الجدران 10 سم والواجهات الخارجية بالسيراميك والأبواب خشب حديدي والنوافذ من البي في سي، وللأدوار المتكررة تكون الأعمدة خرسانة طبيعية تكلفة المتر أقل من السوق الحالي بنسبة 30%.
الحوائط: البناء بالحوائط مسبقة الصنع من الصين نيو وول متيرال وبمواصفات عالية وتحمل أعلى شهادات المواصفات والمقاييس العالمية وأسعار البناء بها أقل من الموجود بنسبة 20%.
التنفيذ: يسلم البناء خلال شهرين من بداية العمل.