كتـب - وليـد صبـري:
كشفت الاحتجاجات الأخيرة في عدد من دول الشرق الأوسط ضد إنتاج وعرض فيلم “براءة المسلمين” المسيء للإسلام، النفاق الأمريكي، وازدواجية واشنطن في التعامل مع العنف الذي صاحب هذه التظاهرات، حينما دعت واشنطن زعماء دول “الربيع العربي” في مصر واليمن وتونس وليبيا، وهي الدول التي شهدت هجمات على بعثات دبلوماسية أمريكية إلى أن يبذلوا قصارى جهدهم لاستعادة الهدوء ورفض “استبداد الغوغاء”. ووصفت واشنطن الاحتجاجات في الشرق الأوسط لأول مرة بـ “طغيان الغوغاء”، في الوقت الذي تجاهلت فيه الحديث عن “سياسة ضبط النفس” التي طالما رددتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تعليقاتها على التظاهرات التي اندلعت على مدار أكثر من عام ونصف في عدد من الدول بالشرق الأوسط، كما لم تتطرق الخارجية الأمريكية للحديث عن احترام حرية التظاهر والاحتجاج، الأمر الذي يفسر التناقض الأمريكي الواضح في تقييم الاحتجاجات والتظاهرات، الأمر الذي ارجعه محللون إلى أن واشنطن غيرت لهجتها عندما طالتها نيران تلك الاحتجاجات، وأصبحت التعبير عن الرأي وحرية التظاهر ضد المصالح الأمريكية في تلك الدول.
في الوقت ذاته، لم تندد الإدارة الأمريكية بحملة الاعتقالات التي شنتها قوات الأمن ضد بعض المتسببين في أعمال العنف في تلك الدول.
وظهر الموقف الأمريكي جلياً في تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الجمعة الماضي حينما تحدثت أثناء مراسم استقبال جثث 4 أمريكيين قتلوا في الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي الليبية الثلاثاء الماضي، بينهم السفير كريس ستيفنز، وقالت إنه “كان هذا أسبوعاً صعباً”.
وأضافت كلينتون خلال المراسم التي حضرها الرئيس الأمريكي “لم تبدل شعوب مصر وليبيا واليمن وتونس استبداد ديكتاتور باستبداد الغوغاء”.
وتابعت “يجب على الناس العقلاء والقادة العقلاء في هذه البلاد أن يفعلوا كل ما بوسعهم لاستعادة الأمن ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال العنيفة”.
كما دعت كلينتون للتفريق بين “الحفنة المتوحشة” التي قامت بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي”، على حد قولها، وبين سلطات ليبيا وشعبها.
وكانت تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة ذات دلالة لنفس المضمون، حينما اعتبر أن الحكومة المصرية الحالية ليست حليفا ولا عدوا للولايات المتحدة وحذر من وقوع “مشكلة كبيرة حقيقية” إذا لم تؤمن القاهرة الحماية للسفارة الأمريكية.
وأضاف أوباما “الوضع لا يزال غامضاً ولكننا ننتظر كيف سيتصرفون حيال إلحاحنا لتأمين الحماية لسفارتنا وطاقمنا الدبلوماسي، في حال تصرفوا بطريقة تثبت أنهم لا يتحملون هذه المسؤوليات مثل الدول الأخرى حيث توجد لنا سفارات، أعتقد أن هذا الأمر سوف يشكل مشكلة كبرى حقيقية”.
وفسر محللون تصريحات أوباما بأنه رد فعل، على “تأخر” الرئيس المصري محمد مرسي في إدانة محاولة محتجين الثلاثاء الماضي اقتحام السفارة الأمريكية في القاهرة ونزعوا العلم الأمريكي واحرقوه، واستبدلوه بعلم عليه عبارة “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”.
كما عبّر أوباما عن قلقه على سلامة الدبلوماسيين وسفارة الولايات المتحدة الأمريكية في صنعاء، في محادثة هاتفية مع نظيره اليمني عبد ربه منصور هادي.
ورأى محللون أن “دعم واشنطن للتغيير في عدد من الدول بالشرق الأوسط وحتى وأن كان استجابة لرغبة شعوب تلك الدول، إلا أن مشاعر الكراهية تجاه أمريكا لم تتغير، وكشفتها بوضوح احتجاجات الغضب الأخيرة في دول الشرق الأوسط. وأضاف المحللون انه ربما تزيد تلك المشاعر في الفترة المقبلة مع إعلان واشنطن عزمها نشر قوات لمواجهة التظاهرات المعادية للأمريكيين. وقد أرسلت واشنطن 100 من مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” إلى ليبيا واليمن.
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا “يجب أن نكون مستعدين لفرضية خروج هذه التظاهرات عن السيطرة”.