شعر - عبدالناصر صالح:
أَمضي إلى حيثُ انتِصافُ اللّيلِ
يُسلِمُني الخَريفُ لياقةِ الحُمّى،
ويَحمِلُني الصّهيلُ على مِدادِ البَرْقِ أسئلةً
تُباغِتُ بَوْحَها،
في الجرحِ مُتّسَعٌ لنايِ غنائِكَ المَذْبوحِ
للوجه الذي افتَضّوا بَكارَتَهُ،
فما نَفْعُ الخِطابِ المُرِّ
إن غابَ الحَوارِيّونَ،
واحتَفَلَ الغُزاةُ بِنارِهِم ؟
كم غيمةً مرّتْ على أَشلائِنا
لِنُتِمَّ أَوّلَ شَهْقَةٍ في صَمْتِنا العَلَنيِّ ؟
بَرْقٌ طائِشٌ يأتي
إلى حيثُ انبِلاجِ الدّمعِ
تَنكَفيءُ المَصابيحُ القَصِيّةُ،
تَفْقِدُ الرّؤيا عباءَتَها
ولا أمطارَ تَسْتُر عورَةَ المنفى
ولا شَجَرٌ يغادِرُ طَمْيَ مَنْبَتِهِ
فأَستَجدي سماءً لستُ أعرفُها
كأَنّي ما فَتِنْتُ بِبَرْقِها الشَّمْعيِّ
أو سَكَنَتْ دَمي..
عَبَثاً أُبدِّدُ رقصةَ الموتِ التي تَجتاحُني
عَبَثاً أُزيلُ مخَاوفي
عن مَرْقَدِ العُمر الذي يَدْنو
فما جدوى مُغازَلَةُ السَّرابِ إذا تَأَبَّطَني الرّدى ؟
* * *
سأقولُ للشَّجرِ المُحايِدِ خُذ دَمي
لفَضاءِ ما أَتْلو،
وما أَتلوهُ سِحرٌ
لا تُفارِقْني..
بَكارةُ عمرِنا تَمضي
فما جدوى النَّزيفُ الوَغْدُ
إنْ لَفَظَتْ ملاءَتَها الكُروم ُ؟
سئِمتُ من بَوْحٍ يُعربِدُ إذْ توضأتِ الخُيولُ
سئِمتُ من لصٍّ تَسلَّحَ بالنَّزاهةِ
ليتَني المائيُّ،
أَملِكُ ما اشتَهَيْتُ من المَواجِدِ
إن تَحَجَّرَتِ اللُّغاتُ وشَقّ وجدانيَ الجُنونُ ؟
صَعَدْتُ،
لا وَهْماً أرى
لا أغنياتٍ تَعْشَقُ التّأْويلَ
أينَ أحبّتي ؟
وبكارَةُ العمرِ الذي يَمْضي على وَقْعِ الممالكِ
أينَ ناصيَةُ البلاغةِ
أُنْجِبُ المعنى على شطآنها وتُعيد لي لوني
صَعَدْتُ،
سماؤنا عَطْشى
فلا تَكْتُمْ غيابكَ عند مفترق الأسى
لا يَرْغبُ المائيُّ عُزْلَتَهُ
إذا شاخَ الرّبيعُ وأَحْجَمَتْ عنه السَّواقي
مُثْقَلٌ صوتي بأنغامِ التَّحَسُّرِ
كيفَ أعرجُ لانتشالِ الأخضرِ المَلَكيِّ
من حِمَمِ المَشانقِ ؟
مَنْ أتى بالنّارِ آلهةً
وَمَنْ باعَ القبائِلَ مُهْرَةَ الرَّعد المُدَمْدِمِ ؟
ليسَ وَهْماً أَنْ كَتَبْتُ مآثرَ الشُّعراءِ
والشُّهداءِ
والوطنِ الرَّماديِّ الذي يَتَعلّمُ الإنشادَ،
بين جنازَتَيْنِ
صعدتُ،
أَسْلَمَني الخَريفُ لعُزْلَتي في التّيهِ
حاوَرْتُ السّماءَ
شَواهدَ القَتْلى
وزَهْرَ الجُلَّنار على الرُّخامِ
وما فَتَحْتُ نَوافذي لمدائحِ القبرِ المُكَيَّفِ
أو أَرَقْتُ على مِدادِ قُصورِهِم لُغَتي
فأيُّ مدائحٍ للجوع أكتبُ
من أتى بالمَوْتِ مَمْلَكَةً؟
وما جدوى الهروبُ/ الصّمتُ
إنْ زُهِقَتْ صلاةُ الاسْتِغاثَةِ ؟
ليتَني المائيُّ
أَرْفُلُ بالنّدى والرّيح والطّيْرِ العَفِيِّ
وَمْن تَوارى خلفَ دَمْعَتِهِ
لِيَرْسُمَ صورةً مَنْسِيّةً للبَحْر.