كتب - طارق مصباح : قال الداعية الإسلامي الشيخ رضا الهجرسي إن هناك من الناس من زعم أن للرؤيا تأثيراً في الأحكام الشرعية، والصحيح بخلاف ذلك فإن الشرع قد كَمُلَ في عهد النبوة ولا يحتاج إلى من يُكمله أو يزيد عليه من اليقظة أو المنام! وأضاف أن رؤيا الناس (غير الأنبياء) علينا أن نعرضها على أهل الاختصاص من مفسري الأحلام المعروفين، مشيراً أنها تُعرَضُ على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سَوَّغتها عُمِلَ بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها، مضيفاً أن فائدتها البشارة أو النذارة، وأما استفادة الأحكام فلا يُقطَعُ بمقتضاها حكمٌ ولا يُبنى عليها أصل، فإذا كان فيها أمرٌ أو نهي لا يُعتمد عليها في التشريع أما ما ليس فيها أمرٌ أو نهي فلا يُستأنس بها. وبين أنه يُسّنُّ لمن رأى رؤيا لا تسُرُهُ أن يتفِل عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان، ويُغير جنبه ويُصلي إن شاء، وينبغي ألا يُحدِث بها الناس. جاء ذلك خلال لقاء أجراه معه “الوطن الإسلامي” ضمن سلسلة تتكون من جزئين يتم من خلالها مناقشة موضوع الرؤى والأحلام وما يتعلق بها من جوانب عقدية واجتماعية تمس حياة الفرد والمجتمع نستضيف فيها مجموعة من المشايخ وطلبة العلم في المملكة. بين الرؤيا والحُلم.. ^ هل هناك فرق بين معنى لفظ “الرؤيا” والحلم”؟ جاء في (مختار الصحاح): الرؤيا والحُلم – بضمِّ اللام أو سكونها لغةً: ما يراه النائم في منامه. قال القاسمي: “الحُلم عند العرب يُستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات التي سنها الشارع للفصل بين الحق والباطل وكأنه كره أن يُسميَّ ما كان من الله تعالى وما كان من الشيطان باسمٍ واحد! فالرؤيا تُطلق عادةً على المنام الذي يتعلق بالبشارة أو الإنذار للرائي، والحُلم يطلق عادةً على عموم المنام. ^ هل يمكن أن نقول أن ما يراه النائم إما حلم أو رؤيا بارك الله فيكم؟ إن ما يراه النائم في النوم ثلاثة أنواع: 1- رؤيا، وهي من الله تعالى، وهي مشاهدة النائم أمراً محبوباً وقد يُراد بها تبشير بخير أو تحذير من شر أو مساعدة وإرشاد. 2- الحُلم، وهو ما يراه النائم من مكروه، وهو من الشيطان. 3- حديث النفس، وهو ما يسمى “أضغاث أحلام”، وهي أحداث ومخاوف في الذاكرة والعقل الباطن يُعاد تكوينها في النوم، كمن يفكر في شيء يشغله فيراه وما يتعلق به في منامه، ولا تأويل لهذه الأشياء. ^ هل وردت أدلة من القرآن على الرؤيا؟ نعم، وردت آيات ذكرت فيها الرؤى، منها قول الله سبحانه وتعالى “وكذلك مكنَّا ليوسف في الأرض ولنُعلِمَهُ من تأويل الأحاديث”، “وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنةً للناس”، “إذا قال يوسف لأبيه يا أبتِ إني رأيتُ أحدَ عشرَ كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”، “لقد صَدَقَ اللهُ رسولَهُ الرؤيا بالحق، لتَدخُلُنَّ المسجد الحرام”، “يا بُنَيَّ إني أرى في المنامِ أني أذبَحُكَ فانظُر ماذا ترى”. الرؤيا الصالحة ورؤية ما نكره ^ ما هو هدي الإسلام في جانب ما يراه المسلم في منامه من أمور يحبها؟ الذي ينبغي أن يفعله المسلم إذا رأى في منامه ما يُحب أن يحمد الله تعالى وأن يُحَدِثَ بها الأحبة دون غيرهم. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم “إذا اقتربت الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة”. ^ كيف تكون رؤيا المسلم “صادقة” كما جاء في الحديث؟ هي صادقة لأنها تقع صادقة لأنها أمثالٌ يضربها المَلَكُ للرائي، وصالحة لأنها تكون بشارة أو تنبيهاً على غفلة، ومعنى كونها من الله سبحانه أي من فضله ورحمته أو من إنذاره وتبشيره أو من تنبيهه وإرشاده. ^ هي إذن عكس الحُلم، كيف نفهم ذلك؟ الحُلم تحزين من الشيطان أي لكي يُحزِنَ المؤمن ويُكَدِرَ عليه حياته، وهي من الشيطان يعني من تخويفه ولعبه بالنائم، فيصور الشيطان للإنسان في نومه ما يُفزِعُهُ من نفسه أو ماله أو أهله أو مجتمعه، وصدق الله تعالى إذ يقول “إنما النجوى من الشيطان لِيَحزُنَ الذين آمنوا وليس بِضارِّهم شيئاً إلا بإذن الله”. ^ ننتقل بكم إلى الجانب الآخر، ماذا يفعل المسلم إذا رأى ما يكره في منامه؟ يُسّنُّ له أن يتفِل عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان، ويُغير جنبه ويُصلي إن شاء، وينبغي ألا يُحدِث بها الناس، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه”. رؤيا البشارة أو النذارة والأحكام الشرعية ^ هل يترتب على الرؤى والأحلام أيَّةُ أحكام شرعية؟ زعم بعض الناس أن للرؤيا تأثيراً في الأحكام الشرعية، والصحيح بخلاف ذلك فإن الشرع قد كَمُلَ في عهد النبوة ولا يحتاج إلى من يُكمله أو يزيد عليه من اليقظة أو المنام! فالرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية ولا يتجدد معها حكم شرعي البتة لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق، ولذلك أكثر الأئمة على ذلك، يقول الإمام الساعاتي رحمه الله: “وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من عباده ولكن الإلهام والخواطر والكَشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه”. - كيف نتيقن من ذلك مع أن نبي الله إبراهيم كاد يقتل ابنه عبر رؤيا! والأذان شرع لنا عبر رؤيا؟! لنعلم أولاً أن رؤيا الأنبياء وحي لأنها معصومة من الشياطين وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده إسماعيل عليه السلام بالرؤيا. أما رؤيا الناس (غير الأنبياء) فإنها تُعرَضُ على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سَوَّغتها عُمِلَ بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة، وأما استفادة الأحكام فلا يُقطَعُ بمقتضاها حكمٌ ولا يُبنى عليها أصل، فإذا كان فيها أمرٌ أو نهي لا يُعتمد عليها في التشريع أما ما ليس فيها أمرٌ أو نهي فلا يُستأنس بها، وهذا من ملخص ما قاله الشاطبي رحمه الله في “الموافقات” رداً على من انخدع من هذا الباب. - فما موقفنا من بعض الجماعات الإسلامية التي جعلت الرؤيا مصدراً من مصادر التلقي؟! نعم، غُلاة الصوفية جعلوا الرؤى من مصادر التلقي، وهذا لا يُقبل بحال من الأحوال في شريعتنا، فلا يمكن عند أهل السنة والجماعة أن يقول عالم من أهل السنة “إن الشيء الفلاني حرام والدليل رؤيا رأيتها وفيها كذا وكذا...”!! أما حديثك عن رؤيا الأذان لعبد الله بن زيد والتي أكدها عمر رضي الله عنه فما كانت رؤياه بمفردها تشريعاً إلا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها. جواز تفسير الرؤى ^ هل تعبير الرؤى جائز؟ وعلى من يَعرِض المسلم ما ينشد الحاجة إلى تعبيره من منامه؟ على المسلم أن يعرضها على عالمٍ أو ناصحٍ أو ذي رأي من أهله وألا يقُصُها على جاهل أو عدوٍ وألا يقُصُها على مُعبِّرٍ ومن في بلدهِ من هو أحذق منه في التعبير فإن عزيز مِصر حين رأى رأى ما رأى فقصَّ رؤياه على معبري بلده قالوا له أضغاث أحلام فسألَ عنها يوسف الصديق فعبرها له، إذن يعرضها على عالم بتأويل الرؤى تقياً نقياً. إذن تعبيرها وتفسيرها جائز وقد فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه ورؤى غيره من الصحابة، وفسرها أبو بكر رضي الله عنه بحضرته عليه الصلاة والسلام كما في حديث البخاري رحمه الله حين جاء رجل وقصَّ على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم رؤيا رآها فقال الصديق: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لتدعني أعبرها، فعبَّرها الصديق للرجل، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : “أصبتَ بعضاً وأخطأتَ بعضاً”، قال “والله يا رسول الله لتحدثنِّي بالذي أخطأت، قال : “فلا تُقسِم”. ^ هل من توجيه لمعبري الرؤى؟ إذا قُصَّت الرؤيا على عالم بتأويل الرؤى فعليه أن يقول: “خيراً” أو “خيراً تلقاه” أو “شراً تتوقاه”. وأن ينوي بتعبيره التقرب إلى الله تعالى بذلك، وألا يُعبِّرها على المكروه وهي عنده على الخير وألا يُعبِّرها على الخير وهي عنده على المكروه، ولا يتحرَّج من أن يُحيلها على غيره إذا لم يتمكن من تأويلها. في الجزء الثاني من الموضوع:
^ البعض يتابع بعض برامج القنوات الفضائية لمن يدعون تفسير الأحلام، وآخرون يعرضون أحلامهم عبر مواقع استشارات في الإنترنت، وآخرون يشترون بعض الكتب المتخصصة في تفسير ما يراه النائم في منامه، فما هو توجيه الإسلام بهذا الشأن؟ ^ هل هناك من المؤلفات من يعتمد عليها كمرجع صحيح في تفسير الرؤى.. لأن منها ما ينسب إلى ابن سيرين، ومنها ما ينسب إلى غيره؟ وما هي إن وجدت؟ ^ هل يمكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام؟ وهل لهذه الرؤية فضيلة لمن رآه أو أموراً تترتب عليها الرؤيا؟ ^ ما هي بعض الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم؟ ^ ما هو المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال : (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات)، قيل: وما المبشرات؟ قال : (الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له) وأصل هذا الحديث في البخاري. وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) رواه البخاري ومسلم. ^ هل يحاسب الله سبحانه وتعالى المسلم على ما يراه في منامه من الأمور الطيبة أو السيئة، كأن يرى أنه يعمل الحسنات أو يرى أنه يعصي الله سبحانه وتعالى عياذاً بالله؟